6 أشهر من العدوان الإسرائيلي: الاحتلال دمر القطاع الصحي في غزة

6 أشهر من العدوان الإسرائيلي: الاحتلال دمر القطاع الصحي في غزة

07 ابريل 2024
أنشئت مستشفيات ميدانية في أنحاء غزة (دعاء الباز/ الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- تدهور الوضع الصحي في قطاع غزة بشكل حاد بسبب العدوان الإسرائيلي، مما أدى إلى توقف غالبية المستشفيات والمراكز الصحية عن العمل وزيادة في أعداد الوفيات والجرحى.
- استهداف العاملين في القطاع الطبي واعتقال واستشهاد العديد منهم، مع تراجع القدرة الاستيعابية للمستشفيات بشكل خطير، وإنشاء مستشفيات ميدانية لتخفيف الضغط.
- الطواقم الطبية تعمل في ظروف قاسية ومحفوفة بالمخاطر، مع نقص حاد في المعدات والأدوية، وفقدان القطاع الطبي في غزة لنحو 80% من قدراته، مما يجعل الأزمة الصحية خطرًا محدقًا بحياة السكان.

وصل عدد المستشفيات التي تعمّد الاحتلال إخراجها من الخدمة إلى 28

تعرّض مئات من العاملين في القطاع الطبي للاستهداف المباشر والإعدام

اعتقل الاحتلال قرابة 310 من أفراد الطواقم الطبية العاملة في غزة

تزايدت أعداد الوفيات في قطاع غزة بسبب توقف غالبية المستشفيات والمراكز الصحية عن تقديم الخدمات الطبية للسكان، بالتزامن مع تزايد مطرد في أعداد الجرحى والمرضى، في ظل استمرار العدوان.

أنهى العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة شهره السادس على التوالي، ووصل عدد المستشفيات التي تعمّد الاحتلال إخراجها من الخدمة في القطاع إلى 28 مستشفى، من أصل 36 كانت تعمل لخدمة سكان المحافظات الخمس على مدار الساعة.
وتعرّض مئات من العاملين في القطاع الطبي للاستهداف المباشر والإعدام والاعتقال من أماكن عملهم على مدار أشهر العدوان، إذ كان يعمل في قطاع غزة قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، نحو 20 ألف شخص في القطاع الصحي، ما بين أطباء وممرضين وفنيين وإداريين وعمال. ويتواجد حالياً نصف هذا العدد من العاملين ضمن نطاق عمل عشوائي في منشآت وزارة الصحة بالمنطقة الشمالية المحاصرة، بينما يعمل البقية في مدينة رفح والمحافظة الوسطى، كما تشير معلومات وزارة الصحة.
وكان إجمالي السعة السريرية في مستشفيات قطاع غزة يبلغ 3.026 سريراً، حسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في عام 2023، وتدير وزارة الصحة بشكل مباشر 13 مستشفى في القطاع بسعة تبلغ 2011 سريراً. بينما في الوقت الحالي، لا تتجاوز السعة السريرية المتوفرة ألف سرير، ويشمل ذلك أسرة الطوارئ والعمليات، ما دعا إلى إنشاء عدد من المستشفيات الميدانية، من بينها الأردني والقطري والإماراتي، والتي تباشر عملها منذ بداية العام الحالي.
وتقدم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" خدمات صحية لأكثر من 70 في المائة من سكان القطاع، من خلال مراكز صحية تتولى المتابعة العلاجية وليس العلاج المكثف والمبيت. ويدعم القطاع الطبي في غزة منظمات صحية مثل الهلال الأحمر ومنظمة الإغاثة الطبية، كما يضم القطاع عدداً من العيادات والمستوصفات التابعة لجمعيات خيرية تسهم في تقديم الخدمات الطبية الأولية داخل الأحياء السكنية، لكن القدرة الاستيعابية الحالية تراجعت بشكل خطير.
واعتقل الاحتلال قرابة 310 من أفراد الطواقم الطبية العاملة في قطاع غزة أثناء ممارسة عملهم حتى نهاية مارس/آذار الماضي، من بينهم مديرو مستشفيات. وتشير بيانات وزارة الصحة إلى أنه حتى يوم 31 مارس الماضي، أدت خسائر القطاع الطبي المسجلة إلى استشهاد أكثر من 484 من أفراد الكادر الصحي، كما تم استهداف 159 مؤسسة صحية، و30 مستشفى، منها اثنان يعملان بطاقة محدودة، و55 مركزاً صحياً.

العمل وفق ظروف الطوارئ بمستشفى شهداء الأقصى (فرانس برس)
العمل وفق ظروف الطوارئ بمستشفى شهداء الأقصى (فرانس برس)

وكان مستشفى بيت حانون أول المستشفيات التي تعرضت لقصف مباشر أخرجها من الخدمة، بعد أن نشط المستشفى التخصصي في تغطية حالات الطوارئ للمصابين في الأسبوع الأول من العدوان، قبل تحويلها إلى المستشفى الإندونيسي الواقع في بلدة بيت لاهيا، والذي خرج هو الآخر من الخدمة بالكامل بعد تكرار قصفه، ثم اقتحام قوات الاحتلال له في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
كان الطبيب محمد أبو صفية يعمل في المستشفى الإندونيسي، وحين توقف المستشفى عن العمل مع استمرار الاضطراب الحاصل في القطاع الطبي، اضطر إلى النزوح من أقصى شمال القطاع، وانتقل للعمل في مستشفى كمال عدوان، والذي يحاول العودة إلى العمل في نطاق محدود، وتحت ضغط عمل يزيده قلة المعدات الطبية والأدوية.
يقول أبو صفية لـ"العربي الجديد": "كان واضحاً أن المخطط الإسرائيلي يركز على استهداف وتدمير مستشفيات المناطق الأكثر كثافة سكانياً، خصوصا مجمع الشفاء والمستشفى الإندونيسي، وكذلك مجمع ناصر في خانيونس، ثم استهداف المستشفيات المساندة، ليضمن عدم توفير الخدمة الطبية. حصل هذا في شمال القطاع مع مستشفى العودة، ثم مستشفى اليمن السعيد اللذين يساندان عمل المستشفى الإندونيسي، واللذين خرجا من الخدمة، لكن بجهود عدد قليل من الأطباء والعاملين الذين لا يتجاوز عددهم المائة، أعدنا العمل في مستشفى كمال عدوان".

ويتابع أبو صفية: "المشكلة الأساسية حالياً في مستشفى كمال عدوان أنه مستشفى صغير لا يكفي لتغطية المحافظة، فقد كان مستشفى أساسياً لغاية عام 2014 بمحافظة شمال قطاع غزة التي تضم عدداً من البلدات والقرى ومخيم جباليا، لكنه تحول إلى مستشفى عسكري في السنوات الأخيرة، ونقلت أبرز الأجهزة والمعدات منه إلى المستشفى الإندونيسي، لكن العدوان أجبر عدداً من الطواقم الطبية على إعادة إحياء المستشفى. نعمل في أوضاع سيئة، ونعاني من الجوع والعطش، ونحن مضطرون إلى مواصلة العمل لتغطية حاجة نحو 350 ألف مواطن متواجدين في محافظة الشمال التي تضم أكبر مخيم فلسطيني في القطاع، وكذلك مدينة غزة".
وفي مدينة غزة التي تضم أكبر عدد من المستشفيات في القطاع، خرج من الخدمة مجمع الشفاء الطبي، وهو أكبر مستشفيات قطاع غزة، ومستشفى القدس التابع للهلال الأحمر الفلسطيني، ومستشفى الخدمة العامة، ومستشفى أصدقاء المريض، ومستشفى الصداقة الفلسطيني التركي التخصصي، ومستشفى حمد للأطراف الصناعية والتأهيل، ومستشفى النصر للأطفال، ومستشفى عبد العزيز الرنتيسي التخصصي، ومستشفى غزة للطب النفسي، ومستشفى غزة للعيون، ومستشفى الدرة للأطفال، ومستشفى الوفاء للتأهيل، ومستشفى الحلو الدولي، ومستشفى حيفا، ومستشفى سانت جون التخصصي، ومستشفى مسلم للعيون.

دمار هائل في مجمع الشفاء الطبي (داود أبو القص/ الأناضول)
دمار هائل في مجمع الشفاء الطبي (داود أبو القص/ الأناضول)

وفي محافظة شمال القطاع، توقف مستشفى بيت حانون التخصصي، والمستشفى الإندونيسي، وهو الأكبر في المحافظة، ومستشفى اليمن السعيد، ومستشفى الكرامة، ومستشفى العودة التابع للهلال الأحمر الفلسطيني. وفي مدينة خانيونس، خرج مستشفى دار السلام من الخدمة، وكذلك مجمع ناصر الطبي، ومستشفى الأمل التابع للهلال الأحمر الفلسطيني، ومستشفى الخير، والمستشفى الجزائري التخصصي، ومستشفى الأقصى الخيري.
وبعد 6 أشهر من العدوان، بقيت فقط 6 مستشفيات عاملة في وسط وجنوب قطاع غزة، اثنان منها في دير البلح، هما مستشفى شهداء الأقصى، ومستشفى يافا التخصصي، وثلاثة في مدينة رفح، هي مستشفى أبو يوسف النجار، والمستشفى الإماراتي، والمستشفى الكويتي، إضافة إلى المستشفى الأوروبي الواقع بين مدينتي رفح وخانيونس في المنطقة الشرقية التي تتعرض لاستهداف متواصل.
بينما في المنطقة الشمالية المحاصرة، يعمل مستشفى كمال عدوان بطاقة استيعابية وطاقة عمل لا تتجاوز 25 في المائة، في حين يعمل المستشفى المعمداني في منطقة البلدة القديمة بمدينة غزة، بطاقة لا تتجاوز 40 في المائة، ولأنه تحت رعاية الكنيسة المعمدانية يحاول الاحتلال تجميل صورته بالسماح باستمرار عمله، رغم استهدافه له سابقاً في مجزرة أوقعت مئات الشهداء.
كان الطبيب مروان إسحق يعمل جراحاً في مجمع الشفاء الطبي، كما عمل في عدد من مستشفيات القطاع أثناء العدوان، وهو يعمل حالياً ما بين مستشفى أبو يوسف النجار والمستشفيات الميدانية في جنوبي القطاع، ويؤكد أن الطواقم الطبية تضطر أحياناً إلى إجراء عمليات جراحية معقدة، مثل تلك المتعلقة بالأعصاب أو الدماغ أو القلب، وهي عمليات تتطلب ساعات متواصلة، بينما لا تسمح الظروف ولا المستلزمات الطبية المتاحة بذلك، خصوصاً في ظل توافد أعداد كبيرة من الجرحى، والحاجة الكبيرة إلى التركيز على حالات الطوارئ.

ويوضح إسحق لـ"العربي الجديد": "قبل العدوان، كانت غرفة العمليات تجرى فيها عملية أو اثنتان يومياً، بينما اليوم، نجري عدة عمليات في وقت واحد، فأعداد المصابين كبيرة، ونصنفهم ضمن أولوية حالات الإغاثة والإنقاذ، لذا يتواجد الآلاف في قوائم انتظار العلاج في الخارج، ولو ظل الوضع على هذه الحال، فسيشكل الأمر خطراً على قرابة 9 آلاف شخص ينتظرون العلاج في الخارج، وستقع بينهم وفيات كثيرة".
ويشير رئيس لجنة الطوارئ الصحية في محافظة رفح، الطبيب مروان الهمص، إلى أن القطاع الطبي فقد نحو 80 في المائة من قدراته بسبب استمرار العدوان، ويتركز العمل حالياً على حالات الطوارئ، ومع محدودية السعة، وتقييد حرية التنقل، تصبح الأزمة الصحية خطراً محدقاً. يضيف لـ"العربي الجديد": "من بين أهم النواقص توفير الأمن للطواقم الطبية أثناء العمل، فهم يعملون في ظل القلق المتواصل على أرواحهم، وكذلك القلق على ذويهم، كما يعانون من نقص الأدوات والمستلزمات، وبالتالي يضطرون إلى استخدام أي شيء متاح في حالات الطوارئ".
يتابع الهمص: "كميات الدواء التي تدخل عبر معبر رفح قليلة، وسياسة العلاج تقوم على مطالعة الجريح، ومنحه علاج الطوارئ، ثم يطلب منه استكمال العلاج في الخارج حتى يحل مكانه مصاب آخر، وهذا يتسبب في ضغط نفسي كبير تواجهه الطواقم الطبية يومياً بسبب الطلبات والأسئلة، والتي تتحول في بعض الأحيان إلى مشادات".

 

المساهمون