انتدابات تونس قضيّة مفتوحة

انتدابات تونس قضيّة مفتوحة

29 يناير 2017
شباب عاطلون من العمل في تظاهرة سابقة (ياسين قايدي/الأناضول)
+ الخط -
ما زالت الوظيفة العمومية من الملفات الشائكة التي بحثت فيها معظم الحكومات في تونس بعد الثورة، وذلك بهدف إيجاد منفذ ما للتخفيف من الضغط على المصاريف العمومية، بعدما تجاوز عدد الموظفين في هذا القطاع 650 ألف موظف في مختلف المصالح والقطاعات العمومية والوزارات. وكلّما أعلنت حكومة عن إجراء ما يقضي بحلّ الأزمة ويخفف من مصاريف الأجور، يعود ملف الوظيفة العمومية ليتصدّر الأخبار ويطغى على الخلاف النقابي والحكومي.

في عام 2015، أقرّت الحكومة تجميد الأجور في مرحلة أولى، لكنّ القرار جوبه برفض كبير من قبل النقابات العمالية. في وقت لاحق، في عام 2016، اتّخذت قراراً يقضي بوقف الانتدابات في الوظيفة العمومية ولجأت إلى إغراء الموظفين بإنشاء مشاريع خاصة، مع توفير التمويل الكافي لهم ومنح لمدّة سنتَين. لكنّ وقف الانتدابات في الوظيفة العمومية حرّك الشارع التونسي بكلّ اتجاهاته، إذ رفض شبابها المطالبون بالشغل وقف الانتدابات بعد سنوات من الانتظار، فيما طالب بعض المدافعين عن حقّ التشغيل باستحداث لجنة خاصة تعمل تحت سقف وزارة التشغيل، تهتم بالانتدابات والمناظرات وتراقبها وتعدّ دراسة حول حاجة كل مؤسسة عمومية لموظفين جدد سنوياً. يُذكر أنّه على الرغم من إقرار وقف الانتدابات في الوظيفة العمومية، إلا أنّ بعض الوزارات والمؤسسات العمومية ما زالت تعلن عن فتح مناظرات وانتدابات جديدة، من قبيل وزارة التربية ووزارة الصحة وإدارة النقل والشركة التونسية للكهرباء والغاز الطبيعي وعدد من المؤسسات العمومية الأخرى.

في السياق، لم تُعلَن نتائج بعض المناظرات على الرغم من أنّ آلاف الخريجين شاركوا فيها على أمل الظفر بوظيفة. وبدلاً من أن تكون تلك المناظرات حلاً لتهدئة الشارع وامتصاص غضب الشباب المطالب بالتشغيل، إلاّ أنّ عدم الإعلان عن نتائجها كان له ردّ فعل عكسيّ. فقد أجّج الشارع واستفزّ الشباب الذين فقدوا الثقة إن بتلك التي لم يُعلن عن نتائجها أو بتلك التي اكتشفوا تلاعباً في نتائجها وشبهات فساد في طريقة الاختيار وفق الولاءات.

وكشفت بيانات حديثة أنّ نحو 77 ألف انتداب، أي ما يعادل 36 في المائة من مجموع الانتدابات طوال السنوات الممتدة من عام 2011 إلى عام 2015، لم تخضع لأيّ مناظرة وتمّت عن طريق عقود مؤقّتة. وفي وقت لاحق، بعد سنة واحدة على أبعد تقدير، جرى ترسيم هؤلاء المنتدبين. أتى ذلك في مخالفة للقوانين المرعية الإجراء وكذلك لمبدأيّ تكافؤ الفرص والشفافية.

وكان رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد شوقي الطبيب قد أكّد في تصريحات أنّ كلّ انتداب في الوظيفة العمومية ثبت فيه فساد، سوف يُلغى حتماً. وأوضح أنّ رئيس الحكومة السابق الحبيب الصيد كان قد أذن بفتح تحقيق في كلّ الشبهات المتعلقة بالانتدابات في الوظيفة العمومية التي جرت بطريقة غير قانونية، أي بالمحسوبية أو بالتحايل.

كثيرون هم العاطلون من العمل اليوم الذين يعانون. ويعبّر هؤلاء عن استيائهم من الشروط التي ترافق فتح المشاركة في مناظرات الوظيفة العمومية، بالإضافة إلى رفضهم تكبّد مصاريف قد تذهب سدى، من قبيل توفير طابع جبائي بقيمة سبعة دولارات أميركية. وفي هذا الإطار، نفّذ اتحاد المعطلين عن العمل في تونس عشرات الوقفات الاحتجاجية في مختلف الجهات، للمطالبة بفتح تحقيقات حول انتدابات عدّة تمّت وأعلن عن نتائجها في ظروف غامضة. وقد أشار أمين عام الاتحاد سالم العياري إلى أنّ كثيرين أصبحوا من ضمن الخطط الوظيفية في مؤسسات عمومية، وذلك من دون أي انتداب أو مناظرة.

تجدر الإشارة إلى أنّ الحكومة الحالية كانت قد اقترحت على الموظّفين ترك الوظيفة العمومية اختيارياً بهدف التقليص من عدد الموظفين العموميّين. كذلك قرّرت غلق باب الانتدابات في الوظيفة العمومية خلال عام 2017 نظراً إلى الضغط الكبير الذي يعانيه هذا القطاع. وقد أكّدت المديرة العامة للوظيفة العمومية فضيلة الدريدي في هذا السياق، أنّه "لن تكون مناظرات في الوظيفة العمومية في عام 2017، باستثناء مدارس التكوين (التدريب) على غرار المدرسة الوطنية للإدارة والأمن الوطني". وأوضحت أنّ الدولة تقترح على الموظفين الذين لديهم خمس سنوات أقدمية، ترك الوظيفة العمومية في مقابل تمكينهم من أجرة سنتَين كاملتَين بالإضافة إلى التدخّل لدى المصارف من أجل تيسير حصولهم على قروض لإطلاق مشاريعهم الخاصة.