تأنيث الفقر في الأردن... ظاهرة تكشفها مساعدات الأعياد

تأنيث الفقر في الأردن... ظاهرة تكشفها مساعدات الأعياد

04 يوليو 2016
الفقر يلف الأعياد في الأردن (Getty)
+ الخط -
كشفت صورة لنحو ألفي سيدة، تجمعن أمام نادي المعلمين بمدينة الكرك الأردنية، ينتظرن الحصول على ملابس لأطفالهن بمناسبة عيد الفطر، حجم المعاناة التي تعيشها أسر عديدة تنتمي إلى شرائح اجتماعية لا تزال مهمشة وضعيفة، وغير قادرة على شراء ثياب جديدة لأطفالها.
صورة السيدات التي تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي، الأسبوع الماضي وعلى نطاق واسع، تظهر جانباً من الوضع الحياتي والمعيشي الصعب، الذي فرضته السياسات الاقتصادية المتراكمة، على أغلب الفئات الضعيفة والفقيرة داخل المجتمع الأردني. ودفعها لكي تعتمد بشكل رئيس على ما يقدم لها من دعم ومعونات، بمصدريها الحكومي والمدني، كخيار أخير لمواصلة حياتها ضمن هامش الحد الأدنى من القدرة على تأمين المتطلبات والاحتياجات الأساسية.
وفوق هذا المشهد، تطفو ظاهرة "تأنيث الفقر"، وهي ظاهرة تتوسع وتنتشر بين الأسر التي تقودها نساء. تؤكد دراسة أجرتها اللجنة الوطنية لشؤون المرأة قبل سبع سنوات، أن 62% من الفقيرات أرامل، و96% منهن لم يصلن إلى التعليم الجامعي. وأن 30.5% من الأسر الفقيرة ترأسها نساء بسبب وفاة المعيل، و14.1% بسبب غيابه. وقدرت الدراسة دخل الأسرة منها بـ114.7 ديناراً في الشهر، ما يضطر 84.7% من هذه الأسر للاعتماد بشكل كلي على المعونة الوطنية والمعونات الخاصة.
ولا يرى الخبير الاجتماعي، مسعف رمضان، في صورة النساء المتجمهرات في الكرك لاستلام ألبسة العيد لأطفالهن، ما يغاير مثيلاتها في إربد ومعان والمفرق وحتى عمان، لأن المعلومات الإجمالية لصندوق المعونة الوطنية، كما يقول لـ"العربي الجديد"، تعكس في الحقيقة واقعاً علينا ألا نتجاهله، "فالبيانات تشير إلى ارتفاع نسبة الإناث الفقيرات المستفيدات من الصندوق مقارنة بالذكور، حيث إن 55% من معوناته ذهبت لهن، بينما كانت حصة الذكور 43%. إلى جانب ذلك، فقد بلغت نسبة النساء اللواتي استفدن من برامج وزارة التنمية الاجتماعية وخدماتها نحو 65% مقارنة بـ35% للذكور. وهذا من شأنه أن يدعم ما يقال حول تأنيث الظاهرة، على الرغم من شموليتها، وعدم اقتصارها على جنس دون آخر".
وفي مسح لتعداد السكن والسكان أجرته دائرة الإحصاءات العامة العام الماضي، أشارت البيانات إلى وجود نحو 252.5 ألف أرملة من مجموع السكان، البالغ عددهم نحو 9.5 ملايين نسمة، بينما بلغ عدد الأرامل من الذكور نحو 27.7 ألف أرمل.
وتحاول الحكومة امتصاص بعض أعباء الأعياد، من خلال مساعدات ومبادرات ملكية، كان آخرها ما أعلنت عنه وزارة المالية بتأكيدها: "أن مكرمة ملكية تبلغ 100 دينار ستصرف لكل فرد من العاملين والمتقاعدين في القطاع العام والمؤسسات الحكومية، بمناسبة العيد، وأن 150 ألف أسرة ستستفيد منها، لتشمل 7 ملايين مواطن، وتبلغ قيمتها الإجمالية نحو 100 مليون دينار تقريباً".

وبخلاف القطاع العام الذي كان له الحظ الأوفر، لم يستفد العاملون في القطاع الخاص الأردني، من أية زيادات ملموسة على رواتبهم بهذه المناسبة. ويقول محمد، الذي يعمل في مؤسسة خاصة لتسويق الألبسة الجاهزة، إنه لم يقبض أية مكافأة أو عيدية منذ ثلاث سنوات. ويضيف لـ"العربي الجديد": "هنا لا أحد يهمه وضع أسرتك في العيد، وعليك أن تصرف من جيبك، حتى ولو صرفت راتبك كله، وبقيت بلا مدخول حتى آخر الشهر. ولذلك تلجأ معظم الأسر الفقيرة وغيرها، إلى الهيئات والجمعيات الخيرية، وتعتمد عليها في كثير من الأحيان، لأنها أصبحت بمثابة طوق نجاة من إعصار الغلاء الذي يضرب بقسوة، ويتأثر به حصراً الفقراء وأصحاب الرواتب المحدودة".

ويصل عدد الجمعيات التي تعمل في مكافحة الفقر إلى 3700 جمعية من أصل 5000 جمعية مسجلة تقريباً في المملكة. تدعم الأسر الفقيرة مادياً بشكل مباشر، وتدعم بعضها على إنجاز مشروعات تساعدها على الخروج من دائرة الفقر، لكن ببطء.
وفي هذا السياق، أنشأت وزارة التنمية الاجتماعية صناديق ائتمان محلية، بلغ عددها نحو 120 صندوقاً، برأسمال متوسطه 20 ألف دينار لكل منها. وبحسب أرقام وزارة التنمية الاجتماعية، فقد استفادت منها نحو 89 ألف أسرة، يشكل أفرادها أكثر من ربع مليون شخص.
ويشكك الخبير الاقتصادي أحمد المسالمة بقدرة المواطنين على الخروج من هذا المأزق من دون برامج تنموية مستدامة، لأن الفقر بين الأسر ذات الدخول المتدنية أو ذات الدخل الواحد، يزداد بشكل مطرد مع تآكل الرواتب وانزلاق الطبقة الواقعة عند خط الفقر إلى ما دونه. فضلاً عن وجود أسر من الطبقة الوسطى أيضاً، أصبحت مهيأة لهذا الانزلاق بكل سهولة، مضيفاً لـ"العربي الجديد": "الطبقة ما دون الوسطى أصبحت داخل نفق الفقر وتشكل نسبة تبلغ نحو 48% من سكان المملكة، وهي نسبة خطيرة للغاية".
ويقول الخبير الاقتصادي كمال الزعبي، لـ"العربي الجديد": "الفقر الموجود، ليس مجرد أثر تراكمي، ولا نتيجة افتقار الفقراء إلى القدرات المطلوبة، بل نتيجة نموذج إنمائي سائد، غير متكامل، لم يستطع أن يقدم حلولاً عملية تخفف من وطأة هذه الظاهرة. فقد اعتمد على وصفات جاهزة كعلاج لمجمل مشكلات اقتصاده، غير أن معظم القرارات الناجمة عن هذه الوصفة، والمبادرات الداعمة لها، لم يكن لها أي أثر يذكر على هذا الصعيد. إذ خلت من أي مسار فعال، لدفع الفقر والبطالة خطوات إلى الوراء، والتخلص من الخلل الهيكلي الذي يحول دون تحقيق نتائج إيجابية تربط بين البنى الأساسية في الاقتصاد، والبرامج التنموية، المخطط لها، وبمعرفة فنية، تساعد ثمارها في انتشال الفقراء وتحسين ظروف حياتهم.
تقيم ثلث مجموع الفقراء في الأردن، في مناطق أطلقت الحكومة عليها تسمية "جيوب الفقر" بلغ عددها في عام 2006 نحو 22 جيباً، ما لبث أن ارتفع لاحقاً إلى 36 جيباً، وأخيراً خرج أربعة جيوب منها، نتيجة انخفاض نسبة الفقر فيها إلى 25%. ويشكو الأردنيون الذين يعانون بشدة من مشكلتي الفقر والبطالة، وفق الخبير الاقتصادي، كمال الزعبي، من عدم وجود نهج حكومي تكون فيه مكافحة الفقر جزءاً من برنامج إنمائي شامل وواسع النقاط. ويقول الزعبي لـ "العربي الجديد": "على البرنامج أن يضع واقع القسم الأكبر من مواطنيه، وتطلعاتهم، في صلب اعتباراته، قابلاً للتطبيق نظراً إلى التحديات التي تواجهها المملكة في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والغذائية والأمنية...

المساهمون