خيام مهترئة... نازحو غزة عرضة للبرد والحر والأمطار

خيام مهترئة... نازحو غزة عرضة للبرد والحر والأمطار

07 ابريل 2024
وسط خيام مهترئة (جهاد الشرافي/ الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في قطاع غزة، يعاني النازحون من ظروف معيشية صعبة، حيث يقيمون في خيام غير مؤهلة ومكتظة، ويضطر البعض لصناعة خيامهم من مواد بسيطة مثل الخشب والبلاستيك بسبب قلة المساعدات وزيادة الاحتياجات.
- محمد أبو يوسف، أحد النازحين، يمثل مثالاً على الصعوبات بصناعته خيمة بتكلفة 190 دولارًا، وهو مبلغ كبير نظرًا للغلاء وقلة المواد الخام، مع الأسعار المرتفعة والاهتراء السريع للخيام.
- وزارة التنمية الاجتماعية في غزة تشير إلى أن المساعدات الدولية لا تلبي سوى 10% من احتياجات الغزيين، مما يعكس حجم الأزمة الإنسانية ويجعل الحصول على خيمة جديدة حلمًا بعيد المنال للكثيرين.

يشكو النازحون في قطاع غزة والذين يقيمون في خيام غير مصنوعة لتحمل الظروف التي يعيشونها اهتراءها وعدم القدرة على تأمين بديل، وسط قلة المساعدة وكثرة الاحتياجات، وبات الحصول على خيمة جديدة أشبه بحلم.

في جنوب مدينة رفح على الحدود الفلسطينية المصرية، تكثر الخيام التي يعيش فيها النازحون الغزيون. وهي باتت المأوى الوحيد المتوفر في هذه البقعة الجغرافية، وتتعدد أنواعها وأحجامها وقد تجد 30 فرداً يقيمون في خيمة صغيرة، وأخرى باتت مهترئة جراء نقلها مراراً، وسط عدم القدرة على تأمين خيام بديلة. ويعيش بعضهم في خيام صنعوها بأنفسهم، خصوصاً العائلات التي نزحت مؤخراً، والتي لم تتمكن من الحصول على خيمة، ولا تزال تنتظر دورها من حصة المساعدات القليلة التي لا تلبي احتياجات النازحين والذين زاد عددهم خلال الشهرين الأخيرين، خصوصاً بعد تدمير أجزاء كبيرة من مدينة خانيونس على حدود رفح.
اضطر محمد أبو يوسف، وهو من سكان بلدة عبسان شرق مدينة خانيونس، التي تعرضت لمجازر وإبادة من الاحتلال الإسرائيلي بعدما استقبلت كافة سكان البلدات الشرقية لمدينة خانيونس، للبحث عن كيفية صناعة الخيام، وتمكن من صنع خيمة صغيرة من الخشب والبلاستيك لكنها مكشوفة، أي أنها لم تكن تؤمن الحد الأدنى من الخصوصية. 
ويوضح أن كلفة صناعة الخيمة بلغت حوالي 190 دولاراً، علماً أن سعر مجموع المعدات التي اشتراها هي أضعاف سعرها الأصلي قبل العدوان الإسرائيلي، وذلك جراء الغلاء وقلة المواد الخام في الوقت الحالي. ويشير إلى أنه واجه مشكلة كبيرة حين أمطرت السماء وغمرت المياه الخيام. 
حاول أبو يوسف شراء خيمة إلا أن أسعارها كانت مرتفعة جداً. ويوضح أن بعض النازحين يعمدون إلى بيع خيامهم في محاولة لتأمين احتياجات أساسية أخرى. وفي النهاية، اشترى خيمة توزع في إطار المساعدات لتأمين مكان مؤقت لأسرته التي أجبرت على النزوح، هو الذي يعيش مع زوجته ونجله ووالديه. ويشير أبو يوسف إلى أن الخيمة اهترأت جراء الأمطار الغزيرة التي شهدها القطاع، بالإضافة إلى أشعة الشمس والرياح. لكن هذه المرة لم يكن يملك المال. حاول، حاله حال معظم أهالي القطاع، ترقيعها وتثبيتها أكثر، إلا أنها تهترئ مجدداً. ويشدد على أن هذه الحيام غير مصممة لتحمل الأمطار والرياح وأشعة الشمس لهذه المدة الطويلة.  

يقول أبو يوسف لـ "العربي الجديد: "‏حتى الخيام ذابت كما ذابت أجساد الأهالي. أحاول وعائلتي الصغيرة الصمود في هذه الخيمة المتواضعة التي جاءت مساعدة من مؤسسة خيرية واضطررت إلى شرائها من السوق. اليوم ذابت الخيمة بعد صمود أسطوري جراء الأمطار والبرد وأشعة الشمس والحرارة العالية على مدار أكثر من 4 أشهر خارج منازلنا المدمرة". يضيف: "خسرت منزلي بسبب القصف، كما خسرت عملي ومصدر رزقي. وعندما اشتريت الخيمة، لم أحصل على المساعدة لأن البعض يعتبر أن أسرتي صغيرة، وبالتالي فإن تأمين خيمة ليس أولوية لإيواء 5 أفراد". ويشير إلى أنه كان قد وضع في الخيمة أشياء كثيرة أثناء النزوح، لكنها سرعان ما اهترأت، وهي لن تحميني من حر الصيف المقبل بطبيعة الحال، بل سيزداد وضعها سوءاً". 
أبو يوسف، حاله حال كثيرين، تقدم بطلب من المؤسسات الخيرية التي تتولى توزيع الخيام على الأسر، وانتظر الكثير من الوقت، ولا يزال ينتظر حتى الآن الحصول على خيمة من تلك التي توزعها لجان الطوارئ ووزارة التنمية الاجتماعية، التي تحاول توزيع المساعدات بشكلٍ متواصل، بالإضافة إلى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا". 
وتشير وزارة التنمية الاجتماعية في بيانها الأخير الصادر في نهاية مارس/ آذار الماضي، إلى أن المساعدات التي تتلقاها مع المنظمات الدولية لا تلبي إلا 10 في المائة من حاجة الغزيين. كما أن الإنزال الجوي أدى إلى توزيع عشوائي. وطالبت الوزارة الجهات والقوى الدولية والمنظمات تحديد طرقات أكثر سلامة للغزيين لتوزيعها بعدالة. وتصف المساعدات التي تصل بأنها نقطة في بحر الحاجة الحقيقية، منها الغذاء والملابس والفرش والخيام والكثير غيرها.  

بعض النازحين صنعوا خيامهم مما هو متوفر (عبد الرحيم الخطيب/ الأناضول)
بعض النازحين صنعوا خيامهم مما هو متوفر (عبد الرحيم الخطيب/ الأناضول)

وعلى مدار الأشهر الماضية، ساهمت دول عدة في إرسال مساعدات هي عبارة عن خيام بأحجام وأنواع مختلفة. بعضها مصنوع من الجلد أو النايلون السميك، إلا أنها تهترئ بسرعة في كلا الحالتين، كما يقول الغزي مؤمن العصار (37 عاماً) النازح من شرق مدينة غزة إلى مدينة رفح مع أسرته المكونة من 8 أفراد، بينهما والداه المسنان. 
تلقى العصار خيمة من إحدى المؤسسات في ديسمبر/ كانون الأول الماضي. في بادئ الأمر، كان في مدينة خانيونس لكن القصف الذي طاول المدينة دفعه إلى اقتلاعها من الأرض ونقلها إلى مدينة رفح. وبدأ يلاحظ اهتراءها وتمزقها من الأطراف السفلية جراء الأمطار وغيرها من العوامل، خصوصاً أنه كان يثبتها في الأرض.
عندما راجع العصار أحد الموظفين في المؤسسة التي قامت بتوزيع الخيام على عدد من العائلات، أخبروه أن هذه الخيام هي للاستخدام المؤقت وستهترئ بسرعة بطبيعة الحال في ظل العوامل المناخية والجغرافية وغيرها من الصعوبات. ويقول لـ "العربي الجديد": "نحن ضحايا عدوان مستمر. تعرضنا لأشد أنواع الاضطهاد والإهانة والجوع والبرد القارس وانعدام الأمان. حتى الأحذية غير متوفرة بالنسبة لنا. سُجل حصولنا على خيام من المفترض أن تحمينا من البرد القارس والحرارة. لكن الواقع غير ذلك. اهترأت أجزاء من خيامنا ولا نجد بديلاً. وهذا حالي وحال كثيرين". 
يضيف: "تختلف أنواع الخيام التي نحصل عليها. أنواع بعضها جيد وقادر على تحمل العوامل الصعبة المختلفة، فيما البعض الآخر لا يمكن تصنيفه ضمن الخيام المتينة. ويرى بعض القائمين على المساعدات أنه لا يحق لنا الاعتراض أو إبداء أية ملاحظات على الخيام المتوفرة. لماذا؟ هل عيشنا تحت القصف والتهديد المستمر بالموت يعني أنه لا يحق لنا طلب الأفضل للبقاء على قيد الحياة؟ لا يمكنني غرس الخيمة جيداً في الأرض لأنها باتت مهترئة. وأي محاولة قد تعني اهتراءها بالكامل".
وتعتبر فئة الغزيين الذين صنعوا خيامهم بأنفسهم الأكثر تضرراً، خصوصاً خلال الفترة الأخيرة مع ارتفاع درجات الحرارة  خلال فترات الظهيرة. وخيامهم مصنوعة عن قطع بلاستيكية وأخشاب رديئة، أو أكياس الدقيق التي تسلموها من المساعدات، في محاولة لتسد الثقوب الكثيرة والاهتراء. 

نقل صالح غبن (46 عاماً) الخيمة التي صنعها بنفسه من مجمع ناصر الطبي إلى مدينة رفح قبل شهرين. وكان قد حصل على قطعة جلدية سميكة نهاية العام الماضي من جيرانه قبل أن ينزح من مدينة غزة إلى إحدى مدارس أونروا، متجهاً إلى وسط قطاع غزة ثم إلى مدينة خانيونس، وقد نجا من الموت مرات عدة هو وأسرته المكونة من ستة أفراد خلال رحلة نزوحهم. 
يقيم غبن في خيمة مهترئة الأطراف، وقد صنعها من الأقمشة وأكياس نايلون كبيرة وأكياس السكر والدقيق التي يجمعها أثناء تجوله في رفح. ويستطرد قائلاً إن استخداماتها متعددة وكثيراً ما يتشاجر الناس في ما بينهم للحصول عليها. يشعر بالحزن الشديد على أبنائه الذين بات حلمهم الحصول على خيمة جديدة. ويقول لـ "العربي الجديد": "أصبحت الخيمة مهترئة مثل قلبي. يومياً، أتابع الأخبار في محاولة لمعرفة أية تفاصيل عن المساعدات، وألاحق الجهات الدولية على أمل الحصول على خيمة، وأتلقى وعوداً على أمل أن يحصل شيء. حاولت جاهداً شراء خيمة لكنني لا أملك المال الكافي. بعض الناس محظوظون لأنهم وجدوا خيمة، وخصوصاً أولئك الذين وصلوا إلى مدينة رفح قبلنا. كنت أعتقد أن البقاء في المستشفيات آمن لكن اتضح العكس وأجبرت على تركها". يضيف: "أقصى أمنياتنا اليوم هي الحصول على خيمة تحمينا من البرد والشمس. بعدما كان لدينا منزل دافئ في حي الشيخ رضوان بمدينة غزة، أصبحنا نتعرض لأشد أنواع الإذلال والقتل، وبتنا مطالبين بالانتظار وتحمل كل الأشكال القاسية".

المساهمون