حَكَم الرجال هدى العوضي

حَكَم الرجال هدى العوضي

07 مارس 2016
تتجاهل العوضي أيّ تمييز (حسين بيضون)
+ الخط -

تشبه قصة البطلة الرياضية اللبنانية هدى العوضي اليوم، قصتها عندما كانت طفلة. التجربة نفسها تمرّ بها ولو مع اختلاف الظروف. يومها كانت الفتاة الوحيدة في مدرسة "كلية عمر بن الخطاب" للبنين في بيروت، التابعة لجمعية المقاصد الإسلامية بإذن خاص من رئيس الوزراء الراحل صائب سلام. واليوم هي الحكم الدولي الأنثى الوحيدة في لبنان، ولو أنّها غادرت الصفة الدولية أخيراً وبقيت حكماً على المستوى المحلي، تبعاً لترقيتها إلى صفة محاضرة ومراقبة.

العوضي ليست طارئة على الرياضة اللبنانية، بل هي رياضية معروفة في ألعاب القوى. بدأت رياضة الجري في المدرسة، ثم تابعتها مع نادي الأنصار أوائل تسعينيات القرن الماضي بعدما تلقت دعماً كبيراً من شقيقها الأكبر الذي أقنع والدها بالسماح لها باللعب مع الأنصار بشرط عدم السفر. شرط سقط لاحقاً، إذ مثلت لبنان في عديد من المحافل الدولية وفازت بميداليات متنوعة. كانت لها مشاركة ناجحة في دورة الألعاب الرياضية العربية 1997، فقد حققت المركز الرابع في سباق نصف الماراثون. وبعدها بعام واحد نالت أربع ميداليات برونزية للبنان في البطولة العربية لألعاب القوى، فيما تحتفظ حتى اليوم بالرقم القياسي اللبناني في سباق ثلاثة آلاف متر موانع.

مذ بدأت ممارسة كرة القدم مع نادي الأنصار للسيدات قبل 10 سنوات، سلكت اتجاهاً مختلفاً. اقتحمت مجالاً ذكورياً خالصاً في لبنان، لم تتمكن قبلها أو بعدها أيّ امرأة من اقتحامه، هو مجال التحكيم الكروي للرجال، بالإضافة إلى السيدات.

عندما حصلت على الشارة الاتحادية ومن بعدها الدولية عام 2010، لم يعد بإمكان أيّ جهة أو شخص الوقوف في طريقها هذا. تُسنَد إليها قيادة مباريات الدرجات الثانية والثالثة والرابعة للرجال. هي مسرورة بمباريات الدرجات الدنيا التي تؤكد أنّها صقلت خبرتها وشخصيتها القوية في الملعب التي لا يمكن للاعبين إلاّ الامتثال لقراراتها. تؤكد أن لا فارق في ذلك بين رجل وامرأة، فالقرار الصائب هو الأساس بالإضافة إلى قوة شخصية الحكم، ولو تطلّب الأمر التعامل مع لاعبين لا يفقهون شيئاً بالقوانين كحال أكثر لاعبي تلك الدرجات. تشير في هذا الإطار إلى أنّ الحكم الذي يخطئ عليه أن يتحمل نتيجة خطأه، فاللاعبون والجمهور لن يهاجموه إلاّ إذا اتخذ مثل هذه القرارات.

اقرأ أيضاً: محب شانه ساز.. ترامواي بيروت العائد.. عن طريق البحث

في كافيتيريا ملعب نادي النجمة الرياضي في منطقة المنارة البحرية في بيروت، تبدو شخصية العوضي داخل الملعب وخارجه واثقة. تنتظر بداية مباراة تكون فيها حكماً رابعاً ما بين ناديَي الهومنمن والشباب طرابلس. وتستعين بزوجها الحكم الاتحادي، بدوره، حسين بشير، الذي تؤكد أنّه مشجعها الأول، ليذكّرها بإحدى مبارياتها الأولى للرجال التي قادتها وشهدت جدالاً. المباراة كانت حاسمة لصعود فريق إلى الدرجة الثالثة من اثنين هما الأهلي صربا والبرج. كانت النتيجة تشير إلى التعادل 1-1، فاحتسبت ركلة جزاء قبل نهاية المباراة لصالح الأهلي، وطردت لاعباً من البرج. تؤكد أنّها لم تخشَ القيام بذلك لأنّها كانت واثقة من قرارها تماماً. وبالفعل فاز الأهلي وصعد، وبقي البرج في درجته. الجميع ما زال يذكّرها بجرأتها في تلك المباراة.

على هذا الأساس، تتجاهل العوضي أيّ تمييز، قد يكون واقعاً تجاهها كامرأة في ميدان ذكوري.. وهو ما خبرته أخيراً مع اكتشافها أنّ البعض يعدّه أمراً كبيراً أن تأخذ امرأة مكانه. في الغالب، لا يعاملها زملاؤها الحكام بتمييز لأنّها في مثل مستواهم، بل أفضل أحياناً. هي تتمرن أكثر من غيرها. تلتزم بالتمرينين الرسميين الأسبوعيين للحكام، وتتدرب باقي الأسبوع وحدها.

تركت العوضي ألعاب القوى نهائياً، لكنّها تأسف على عدم تكريمها ولو معنوياً، في مقابل تكريم من هم أدنى منها إنجازات. لكنّها تشيد بزميلاتها "البطلات الحقيقيات" وفي مقدمتهن العداءة غريتا تسلاكيان، صاحبة الأرقام والبطولات العديدة.

عام 2005 تزوجت العوضي. تصف زوجها بأنّه "مجنون رياضة"، وهو ما سهّل عليها تربية ابنتيهما آلاء (9 سنوات) وسيرين (7 سنوات). هي تسافر إلى المباريات والدورات والمؤتمرات بشكل مستمر، كما هو الحال عندما التزمت بتحكيم دوري السيدات القطري بين عامي 2011 و2013. تلقى منه كلّ دعم معنوي وعملي، خصوصاً أنّه يتولى مسؤولية الفتاتين في غيابها، بمساعدة والدته.

تؤكد أنّ الاتحاد اللبناني لكرة القدم أتاح لها كلّ فرصة ممكنة للتطور، ولم يقف في طريق توليها قيادة مباريات الرجال، أو في وجه مشاركاتها الخارجية بمختلف أشكالها. وهي لفتة تثمنها، وتشكر الاتحاد عليها.

هذه الأيام تحضّر نفسها لترقية جديدة كمحاضرة ومراقبة حكام، على المستوى الآسيوي. ومع تشجيعها ابنتيها وكلّ اللبنانيات على الرياضة، تبقى متمسكة بأملها في نقل خبرتها في القوانين الرياضية إلى اللاعبين والمدربين داخل الأندية، "ما يسهّل كثيراً من عمل الحكام على أرض الميدان". وهي الخبرة التي تؤكد قدرتها المميزة على إيصالها بلغة سهلة إلى أكبر شريحة من الناس.

اقرأ أيضاً سيلفانا اللقيس: الحراك الشعبي يردّ الروح إلى لبنان

المساهمون