تزايد الممتنعين عن الإنجاب في روسيا

تزايد الممتنعين عن الإنجاب في روسيا

19 سبتمبر 2019
في مياه سوتشي (ديميتري فيوكتيستوف/ Getty)
+ الخط -
ينشط عبر الإنترنت في روسيا أنصار حركة "تشايلدفري" التي تدعو إلى الامتناع الذاتي عن الإنجاب، وسط استمرار تفوق عدد الوفيات على المواليد في روسيا، ما ينذر بتراجع عدد سكان البلاد في السنوات والعقود المقبلة. وتزعم مجموعة "تشايلدفري" على شبكة "فكونتاكتي" الروسية للتواصل الاجتماعي أنّ هناك إمكانية للاستغناء عن رعاية الأبناء للأهل في الشيخوخة، وأنّ الحياة بلا أطفال مفرحة وتحافظ على صحة المرأة ورفاهية الرجل. ويشارك القائمون على المجموعة التي تضم نحو 16 ألف مشترك، منشورات حول سلبيات الإنجاب مثل النفقات المالية المترتبة على ذلك وسط تخاذل الدولة عن تقديم الرعاية اللازمة. وبدورها، تضم مجموعة "أحاديث تشايلدفري" التي تشارك منشورات مماثلة، نحو 60 ألفاً من المستخدمين، ما يعكس توسع نطاق الدعوة.

وتشير الأرقام الصادرة عن "مركز عموم روسيا لدراسة الرأي العام" إلى أنّ 6 في المائة من العائلات الروسية لا تريد الإنجاب، كما أنّ هذه النسبة قابلة للارتفاع في المدن الكبرى، إذ وصلت إلى 17 في المائة في العاصمة موسكو. وفي هذا الإطار، تعتبر كبيرة الباحثين بمعهد الديمغرافيا التابع للمدرسة العليا للاقتصاد في موسكو، أولغا إسوبوفا، أنّ وصول موجة "تشايلدفري" إلى روسيا يعود إلى تغيير مفاهيم ما هو مقبول مجتمعياً خلال الأعوام الاثني عشر الماضية وتفاقم الصعوبات المتعلقة بتربية الطفل لأسباب مجتمعية واقتصادية. تقول إسوبوفا لـ"العربي الجديد": "بات المجتمع يضع على عاتق الوالدين المسؤولية الكاملة عن الإنجاب، قائلا لهما: لم يطلب أحد منكما إنجاب طفل. كلما سمع الشباب هذه الجملة يفكرون: بالفعل لم يطلب مني أحد الإنجاب، فلماذا سأفعل ذلك؟".




وعلى الرغم من سعي السلطات الروسية لاستحداث مختلف الإعانات المجتمعية لرعاية الأمومة والتحفيز على الإنجاب، توضح إسوبوفا أنّ "سياساتنا في مجال الأسرة تقتصر على جعل حياة الأم مقبولة حتى بلوغ الطفل عاماً ونصف العام... فمن المهم دعم الطفل بعد ذلك، إذ كلما كبر، ازدادت النفقات". وحول أسباب امتناع النساء عن إنجاب الأطفال أو الطفل الثاني أو الثالث، تضيف: "في ظل تراجع هيبة الأمومة في روسيا الحديثة، يظهر الناس انزعاجاً متزايداً من الأمهات في العيادات ومداخل العمارات والطائرات ووسائل النقل العام بحجة: لماذا أساعدهن، فلم يجبرهن أحد على الإنجاب... صحيح أنّ هذا الرأي لم يصل إلى مستوى التعميم بعد، لكنّه يشكل نقطة سلبية ملحوظة حول الأمومة". وتحذر إسوبوفا من تزايد عدد الممتنعين عن الإنجاب في روسيا، وتخلص إلى أنّه "يجب تغيير المناخ المجتمعي تجاه الأمهات والحدّ من الغضب والانزعاج من السيدات برفقة الأطفال حتى لا يشعرن أنّهن وحيدات، إنّما يؤدين مهمة ضرورية في المجتمع".

وفي مقابل تزايد عدد المروّجين للامتناع عن الإنجاب، ثمة من يستخدم شبكة الإنترنت للتأكيد على التمسك بالقيم الأسرية التقليدية وتحقيق الذات عبر الاعتناء بالطفل. تاتيانا فالينا، أم لعدة أطفال، ومدونة من مدينة نيجني نوفغورود، واحدة من هؤلاء. تقول لـ"العربي الجديد": "هناك أمور كثيرة مقلوبة رأساً على عقب في عالمنا الحديث، إذ كان يجري الترويج على مدى قرون لفكرة أن الأطفال يشكلون أعلى القيم، لكن اليوم بات يقال إنّنا أنفسنا أعلى القيم، بينما الأطفال ليسوا ضروريين للشعور بذلك". وحول تقييمها لمثل هذا النهج، تضيف: "تعود مثل هذه الفلسفة إلى احتجاج المراهقة، إذ لم أرَ بعد أنصار الامتناع عن الإنجاب من الكبار في السن. هناك موضة بين الشباب في سن الـ20 لمعارضة الرأي العام، لكنّ موقفهم يتغير عند بلوغ سن الثلاثين". وفي ما يتعلق برؤيتها لدوافع الإنجاب بين الشباب، تتابع: "الطفل هو عالم كامل يرتقي بحياتكم إلى مستوى جديد من إدراك الذات. طالما لم تنجب، فأنت لم تحقق ذاتك، ولم تكتشف مدى إمكانياتك وعمق عواطفك".




ومع تحول المسألة الديمغرافية إلى الشغل الشاغل للسلطات الروسية، دعا الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قبل فترة، الشباب إلى زيادة عدد المواليد بدلاً من المشاركة في التظاهرات الاحتجاجية التي شهدتها موسكو في الصيف الماضي رفضاً لاستبعاد مرشحي المعارضة "غير النظامية" من سباق انتخابات مجلس دوما (نواب) العاصمة.

تراجع في عدد السكان
سجلت روسيا التي يبلغ عدد سكانها نحو 147 مليون نسمة، في العام الماضي 2018، أول تراجع في عدد السكان منذ عشر سنوات، إذ لم يعد تدفق المهاجرين يسدّ الفجوة بين عدد الوفيات والمواليد، وهو ما يزيد من تحديات الدولة لتحفيز الشباب على الإنجاب، من خلال حملات التوعية والبرامج الموجهة المختلفة.