غابتنا وأخواتها

غابتنا وأخواتها

01 فبراير 2015
الإنسان هو أخطر العناصر المؤثرة على الغابات (فرانس برس)
+ الخط -

ذكرى لا تُمحى، ولحظة كنا نترقبها بشغف في الطفولة. تلك لحظة مرور حارس الغابة في السودان بزيه المميز يمتطي فرسه، ويتوقف عند كل شجرة، ويدون في دفتره عند آخر الشجرات ما يفيد أنّ حرص أهل القرية يكمل مهمته. ولأنّ جدي لأبي كان من حراس الغابة الشعبيين فقد سميت الغابة التي تفصلنا عن الحوض الفيضي باسمه "غابة محمد أحمد". وأذكر أنه كان يردد أنه لولا هذه الغابة وأخواتها لما نزل علينا المطر.

خمسون عاماً فقدنا خلالها غابتنا والكثير من أخواتها من غابات السودان لنتبوأ المرتبة الرابعة بعد البرازيل وماليزيا وزائير من بين أكثر 12 دولة تدميراً لمواردها الغابية من دول العالم الثالث. فقد تحولت مساحات الغابات إلى مواقع سكنية، أو مزارع، أو مستعمرات لشجرة المسكيت الدخيلة على بيئتنا، أو ـ وتلك قمة المأساة- إلى صحاري.

يقول وزير الزراعة السوداني عام 1953 عبدالله بك خليل: "تتوقف رفاهية شعبنا على قدراتنا على صيانة مواردنا الطبيعية بالاستغلال الرشيد". إلا أن طبيعة الاعتماد على الغابات تتغير وفقاً لمستوى معيشة السكان. وتؤكد الدراسات أن سكان الريف يحصلون على 82 في المائة من احتياجاتهم بالتحطيب المباشر. وتستحوذ مدن العاصمة الثلاث (الخرطوم، وبحري، وأم درمان) والجزيرة المروية على 31 في المائة من الاستهلاك سنويّاً، ويقدر بـ(16 مليون متر مكعب)، يقول الخبراء، إنها تزيد عن القطع المسموح به في السودان الشمالي بمقدار 5 ملايين متر مكعب.

تفاقمت مشكلة الغابات مع بداية الزراعة المطرية الآلية (1940)، إذ خطط لها أن تمارس تحت نظام دورة زراعية تضمن استمرارية الغابات. إلاّ أنّ عدم الالتزام بالأمر، قد فاقم المشكلة ليتدنى الإنتاج الغابي كثيراً، خصوصاً مع ظهور الزراعة خارج التخطيط.
أمر آخر تمثل في نظام الحكم الإقليمي وتحويل جزء من الغابات إلى سلطة حكومات الولايات، الأمر الذي سماه الخبير، كامل شوقي، "انتكاسة الغابات". ونتج عن ذلك قطع الكثير من الغابات بقرار سياسي لتغطية عجز المصروفات الإدارية.

يذهب الخبراء إلى أنّ الإنسان هو أخطر العناصر المؤثرة على الغابات، فهو يبدد مواردها بإضرام النيران، والقطع غير الرشيد، والزراعة غير الرشيدة، والرعي الجائر. ويصل مقدار ما يحدثه من خراب إلى 4 ملايين و210 آلاف متر مكعب سنويّاً.
وتؤكد العلاقة بين الغطاء الغابي والعوامل المؤدية إلى الجفاف أنّ لدمار الغابات ارتباطاً وثيقاً بالجفاف الراهن الذي يجتاح المناطق المدارية في أفريقيا، ومن بينها السودان، فنشأة الصحراء يسبقها التصحّر.
(متخصص في شؤون البيئة)