رُعاف

رُعاف

16 يناير 2019
التشخيص لا بدّ من أن يستلزم معاينة طبيّة (Getty)
+ الخط -


الحركة غير اعتياديّة هناك. يعلو صراخ الصغيرة التي أجهشت بالبكاء. الوالد يرفعها عن الكنبة ويأخذها في حضنه، في حين تمسح الوالدة الدم الذي يسيل والذي لطّخ كذلك اليدَين الطريّتَين. في الخلفيّة، لا يكفّ الرضيع عن الانتحاب، فالجلبة كبيرة. وتلاحق عيناه الأخيلة من حوله وهي تطوف في تلك المساحة.

المحارم الورقيّة البيضاء التي امتصّت الدم السائل من أنف الصغيرة، تتكدّس على طاولة واطئة. تُسارع الوالدة إلى التخلّص منها حتى لا تثير الفزع في قلب ابنتها. ربّما المقصود عدم إثارة الفزع في قلبها هي. ارتباكها كما ارتباك زوجها دليلان قاطعان على الفزع الذي انتابهما. هذه المرّة الثانية التي تُصاب صغيرتهما فيها بنزيف الأنف، ويزداد قلقهما.

دقائق قليلة لا تزيد عن الأربع، وينقطع النزيف الذي خلّف بقعة دم شبه دائريّة على الكنبة وآثاراً على وجه الفتاة التي لم تبلغ عامها الثالث بعد، وعلى يدَيها. هي فركت بهما وجهها وراحت تُبعد أصابع والدتها وهي تحاول الضغط على الأنف الأفطس الصغير.

ويتشاور الوالدان حول إمكانيّة الاتصال بالطبيب في هذه الساعة المتأخّرة. هو طلب منهما الانتظار حتى المرّة الثالثة، قبل اصطحاب الصغيرة إلى عيادته. "بعد الحادثة الثالثة، نفحص ضغط دمها". كان جواب طبيب الأطفال مقتضباً عندما اتّصلت به الوالدة قبل يومَين لتستشيره وصوتها يرتجف قلقاً. الصغيرة كانت قد استيقظت من النوم ليلاً وأنفها ينزف. ذلك الاتصال فاقم قلق الوالدة... "فحص لضغط الدم. ابنتي تعاني من ارتفاع في ضغط الدم. ربّما يكون مرضها خطراً". وتكثر هواجس المرأة الشابة التي عانت من الرُعاف (نزيف الدم من الأنف) وهي طفلة شأنها شأن كثيرين من أقرانها، ليتوقّف الأمر في وقت لاحق بعد علاج بسيط. تغيب تلك الذكريات عن ذهن الوالدة وتقلق على ابنتها. شعور يشاركها به زوجها. ويلحّ عليها حتى تتّصل بالطبيب.



لا أحد يدرك ما الذي دفع طبيب الصغيرة إلى التحدّث عن ارتفاع في ضغط الدم. هو من دون شكّ سبب من أسباب عدّة تقف وراء الرُعاف، غير أنّ تسعين في المائة من تلك الأسباب تبقى مجهولة. دعونا نسلّم بأنّ ارتفاع ضغط الدم هو ما جعل أنف الصغيرة ينزف، غير أنّ التشخيص لا بدّ من أن يستلزم معاينة طبيّة ومراقبة طويلة. هذا ما تقتضيه المهنيّة، مثلما تقتضي عدم الإشارة إلى احتمال أو تكهّن ما في اتصال هاتفيّ مع أهل الصغيرة. أطبّاء الأطفال يدركون تماماً ذلك القلق الذي يتملّك الأهل كلّما ارتفعت قليلاً حرارة أبنائهم أو كلّما شكوا من ألم بسيط في البطن أو غير ذلك، ويدركون - يُفترض ذلك - أنّهم يتعاطون مع أشخاص تستحوذ عليهم هشاشة. هؤلاء هم الأهل قبل الأطفال. ويجدر بالتالي السؤال عن الداعي إلى إثارة هلع هؤلاء الهشّين لا سيّما عندما يكون الأمر مجرّد تكهّنات. وتكثر حالات إثارة الهلع.

المساهمون