سعوديّون يقتحمون السيول ويخاطرون بحياتهم من أجل "مشاهدة"

سعوديّون يقتحمون السيول ويخاطرون بحياتهم من أجل "مشاهدة"

13 فبراير 2017
رجال الدفاع المدني متأهبّون (العربي الجديد)
+ الخط -
ليس "التفحيط" وحده ما يتسبّب في حوادث مرور قد تؤدّي إلى وفيات بين الشباب خصوصاً، بل نجد تلك المغامرات التي يقوم بها بعض السعوديّين الذين يحاولون تحدّي السيول عبر اختراقها في مواسم الأمطار

بهدف جمع عدد أكبر من المشاهدات أو "إعادات التغريد"، لا يتورّع شبان كثيرون عن اختراق السيول الجارفة، وسط صيحات مؤيّديهم. مطلقو تلك الصيحات هم أنفسهم أصحاب الأصوات المتحسرة التي تعلو عندما تجرف تلك السيول "المتهوّر" وسيارته، قبل أن تبدأ رحلة الدفاع المدني في البحث عنه وإنقاذه. والرحلة التي تنتهي غالباً بالعثور على جثّة الشاب ومن يرافقه، يواجه خلالها عناصر الدفاع المدني خطراً شديداً. في الأعوام الثلاثة الماضية، قضى أكثر من 58 شخصاً بعدما جرفتهم سيول عارمة، لكنّ ذلك لم يمنع تسجيلات فيديو تصوّر متهوّرين كثر، من الانتشار على مواقع التواصل الاجتماعي.

يختلف اختراق السيول عن اختراق المياه المتجمّعة، إذ إنّها تكون مندفعة بقوة فيما الأرض زلقة وموحلة، إلى درجة تصعب معها السيطرة على السيارة التي تكون في الغالب قديمة. وعلى الرغم من تحذيرات الدفاع المدني التي تتجدد مع كل موجة أمطار تهطل على السعودية، بضرورة تجنّب مجاري السيول، إلا أنّ ثمّة من يتعمّد اختراقها لتصوير فيديو على سبيل المثال، وثمّة من يتهوّر خلال عبوره السيل. وقد تعالت الأصوات المطالبة بمعاقبة هؤلاء، لأنّ الخطر لا ينحصر بهم فحسب، بل يطاول كذلك رجال الدفاع المدني الذين يحاولون بحكم مهنتهم إنقاذهم من الموت.


وفي محاولة لوضع حدّ لذلك التهوّر، يطالب المتخصصون في علم الاجتماع وغيرهم بضرورة فرض غرامات مالية وعقوبات رادعة على من يحاول المغامرة بالخروج وسط مجاري السيول والأودية خلال هطول الأمطار بهدف لفت الانتباه أو تصوير فيديو للنشر على مواقع التواصل الاجتماعي. يُذكر أنّ موقع "يوتيوب" مليء بعشرات تسجيلات الفيديو التي يعمد أصحابها إلى تحدّي آخرين بعبور سيل جارف. وقد حصلت تسجيلات عدّة على أكثر من مليونَي مشاهدة. ومثل هذه الأرقام تشجّع عدداً كبيراً من الشبان للمخاطرة من أجلها.

يقول أستاذ علم الاجتماع الدكتور ماجد الربيعي، إنّ ثقافة المجتمع التي لا تقبل التحدّي، تتسبّب في كثير من هذه الممارسات. يضيف لـ"العربي الجديد"، أنّه "في حالات كثيرة، يكون الأمر مجرّد تحدّ لا أكثر. مجتمعنا لا يقبل أن يتحدّاه أحد، ولأنّ كثيرين هم الشباب الذين ينقصهم الوعي، نجدهم ينجرفون في مثل هذه التحديات كما ينجرفون في السيول التي يحاولون تحدّيها. كثيرون لم يدرسوا المخاطر التي يمكن أن يتعرّضوا لها". ويلفت إلى أنّ "ثقافة تقييم المخاطر، للأسف، غائبة عنّا".

من جهته، يشير أستاذ علم النفس في جامعة الدمام الدكتور فهد المري، إلى أنّ من يتهور بهذا الشكل هو مريض نفسيّ. ويقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "ثمّة من يحاول إثارة الانتباه لنفسه، حتى لو كان ذلك من خلال مبادرات خطرة. هو حبّ الظهور، ولو كان الأمر خطراً. وهذا نابع من التهميش الذي يعانيه في حياته". ويحمّل المري الجهات الرقابية مسؤولية تنامي هذه الظاهرة، نتيجة تهاونها في تطبيق القوانين والأنظمة التي تحمّل هؤلاء المتهورين كلفة إنقاذهم. يضيف: "هم لا يعرّضون أنفسهم فقط للخطر، بل يعرّضون كذلك رجال الإنقاذ للخطر ولا بدّ من محاسبتهم". ويتابع: "لا بدّ من تتبّع تلك المقاطع واستدعاء من يظهر فيها للتحقيق. في العالم، يُحمَّل من يتسبّب في إيقاع نفسه في مأزق متعمداً، كلفة إنقاذه. فهو لم يتسبب في هدر وقت رجال الإنقاذ فحسب، بل قد يتسبب ربما في وفاة شخص تعرّض فعلاً للخطر رغما عنه". ويشدّد على أنّ هؤلاء المتهوّرين "يعانون من خلل نفسي حاد، لذا لا بدّ من فحصهم عند إنقاذهم".

تجدر الإشارة إلى أنّه قبل أيّ موجة من السيول، يطلق الدفاع المدني تحذيرات يطالب فيها المواطنين بتجنّب الأودية. لكنّ الأجواء الماطرة تغري الشبان للخروج إلى المناطق الصحراوية. وهؤلاء لا يخترقون السيول بسياراتهم فحسب، إنّما يعلقون كذلك في مجاري السيول ويتحمّلون جزءاً كبيراً من المسؤولية. ويشبّه الإعلامي حبشي الشمري من يتهوّر في الخروج إلى المناطق الصحراوية خلال الأمطار، بـ"المفحّطين" الذين يتهوّرون في القيادة، مطالباً بأن تفرض عقوبات صارمة عليهم، لا سيّما الغرامات الكبيرة. ويقول لـ"العربي الجديد": "لا بدّ من توفير دوريات أمنية للتصدّي لمن يحاول عبور الأودية ومجاري السيول أثناء الأمطار، حتى ولو كان الغرض مجرّد التنزه، تماماً كما هي الحال مع المفحطين. والسبب هو حمايتهم من أنفسهم أولاً، وكذلك حماية رجال الدفاع المدني غير المضطرين لتحمّل حماقات البعض". بالنسبة إلى الشمري، فإنّ "الحلّ الأمثل هو إيقاف سيارة المخالف لمدّة طويلة، وتحميله كلّ نفقات الإنقاذ. من شأن ذلك أن يجعل كثيرين منهم يفكّرون أكثر من مرّة قبل المغامرة والخروج إلى أماكن سبق وصدرت تحذيرات حولها".

في السياق، يؤكد الدفاع المدني التزامه بإنقاذ المتهوّرين، وإن دخلوا السيول والأماكن الخطرة بملء إراداتهم. ويقول المتحدث الرسمي باسم المديرية العامة للدفاع المدني العميد عبدالله الحارثي، إنّ "هدفنا الأول هو حماية المواطنين". ويقول لـ"العربي الجديد": "نحن نحرص على الجانب الوقائي، لأنّه جزء مهمّ من خطتنا. وحالياً، نلمس ارتفاعاً في نسبة الوعي واستجابة للتعليمات والتحذيرات التي نطلقها"، يضيف الحارثي أنّه "ليس لدينا سوى خيار إنقاذ المتهوّر، ونحن نعلم أنّ من سيقوم بإنقاذه يخاطر بحياته لأجله. نحن جهاز هدفه سلامة المواطن والأرض وأمنهما. وأيّ إجراء قد يساهم في حماية المواطنين نحن نلتزم به".

المساهمون