"سلّة نفايات العالم" بدلاً من غذائه

"سلّة نفايات العالم" بدلاً من غذائه

19 ديسمبر 2015
هل وصل إلى السودان بعضها فعلاً؟ (الاناضول)
+ الخط -
لم تسلم أيّ حكومة سودانية، منذ سبعينيات القرن الماضي، من الاتهام بالسماح لجهات أجنبية بدفن نفايات خطيرة في صحاري السودان.

هو اتهام يورده شهود عيان لكنّه غير موثق، ويُرجع إليه الوعي الجمعي ظاهرة انتشار السرطان في مناطق بعينها. اتهام لم تؤكده الدراسات العلمية للجهات المعنية، والتي كانت آخرها دراسة لهيئة الطاقة الذرية السودانية، لم تكتف بنفي أمر دفن النفايات فحسب، بل قلّلت من الأثر المترتب على تشييد أبراج الاتصالات، وتمديد أبراج الضغط الكهربائي وسط الأحياء السكنية. وهو ما جعل البعض لا يعوّل على مثل هذه الدراسات كثيراً بدورها.

بقي الأمر على هذا الحال حتى فجّر المدير الأسبق للهيئة ذاتها، النبأ الصاعق. فقد أعلن محمد صديق عن دخول مواد كيميائية خطيرة إلى البلاد أثناء بناء سد مروي في شمالها. هناك كانت الأبواب مفتوحة لإحدى الدول الآسيوية لإدخال الآليات والمعدات، فاغتنمت الفرصة - بعلم السلطات السودانية أو من دونه - وأدخلت 60 حاوية من المواد الكيمائية، دفُن ثلثاها، بحسب ما يؤكد صديق، وبقى ثلث في العراء عرضة للشمس والرياح والمطر.

تداولت الصحف النبأ الموثوق بوصفه وصمة عار على جبين السلطات التي لم تحرك ساكناً حتى الآن، وإن تساءل البعض عن سر صمت المسؤول طوال فترة توليه منصبه. تباكى كثيرون على لجنة المبيدات التي كانت ثالثة ضحايا السلطة الحاكمة، مع رفيقتيها هيئة المواصفات وإدارة النقل الميكانيكي. فقد كانت اللجنة بوابة لا يعبرها أي مركّب كيميائي إلا بعد فحصه والتأكد من صلاحيته. كذلك خوّل القانون السوداني إدارة النقل الميكانيكي، بمنع دخول أي آلية أو ماكينة غير مطابقة للمواصفات. كذلك كانت هيئة المواصفات تُعنى بباقي الوارد من السلع. وبالقضاء على هذه البوابات الثلاث أصبح السودان "سلة نفايات العالم" بدلاً من غذائه كما توهمنا زمناً.

تُقرأ الحادثة الأخيرة باقترانها مع ما ظل يرشح من أنباء حول حاويات دخلت الموانئ السودانية، منها ما أُعيد إلى دول المنشأ بعدما كثر الحديث حولها، ومنها ما ينتظر منذ شهور. لا يستبعد البعض أن يكون معظم محتوى هذه الحاويات نفايات كيميائية وإلكترونية ومواد غذائية فاسدة وعقاقير طبية.

الجميع في هذه الأيام والبرلمان معهم مشغول بحاويات السموم، الأمر الذي قد يسلط الضوء على الحاويات التي دُفنت وتلك التي تنتظر. هنا يبرز السؤال حول مدى التزام الحكومة السودانية وصديقاتها الآسيوية بـ"اتفاقية بازل" بشأن التحكم بنقل النفايات الخطرة والتخلص منها عبر الحدود.

*متخصص في شؤون البيئة

اقرأ أيضاً: الأمن البيئي هو الأساس

دلالات

المساهمون