مستشفيات غزة... القطاع الطبي يواجه التهديدات الإسرائيلية

16 أكتوبر 2023
طفل مصاب بسبب القصف نقل إلى مستشفى الأقصى للعلاج (أشرف عمرة/ الأناضول)
+ الخط -

في منطقة تل الزعتر شمال قطاع غزة المحاذية لمخيم جباليا، أدى القصف الإسرائيلي إلى تضرر أقسام في مستشفى العودة الطبي في المنطقة، بالإضافة إلى العديد من الطرقات المؤدية إليه، الأمر الذي أعاق وصول الإسعافات والإمدادات. وزاد الضغط عليه بعد توقف خدمات مستشفى بيت حانون التي استهدفه الجيش الإسرائيلي مباشرة، علماً أنه كان يسعف الجرحى من بلدة بيت حانون.
وتلقت إدارة المستشفى تحذيرات من الجيش الإسرائيلي بالإخلاء ليل الجمعة الماضي، علماً أن المستشفى يواجه أزمة بعدما وصل إلى أقصى قدراته الاستيعابية. لكن الطاقم الطبي والإداري قرر الاستمرار، وتعمل أقسام الطوارئ والعناية المركزة بكل ما لديها من إمكانات من أجل إنقاذ الجرحى، علماً أن هناك العديد من الحالات الحرجة. 
يقول مدير مستشفى العودة أحمد مهنا، إنه "في حال نقل الحالات الحرجة، وخصوصاً تلك الموصولة بأجهزة طبية وأجهزة التنفس الاصطناعي، فهذا يعني أن نصفهم قد يفارق الحياة". يضيف مهنا لـ "العربي الجديد": "عندما تلقيت اتصال الجيش الإسرائيلي المطالب بإخلاء المستشفى، أعددنا خطة لنقل بعض المرضى الذين يمكن إجلاؤهم إلى مستشفيات أخرى في مدينة غزة. لكن هناك مرضى لا نستطيع نقلهم لأن في ذلك خطرا كبيرا جداً على حياتهم. ونحن كطاقم من 35 طبيبا ومساعدين وممرضين، تلقينا الخبر وأصررنا على البقاء وتقديم الخدمة للمرضى على الرغم من كل المخاطر وقلة الإمكانات". 
وفي مدينة رفح جنوب قطاع غزة، تصدرت تصريحات مدير المستشفى الكويتي التخصصي صهيب الهمص المشهد، هو الذي رفض الإخلاء بعد تلقيه تهديدات مباشرة من الجيش الإسرائيلي بهدم المستشفى، على الرغم من أن منزل شقيق زوجته قد هدم بالكامل، وكان أبناؤه في خطر وتحت الأنقاض، إلا أنه لم يغادر المستشفى. يشير لـ"العربي الجديد" إلى أنه تلقى تحذيرات عدة بهدف إخلاء المستشفى الكويتي، لكن لا يمكن فصل الأجهزة الطبية عن بعض المرضى، موضحاً أن طاقم العمل المؤلف من 60 شخصاً قرّر الاستمرار رغم التهديدات. ويلفت إلى تخزين كمية من الوقود لضمان استمرار عمل المولدات، وخصوصاً في غرفة العمليات التي لم تتوقف عن العمل منذ بدء العدوان. كما يلفت إلى أن أي استهداف مقصود سيسبب كارثة حتى لو تم إخلاء المستشفى، وسيمحو الاحتلال المنطقة القريبة منه ويدمر المنازل المجاورة ويقتل المدنيين والمرضى. 

يضيف: "لن نغادر المستشفى. لا يوجد أي عسكري هنا. منذ لحظة التهديد، استقبلنا عشرات الإصابات ووزعنا الأدوار ونقلنا الأسرة للعلاج على باب المستشفى وفي عدد من المرافق والطابق السفلي. لن نخلي المستشفى ولن يكون هناك تغريبة فلسطينية جديدة. فلتشهد كل وسائل الإعلام علينا". 
ليل الجمعة الماضي، أبلغ الجيش الإسرائيلي إدارة مستشفى القدس في منطقة تل الهوا في غزة بالإخلاء الفوري وجدد تحذيره صباح السبت، لكن المستشفى التابع لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني أصدر بياناً أشار فيه إلى تقديم خدماته لإنقاذ حياة عدد كبير من المرضى والجرحى والحالات الحرجة في وحدة العناية المركزة، وحضانات الأطفال التي لا يمكن إيقافها وإلا مات الأطفال. لذلك، لن تستطيع الجمعية إخلاء المستشفى وهي ملزمة بموجب تفويضها الإنساني بمواصلة الخدمات للمرضى.

غزة (محمد الحجار)
الاحتياطي الطبي في غزة بالكاد يكفي (محمد الحجار)

ويقول المتحدث باسم جميعة الهلال الأحمر الفلسطيني في غزة محمد أبو مصبح، لـ "العربي الجديد"، إن "الاحتياطي الطبي في غزة يكفي فقط لثلاثة أيام لأن المنظومة الصحية بدأت بالانهيار في ظل نقص الوقود والمستلزمات وافتقاد الخدمات اللوجستية وانعدام الحماية والاستهداف للطواقم الطبية". يضيف: "مستشفى القدس فتح أبوابه أمام مئات المدنيين الذين لجأوا إلى المستشفى كملاذ آمن. وبناءً عليه، نحن أمام كارثة. ويمكن أن ترتفع أعداد الضحايا. نطالب بضمان الحماية والسلامة الكاملة لمرافق الجمعية وفرقها وبعثاتها وفقاً للقانون الدولي واتفاقيات جنيف".
بدوره، يقول المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة أشرف القدرة إن المستشفيات التي تم استهدافها من قبل الجيش الإسرائيلي والتي هددها، ومنها ما يتبع جمعيات خيرية ومنها ما هو خاص، تساند تلك الحكومية في إجراء العمليات الجراحية الصعبة وتقديم العلاج للجرحى، لكنها باتت جميعها في خطر. ويقول لـ "العربي الجديد": "المنظومة الصحية في قطاع غزة هشة للغاية وتفتقر إلى المقومات الدوائية. مستشفيات غزة لا تجد الوقود لتشغيلها ولا تستطيع مساعدة جميع المصابين في ظل العدد الكبير. العمل في جميع مستشفيات القطاع أصبح لحالات الطوارئ في الوقت الحالي. ويعاني الآلاف من أمراض مزمنة، من بينهم مرضى السرطان. إلا أن الحرب تمنعهم من تلقي العلاج وزيارة الأطباء في العيادات الخارجية المقفلة منذ العدوان الإسرائيلي".

تعمل المستشفيات بإمكانيات محدودة (محمود حمص/ فرانس برس)
تعمل المستشفيات بإمكانيات محدودة (محمود حمص/ فرانس برس)

وأدانت منظمة الصحة العالمية بشدة الأوامر الإسرائيلية المتكررة بإخلاء 22 مستشفى يعالج أكثر من 2000 مريض شمال غزة. وقالت إن الإجلاء الإجباري للمرضى والعاملين في المجال الصحي سيفاقم الكارثة الصحية والإنسانية الراهنة. أضافت في بيان أن حياة ذوي الحالات الحرجة والمرضى الضعفاء على المحك، مشيرة إلى أن الموجودين في وحدات العناية المركزة أو المعتمدين على أجهزة دعم الحياة والمحتاجين لغسل الكلى وحديثي الولادة في الحضانات والنساء اللواتي يعانين من مضاعفات الحمل، وغيرهم ممن سيعانون من تدهور وضعهم الصحي أو سيلقون حتفهم إذا أجبروا على التحرك وقُطعت عنهم الرعاية الطبية المنقذة للحياة أثناء إجلائهم.
وقالت المنظمة إن الغالبية العظمى من العاملين الصحيين اختاروا البقاء والوفاء بقسم مهنتهم. أضافت: "يجب ألا يُضطر العاملون في المجال الصحي أبدا إلى اتخاذ مثل هذه الخيارات المستحيلة".

غزة (محمد الحجار)
تدمير ممنهج (محمد الحجار)

يشار إلى أن إدارة مستشفى العودة الحكومي في شمال قطاع غزة كانت قد أعلنت تلقيها بلاغات رسمية من قبل جيش الاحتلال بضرورة إخلاء كامل للمستشفى بما في ذلك المصابون والمرضى. كما قال مصدر مسؤول في مستشفى القدس في مدينة غزة، التابع لجمعية الهلال الأحمر الفلسطينية، إن جيش الاحتلال الإسرائيلي أنذرهم بإخلاء المستشفى. وطالب الهلال الأحمر الفلسطيني المجتمع الدولي بالتدخل لوقف القرار الإسرائيلي بإخلاء مستشفى القدس في غزة، كما طالب مستشار الأونروا في غزة، إسرائيل بوقف الإخلاء القسري ووقف إنذاراتها للمستشفيات.
وبحسب وزارة الصحة، أدت هجمات إسرائيل إلى إخلاء مستشفى الدرة للأطفال شرق غزة ونقل المرضى والطواقم إلى مستشفى النصر للأطفال وذلك بعد استهدافه بقنابل الفوسفور، وكان هذا هو المستشفى الثاني الذي يخرج عن الخدمة في قطاع غزة من إجمالي 8 مستشفيات، بعد مستشفى بيت حانون بسبب الاستهداف الإسرائيلي. وقصف الاحتلال المستشفى الإندونيسي شمالي القطاع ما أوقع خسائر مادية وبشرية، كما أدت الغارات إلى خروج مستشفى العيون الدولي عن الخدمة بعد قصفه بشكل مباشر.

وبشأن المستشفى الأردني الميداني في غزة، الذي تلقى أيضا إنذاراً بالإخلاء، قال مصدر أردني مسؤول إن توجيهات ملكية صدرت ببقائه في القطاع لعلاج الجرحى والمرضى، وقال رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة إن المستشفى باق، وسيواصل تقديم خدماته.
إلى ذلك، حذّر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية من أن "احتياطيات الوقود في جميع المستشفيات في قطاع غزة من المتوقع أن تكفي لنحو 24 ساعة فحسب". أضاف المكتب على موقعه الإلكتروني، أنّ "توقف المولدات الاحتياطية سيعرض حياة آلاف المرضى للخطر". كما حذرت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة لين هاستينغز، من خطورة الوضع "اللاإنساني غير المسبوق في غزة، ونفاد الإمدادات الأساسية". وقالت: "نتوقع ألا يكون لدينا ماء بحلول الاثنين (أمس) أو الثلاثاء (اليوم). الماء ما زال مقطوعاً، وما نحتاجه هو استئناف إمدادات المياه لملء الآبار على الأقل في جنوب غزة، ويجب أن يحدث هذا على الفور".

المساهمون