أشياء خاصة جداً

أشياء خاصة جداً

13 فبراير 2017
فنجان قهوة منسيّ (جاستن سوليفان/ Getty)
+ الخط -
فور دخولها إلى البيت، خلعت حذاءها الرياضي الأسود، تركته على أرض المدخل وتابعت سيرها حافية القدمين. يحدث ألّا تعيد حذاءها الذي خلعته إلى مكانه فوراً، فتنتبه بعد يومين أو ثلاثة، أنها أصبحت تختار حذاءها في الصباح عند مدخل باب البيت بدلاً من خزانة الأحذية. لم تكن مهووسة بنظافة وترتيب بيتها، ولم تبد مرّة إعجابها بالبيوت التي، من فرط ترتيبها، يبدو أن أحداً لا يسكنها.

فنجان القهوة المنسيّ على طرف طاولة الوسط في غرفة الجلوس جزء من أثاث الغرفة. والقطّة "هنادي" المستلقية بسوادها الحالك على السجادة عند مدخل البيت هي جزء من البيت. والكنزة أو الشال أو حقيبة اليد المشلوحة على سريرها دليل على أنها هنا، تعيش هنا، ولا تكتفي بالسكن فقط. البيوت ليست صالات عرض للمفروشات أو للتحف والأقمشة.

بيتها يشبهها. اختارت مكوّناته بعناية وبعفوية. لا تشتري قطعة "أنتيك" تعرضها في غرفة الجلوس لمجرّد أن توفقت فيها بسعرٍ زهيد، كما أنها لا تتّبع الموضة وأصول ديكور البيوت كما في مجلات لورا أشلي الأميركية. في بيتها أشياء خاصة بها، لا تعني أحداً سواها وربما لا تعجب أحداً سواها أصلاً. كمجموعة الأحذية التي تتكدّس من حين الى آخر عند المدخل مثلاً، وزجاجات النبيذ التي تحتلّ تقريباً كل طاولة صغيرة في زاوية البيت، أو بكلّ بساطة، كاللون الأزرق الذي يكاد يطغى على المكان. أما الملفت في بيتها، فهو كثرة الصور الفوتوغرافية. فهي، حرفياً، في كل مكان.

جلست على كرسيّ قديم من الخشب والقشّ كانت قد دهنته بنفسها باللون الأزرق السماوي ووضعته عند مدخل البيت. مدّت يديها إلى الأمام وراحت تتأملهما. تحب الأحمر على أظافرها، يليق بيديها لأنهما رفيعتان، وتظهر من تحت جلدها بعض الشرايين الرفيعة التي تعطي انطباعاً بالقوّة وشيئاً من القسوة. تنسى أظافرها وتروح تفكّر في بيتها.

تتذكّر قولاً كانت تردّده جدّتها في كلّ مرّة تضع فيها المفتاح في القفل، تبرمه مرّتين قبل أن تدخل البيت: "يا بَيتي يا بْوَيتاتي، يا مستّرلي عْوَيباتي". لم تكن مشاوير جدّتها بعيدة لكنها مع ذلك كانت تترقّب عودتها إلى البيت كأنها فيه تكون بعيدةً عن الشر. تتذكّر أنها كانت تبحث عن بيت، في كل مرة. وفي كل مرّة كانت تبحث فيها عن الحب، كانت تبحث عن بيت. عن مكان تدخله فتشعر بشيء من الألفة، بدفء يلفّها كجوارب من الصوف زهريّة ومزركشة، كالقطعة الأخيرة من لوح الشوكولاتة تقضمها فيسيل منها الكاراميل، أو كأغنية قديمة لم يعد يذكرها أحد، غاب مغنّيها عن الساحة الفنية، يبثّها الراديو صدفةً فيتناثر الحبّ في أرجاء منزلها الأزرق الصغير.

دلالات

المساهمون