نساء تونس حافظات أسرار "المخارق"

نساء تونس حافظات أسرار "المخارق"

13 ابريل 2023
المخارق أشهر حلوى تونسية في رمضان (العربي الجديد)
+ الخط -

يحتل الرجال عادة مشهد حلويات "المخارق"، لتظهر واجهات المحال التونسية أنها صناعة رجالية، إذ يشرفون على مراحل التشكيل والقلي، والتغطيس في العسل، ثم  يتولون البيع، في حين لا تظهر النساء في الواجهة رغم أنهن الصانعات الحقيقيات لأشهر الحلويات التونسية في شهر رمضان، والتي يعود تاريخها في البلاد إلى القرن الثالث عشر. تشتهر المخارق في عدد من المحافظات التونسية، وخصوصاً باجة (شمال غرب)، وهي حلويات دائرية الشكل تصنع من الدقيق، إذ تعجن بالطريقة التقليدية مع السمن، قبل قليها في أوان نحاسية كبيرة، ثم توضع في القطر، وتقدم في أوان فخارية حمراء تسمى محلياً "البرمة" للحفاظ على مذاقها لأطول فترة ممكنة.
تشرف النساء اللاتي لا يظهرن في الصورة على إعداد العجينة، والتي تحتاج إلى 48 ساعة من العمل قبل المرور إلى مرحلة التشكيل والقلي. تقول بشيرة، وهي مشرفة على بيت العجين في واحد من أكبر محال المخارق في محافظة باجة: "النساء هن حجر الزاوية في صناعة المخارق، إذ يقمن بأهم وأدق دور، وهو إعداد العجين. الحلويات اختصاص نسوي بحت. نقوم بغربلة الدقيق، وخلطه في المرحلة الأولى، ثم إضافة السمن والزيت، وهي مرحلة تسمى (التبسيس) وتحتاج إلى تقنيات ودراية كافية بالمقادير".

قضايا وناس
التحديثات الحية

تضيف بشيرة متحدثة لـ"العربي الجديد": "نقوم بخلط الدقيق بالماء، ويترك لمدة قبل أن يوضع في العجانات بعد إضافة السمن والزيت والبيض وكميات من الماء، وعندما تصبح العجينة جاهزة للتشكيل والطهي، تحال المهام إلى الرجال. وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت في التعريف بدور النساء في صناعة الحلوى الأقرب إلى قلوب التونسيين في شهر رمضان بعدما بقين في الظل لعقود طويلة، ما سمح للرجال باحتكار المشهد".

الصورة
تتولى النساء تجهيز العجين وهو المرحلة الأهم (العربي الجديد)
تتولى النساء تجهيز العجين وهو المرحلة الأهم (العربي الجديد)

وتقول الرواية الشعبية إن صناعة حلويات المخارق والزلابية وصلت إلى محافظة باجة عن طريق جندي تركي عاش في المدينة، وكان يعد هذه الحلوى، فاستحسنها أفراد العائلات، وقرروا تعلمها حتى تمكنوا من إتقانها، ثم توارثوها لأكثر من 150 عاماً".
من جانبه، يقول الأستاذ الجامعي المتخصص في الحضارة زهير بن يوسف إن "حلويات المخارق أندلسية، وجاءت إلى باجة في القرن الثالث عشر، ثم دعمها وصول المورسكيين في القرن السابع عشر، أما الزلابية فهي مشرقية، الحضارتان الأندلسية والعثمانية تعاقبتا على المدينة وتركتا أثراً كبيراً في مطبخها الذي يعد مطبخاً باذخاً".

تنتمي الحاجة صبيحة بلشريفة إلى واحدة من أبرز الأسر المختصة في صناعة المخارق، وتؤكد لـ"العربي الجديد"، أن "نساء العائلة يلعبن دوراً أساسياً في إعداد المخارق، إذ يشاركن في كل مراحل العجن، وإعداد القطر الذي يطلق عليه محلياً اسم (الشحور)، وأن هذه المهام كانت شاقة قبل ظهور العجانات الكهربائية التي بات يعتمد عليها الصناعيون حالياً. والدتي وشقيقتي الكبرى كانتا تقومان بمساعدة والدي الذي يملك محلاً لصناعة وبيع المخارق في السوق العتيقة، والعمات والخالات وحتى الجارات كن يساعدن في إعداد العجين في شهر رمضان حين يزيد الطلب على المخارق. النساء هن حافظات أسرار الصناعة، ما يفسّر استمرار دورهن في الحفاظ على هذه الحلويات التي صمدت لعقود أمام بقية الأصناف".

الصورة
يتصدر الرجال مشهد صناعة المخارق (العربي الجديد)
يتصدر الرجال مشهد صناعة المخارق (العربي الجديد)

وتفسر الحاجة صبيحة حجب صورة النساء في صناعة المخارق بالموروث الاجتماعي الذي لا يثمن عمل المرأة بشكل عام، رغم مشاركتها الفعالة في أنشطة حرفية عديدة، مؤكدة أن الاعتراف بدور النساء في الصناعات الحرفية يساعد على حفظ حقوقهن المعنوية والمادية.
وتقول إن "الجيل الجديد من النساء يواصل العمل في صناعة المخارق حسب وصفات الجدات نفسها، خاصة ما يتعلّق بتحضير مكوّنات العجينة التي تجمع بين السميد (القمح الصلب) والفرينة (قمح لين)، بالإضافة إلى اﻟﺴﻤﻦ العربي التقليدي، والذي يجب أن لا يقل عمره عن السنة حتى يعطي نكهة مختلفة للمخارق والزلابية".

المساهمون