الروس يتخلون عن سياراتهم

الروس يتخلون عن سياراتهم

13 أكتوبر 2019
بعضهم استعاض عن السيارة بالدراجة الهوائية (أرتيوم جيوداكيان/ Getty)
+ الخط -
مع تزايد أسعار الوقود ورسوم الانتظار وضريبة تملك السيارة، تتجه أعداد متزايدة من الروس للاستغناء عن سياراتهم الشخصية، إذ أظهر استطلاع أجراه "مركز عموم روسيا لدراسة الرأي العام" في سبتمبر/ أيلول الماضي، أنّ 22 في المائة من المستطلعين مستعدون للحدّ من استخدام سياراتهم.

ومن بين أسباب ذلك، ذكر 47 في المائة ارتفاع أسعار الوقود، و16 في المائة غلاء تكاليف صيانة السيارة وتأمينها، و15 في المائة الصعوبات المالية والتقشف، و14 في المائة التكدس المروري، و8 في المائة حماية البيئة، و7 في المائة سوء حالة الطرقات. وبحسب توقعات جمعية الأعمال الأوروبية، فإنّ مبيعات السيارات في روسيا قد تشهد في العام الحالي انخفاضاً بنسبة 2 في المائة مقارنة بالعام الماضي، في ما يعد أول تراجع لهذا السوق منذ عام 2016. وذكرت صحيفة "إر بي كا" أنّ السيارات الشخصية تحولت في موسكو إلى مصدر دائم للإزعاج. وفي الوقت الذي يبلغ فيه إجمالي عدد السيارات المسجلة في موسكو 7.7 مليون، تؤكد إدارة النقل بموسكو أنّ الطاقة المرورية لشوارع المدينة تبلغ 3.1 مليون سيارة فقط يومياً.




وفي هذا الإطار، يرجع نائب رئيس "الاتحاد الوطني للسيارات"، أنطون شابارين، تزايد النفقات المتعلقة بحيازة سيارة شخصية في روسيا إلى ارتفاع حصة الضرائب والرسوم في أسعار الوقود، وبذل السلطات المحلية في بعض الأقاليم، وفي مقدمتها موسكو، جهوداً لاتخاذ إجراءات من شأنها إجبار السكان على الاعتماد على وسائل النقل العام.

ويقول شابارين لـ"العربي الجديد": "ليس سراً أنّ الضرائب والرسوم لها الحصة الأكبر في سعر لتر الوقود، وبإمكان الدولة التحكم فيه بسهولة عن طريق تخفيضه. لكنّ ذلك لا يحدث، وسعر الوقود في روسيا أعلى منه في كازاخستان، مثلاً، بالرغم من أنّ هذه الأخيرة من الدول الأعضاء في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي إلى جانب روسيا.

وبحسب تقديرات شركة "بي دبليو سي" للاستشارات، فإنّ النفقات السنوية الناتجة عن تملك سيارة من الفئة الاقتصادية في روسيا تبلغ حوالي ألفي دولار أميركي، شاملة الوقود والتأمين والصيانة الدورية والضرائب، أو ثلاثة آلاف دولار في حال احتساب فوائد الأقساط وتراجع سعر السيارة المستعملة عاماً بعد عام. كما أن هذه النفقات قابلة للارتفاع بنسبة تزيد عن الثلث للسيارات من الفئة المتوسطة.

وحول سياسات الدولة للحد من عدد مستخدمي السيارات، يضيف شابارين: "تبذل بعض الأقاليم، وأولها موسكو، قصارى جهدها لإبعاد سائقي السيارات عن المدينة. ترمي سياسات بلدية موسكو إلى إجبار الجميع على استخدام وسائل النقل العام".

ومن بين الخطوات التي اتخذتها السلطات المحلية في العاصمة الروسية في السنوات الماضية للحد من اعتماد قاطنيها على السيارات الشخصية، رفع رسوم الانتظار لتصل إلى ما يعادل نحو ستة دولارات في الساعة في وسط المدينة مقابل إعفاء مستخدمي تطبيقات تقاسم السيارات من مثل هذه الرسوم. ولعلّ هذا هو ما أدى إلى توسع غير مسبوق لسوق تقاسم السيارات بموسكو بعدما سجل زيادة بمقدار خمسة أضعاف في العام الماضي، متجاوزاً عتبة 100 مليون دولار.

بالإضافة إلى ذلك، جرى تخصيص ممرات خاصة بالطرقات والشوارع الرئيسية لحركة حافلات النقل العام وسيارات الأجرة بعيداً عن التكدس المروي. كذلك، تشهد شبكة المترو توسعاً غير مسبوق، متجاوزة حدود طريق موسكو الدائري، لتربط الأحياء النائية بوسط العاصمة.

ولا تقتصر متاعب السائقين في البحث عن موقف ركن للسيارة على وسط المدينة فحسب، بل تتزايد أيضاً في الأحياء السكنية، إذ وصلت الحال باتحادات الملاّك إلى وضع أجهزة المزلقان (العوارض الحديدية المتحركة) عند مداخل المباني. وفي الأحياء الجديدة التي تضم أبراجاً يصل ارتفاعها إلى 20 طابقاً فأكثر، تحوّل انتظار السيارات إلى مشكلة حقيقية، إذ بات إيجاد مكان شاغر في الساعات المتأخرة من المساء ضرباً من ضروب المستحيل، إذ إنّ الشوارع الضيقة لم تُصمم لاستيعاب سيارات هذه الأعداد الهائلة من السكان.

لم تفوت إدارات بعض المجمعات السكنية، الفرصة لزيادة أرباحها، مفتتحة بضع ساحات الانتظار (المواقف) المغلقة التي تضمن مكاناً للمشتركين يركنون فيه سياراتهم، مقابل اشتراكات تبدأ من 70 دولاراً شهرياً، مما يزيد من النفقات السنوية المتعلقة بحيازة سيارة 800 دولار سنوياً.




بحسب استطلاع "مركز عموم روسيا لدراسة الرأي العام" فإنّ 67 في المائة من العائلات الروسية تملك سيارة، و18 في المائة أكثر من سيارة واحدة، كما أنّ هذه النسبة ترتفع إلى 24 في المائة في موسكو وسان بطرسبورغ. لكن، في المقابل، إذا كان 70 في المائة من السائقين في عموم البلاد يستقلون سياراتهم يومياً، فإنّ نسبة مثل هؤلاء تنخفض إلى 55 في المائة في موسكو وسان بطرسبورغ، مما يعكس تزايد المتاعب والصعوبات المتعلقة بحيازة وقيادة السيارة في أكبر المدن.

تعلق امرأة روسية تُدعى يكاترينا، وهي من سكان أحد الأحياء الجديدة على أطراف موسكو، على أزمة مواقف السيارات، بالقول: "حين أعود من العمل إلى المنزل مباشرة أذهب بسيارتي، لكن حين أعلم أنّي سأعود متأخرة، أترك السيارة وأستقل المترو، لأنّني أعلم مسبقاً أنّني لن أجد مكاناً بعد العودة".