ماكرون يخطب ود الشباب بعد إعادة الصلة بالضواحي

ماكرون يخطب ود الشباب بعد إعادة الصلة بالضواحي

08 فبراير 2019
يُكثّف الرئيس الفرنسي لقاءاته مع شرائح مجتمعية وسياسية مختلفة(Getty)
+ الخط -
يُكثف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لقاءاته مع شرائح مجتمعية وسياسية مختلفة، فبعد أن التقى برؤساء بلديات ومنتَخَبين، في فرنسا العميقة، قام يوم الإثنين الماضي، بانعطافة نحو الضواحي، التي ساءت علاقاته بها، بعد رفضه مشروع مارشال الذي اقترحه، بتوصية منه، الوزير اليميني السابق بورلو، والذي كان يوصي بضخ أموال كثيرة لإعادتها إلى الجمهورية وردم الهوة بينها وبين باقي فرنسا.

وهكذا التقى الرئيس الفرنسي بنحو 300 منتخب وفاعل في الضواحي، خلال ست ساعات متواصلة. وحاول ماكرون الخروج بعقد جديد، بعد أن أغضب كثيرا من منتخبيها. وفي نهاية اللقاء وردا على نداء عاطفي مؤثر من قبل أحد العمدات: "سيدي الرئيس، لا تتخل عنا"، كان رد الرئيس، الذي يراكم الوعود: "لن أتخلى عنكم، إنه ليس مزاجي".     

وبعد ثلاثة أيام من هذا اللقاء التصالحي مع الضواحي، التقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أمس الخميس، حوالي ألف شاب في مدينة "إيتانغ-سور-أرو، خصوصا بعد إضرابات طلابية قمعت بشدة من طرف الشرطة، من أجل تدارس قضايا هامة تشغلهم، وتتعلق بالدراسة والشغل والمواطنة.

لكن الهدف الرئيسي لماكرون من هذا اللقاء الماراثوني، الذي دام أربع ساعات ونصف الساعة، والذي يضاف إلى لقاءات خمسة سابقة، في إطار الحوار الوطني الكبير، هو جلب هؤلاء الشباب إلى هذا الحوار الوطني، خصوصاً أنهم كانوا الغائب الأكبر، لحد الآن.

ولهذا فإن الالتقاء بنحو ألف شاب، تتراوح أعمارهم ما بين 15 و25 سنة، في صالة واسعة للرياضة في مدينة "إيتانغ-سور-أرو" التي لا يتجاوز سكانها 2000 شخص، بمنطقة "سون- إيلْوار"، يندرج في الانفتاح على هموم هذه الفئة العمرية، التي يريد الرئيس "اختراع بلد جديد وممارسة جديدة للسياسة" من أجلها، كما يصر على التذكير.

وكانت كل قضايا الشباب وهمومهم مطروحة أمام رئيس أعلن، في البداية، أن كل شيء قابل للطرح والنقاش، مُحضِراً معه خمسة وزراء مهمين، من بينهم وزير التربية الوطنية ووزيرة الشغل. ومن بين القضايا التي أثيرت للنقاش غياب كثير من التخصصات التعليمية في المناطق القروية، وهنا تدخل وزير التربية الوطنية ليعلن إمكانية "اقتراح تخصصات مشتركة على عدة ثانويات"، إضافة إلى "اقتراح سياسة مدارس ثانوية داخلية".

من جهته، اعترف الرئيس ماكرون بأنه "من المستحيل القول بوجود كل التخصصات في كلّ ثانويات فرنسا، لكن يجب أن تتاح للجميع إمكانية توفر هذا التخصص غير بعيد عن سكناها".

وامتدح وزير التربية الوطنية "شهادة التقنية العالية" (BTS)، ورأى فيها نجاحا فرنسيا، فيما ذكّرت وزيرة الشغل بأن التلاميذ سيتمتعون بـ54 ساعة لاكتشاف الحِرَف.

ولأن آفاق الشباب واسعة وغير محدودة، طرح أحدهم على الرئيس سؤال "مكافحة الأخبار الكاذبة"، وهو موضوع أثير لدى الرئيس ماكرون، حيث أعاد التذكير بأن "مكافحة الأخبار الكاذبة شيء أساسي بالنسبة للديمقراطية، وإن أول جواب هو التربية. فمن أجل بناء مجتمع ديمقراطي ناضج، يجب تحسين التربية. ثم يجب معرفة مصدر المعلومة، ومن يبثّها". وخَلُص إلى أنه "يجب ضمان استقلالنا في مواجهة المصالح الخاصة أو القوى الأجنبية التي يحتمل أنها تريد إفساد حوار ديمقراطي".

ثم امتدح الرئيس التدريب والتمهين، في وجه تلميذ تحدث عن الصورة السلبية التي تلازم هذه الشعبة، وعاب الفكرة السابقة التي تقول: "حين نكون جيّدين في المدرسة، فلا ينبغي أن نتعلم صنعة. إنها حماقة".

وأضاف: "إن الطلاق بين النظرية والتطبيق ليس جيدا. ثم إننا، جميعا، مختلفون. البعض متفوقون في المعرفة النظرية، وآخرون أقل تفوقا، ولكنهم أكثر ارتياحا في التطبيق"، وكمن يشجع الشباب على المضي في هذا التوجه، أكد الرئيس أن "فرنسا في حاجة إلى هذه الحِرف في الصناعة وفي المهن الجديدة المرتبطة بالفلاحة، وفي البيئة والخدمات للأشخاص. إن تعلم الصنعة طريق للتميّز نحو هذه المِهن".

وتوعد الرئيس بالانخراط في مكافحة التحرش المدرسي، وعبّر عن رغبته في وضع حد للسرية على الإنترنيت من أجل مكافحة "التحرش السيبراني".

ولأن التوجهات السياسية والأيديولوجية للشباب مختلفة ومتعارضة، يسأله أحدهم حول إنتاج الطاقة النووية، فيتدخل الرئيس ماكرون للتأكيد على أنه "يتوجب علينا أن ننتج الطاقة، وبشكل خاص الكهرباء. وإذا أردنا أن نُلوّث، بشكل أقل، فإنه لا يزال يتوجب علينا أن ننتج كهرباء أكثر. إن أفضل طاقة ممكنة هي التي لا نستهلكها، وهي إذن اقتصادُ الطاقة".

ثم تتساءل شابة عما تراه "انخفاضا في الشعور الوطني" لدى الشباب، وأيضا "انحسار الثقافة لديهم"، وربطته بالأحداث الإرهابية المأساوية التي عرفتها فرنسا، وهنا يرد عليها الرئيس: "هذه الاعتداءات، في غالب الأحيان، قام بها رجال ونساء ولدوا على تراب الجمهورية، وارتُكِبَت باسم الإرهاب الإسلاموي. ولكن الأزمة الأخلاقية والتربوية لا تفسر كل هذا. وأعتقد أنه يجب معالجة الظاهرة الإرهابية بشكل خاص. إنها ظاهرة معقدة بشكل عميق، فهي جيو-سياسية وأنثروبولوجية، وبالتالي لا ينبغي حصرها في البعد التربوي لبلدنا".

وامتدح الرئيس ماكرون مدرسة عمومية تفتح على كل مكونات وأبناء فرنسا: "يجب أن نعطي من جديد معنى لمشروع وطني وأوروبي، أساس القِيَم. صحيح أننا، أحياناً، تركنا أراضي للجمهورية على جَنَب. أرى دائما آثاراً ودلائل، وهذا الاهتزاز لعشقنا للثقافة ولِلُغَتنا وقِيَمِنا". وإذن يجب تعزيز دور المدرسة: "الوصول إلى الثقافة والأدب، هو، قبل كل شيء، معرفة القراءة والكتابة والحساب، وتكوين المعلّمين، بشكل جيد".

ولأن الشباب يعرفون أيضا إحراج الساسة والرئيس، تساءل أحد الشباب عن امتيازات المنتَخَبين، فهبّ الرئيس ماكرون مُبرِّئاً ساحَتهم ومُبرزاً نزاهَتَهم: "يوجد في فرنسا 500 ألف منْتَخَب، ويجب عدم وضع كل الناس في سلة واحدة. ثم إن أغلبية المنتخبين يعمل مجاناً. (...) إن مرتب رئيس جهة هو 4000 يورو، شهريا. إنه ليس وصولاً إلى النيرفانا أن يكون المرءُ منتخَبا للجمهورية. كانت في الماضي، امتيازات وتجاوزات.. وقد أنجزنا تقدما كبيرا"، ونصح الرئيس الشباب الذين يريدون الوصول لمناصب مُدرّة ألاّ يكونوا منَتَخبين للدولة.

وأنهى الرئيس ماكرون لقاءه الطويل، بأجوبة سياسية سبق له أن عبر عنها، وخاصة موقفه من قضية الاستفتاء لتوكيد نتائج الحوار الوطني الكبير، وهو موقف ملتبس، أي يؤيده ولكن بشرط "وضع إطار له".

وفي نحو من المغازلة، نحو هذه الفئة التي لا تصوت كثيرا في الانتخابات، علما أن الانتخابات الأوروبية على الأبواب، وعلماً، أيضاً، أن الشباب في غالبيتهم أوروبيّو الهوى، أكثر من آبائهم وأجدادهم، الذين عرفوا حربين كونيتين مدمرتين، توجه إليهم الرئيس ماكرون بالقول: "لقد جعلتموني فخوراً بأن أكون رئيسا للجمهورية الفرنسية"، أي أكثر مما كان من قبل.

من كان يتصور أن الرئيس إيمانويل ماكرون استعاد عشقه للسياسة بعد شهرَين عاشهما رَهينَ الإليزيه، في عزلة قاسية!؟​

المساهمون