باجة مزار التونسيين في رمضان

باجة مزار التونسيين في رمضان

06 مايو 2021
تتميّز المدينة بالحلويات الرمضانية (العربي الجديد)
+ الخط -

تتحوّل مدينة باجة التونسية (غرب) خلال شهر رمضان إلى مزار للتونسيين من مختلف محافظات البلاد، بحثاً عن متعة التسوّق في سوقها العتيق وشراء حلويات الزلابية (كرات مطهوة من عجينة الخبز) والمخارق (حلوى تونسية) والأجبان التي تتميّز بها المحافظة دون غيرها من بقية محافظات البلاد. ويجتهد التجار لتوفير أجود أنواع الأجبان والألبان والحلويات التي تختزل تأثير الحضارات التي مرت على المدينة في مطبخها الذي تحوّل إلى واحد من أهم المطابخ التونسية. 
والمخارق هي حلويات دائرية الشكل تصنع من الدقيق وتعجن بطريقة تقليدية مع السمن ويتم قليها في أوانٍ نحاسية كبيرة ثم توضع في القطر أو الشحور التونسي، وتقدم لمريديها داخل أوانٍ فخارية حمراء تسمّى عند المحليين "البرمة"، وذلك بهدف الحفاظ على مذاقها لأطول وقت ممكن.
وتلبي المخارق بأصنافها الثلاثة جميع الأذواق، ومنها المخارق العادية والشعبية والفاخرة التي يضاف إلى عجينها الدهن والبيض وغير ذلك من المواد وتقدّم أساساً لمن يتبعون حمية غذائية دون سكر.
ومن أجل المخارق والزلابية والأجبان تستقبل مدينة باجة التي تعدّ 300 ألف نسمة نحو 300 ألف زائر على امتداد شهر رمضان، أي بمعدل 10 آلاف زائر يومياً يقصدونها من العاصمة والمحافظات المجاورة، فيما يتحمل القادمون من محافظات بعيدة عناء التنقل من أجل اقتناء كميات من منتوجاتها تظل صالحة للاستهلاك لأسبوعين على الأقل. وتقع المدينة على بعد مائة كيلومتر تقريباً غرب العاصمة التونسية على الطريق الذي يربط تونس بالجزائر والتي تعتبر جزءاً من الطريق المغاربية، وهي مدينة زراعية اشتهرت منذ العصر الروماني بالغذاء ذي الجودة العالية وكرم طبيعتها حتى أطلق عليها الرومان اسم "فاقا" أو مطمور روما.

الصورة
رمضان في باجة 1 (العربي الجديد)
(العربي الجديد)

تقول الرواية الشعبية إنّ صناعة حلويات المخارق والزلابية وصلت إلى المدينة عن طريق جندي تركي عاش في باجة،  وخلال فترة إقامته التقى بإحدى العائلات وأعدّ هذه الحلويات فاستحسنها أفراد العائلة وأرادوا تعلمها حتى تمكنوا من إتقانها وتوارثوها لأكثر من 150 عاماً. لكن الأستاذ الجامعي والباحث في الحضارة زهير بن يوسف يقول إنّ "حلويات المخارق أندلسية المنشأ، وصلت إلى باجة في القرن الثالث عشر ثم تدعّمت مع هجرة المورسكيين (المسلمون الذين بقوا في الأندلس تحت الحكم المسيحي) في القرن السابع عشر. أما الزلابية فهي مشرقية"، مؤكداً أن الحضارات الأندلسية والعثمانية التي تعاقبت على المدينة تركّت أثراً كبيراً في مطبخها الذي يعدّ مطبخا باذخاً.

الصورة
رمضان في باجة 2 (العربي الجديد)
(العربي الجديد)

ويؤكد بن يوسف لـ"العربي الجديد" أنّ "الاحتفالية الرمضانية في باجة تعود إلى عهد الحماية الفرنسية"، مشيراً إلى أنّ المدينة أصبحت قبلة للزوار مع مدّ شبكة المواصلات الحديثة التي سهّلت تنقل المواطنين عبر وسائل النقل الحديثة. يضيف أنّ "خصوصية المدينة وتنوع مطبخها ساهما في تطوير حركتها التجارية، لا سيما في شهر رمضان"، لافتاً إلى أنّ "الحركة التجارية تدور أساساً داخل أسوار المدينة العتيقة في محيط السوق في نهج خير الدين أو ما يعرف عند المحليين بباب الجنائز".
وبالإضافة إلى الحلويات يكثر طلب الزوار أيضاً على الأجبان محلية الصنع التي أتى بها الإيطاليون إلى المدينة وأسسوا فيها مشاغل لصناعة أصناف رفيعة على غرار الجبن السيسيلي والبرماجيانو وغيرهما من الأصناف ذات الصيت العالمي التي تزين أشهر الأطباق الإيطالية. ولا تزال ذاكرة مدينة باجة تحفظ إلى اليوم مرور الإيطاليين بحاراتها عبر صناعة الأجبان التي توارثتها عائلات في المنطقة ولا تزال تحافظ على طابعها التقليدي وعلى سلالات الأغنام التي تدرّ الحليب المستعمل في هذه المنتجات.

الصورة
رمضان في باجة4  (العربي الجديد)
(العربي الجديد)

وتعتبر أسواق مدينة باجة من أهم معالم المدينة العتيقة التي يجد فيها المرء ضالته من مختلف أنواع المنتوجات الحرفية والغذائية وغيرها، ويشعر داخلها الزائر بالأهمية الاقتصادية للحاضرة الشمالية الغربية للبلاد التونسية. 
كذلك يُعتبر "باب الجنائز" في السوق القديم أحد الأبواب السبعة المحيطة بالمدينة العتيقة بباجة، لكنه الأهم اقتصادياً واجتماعياً، فضلاً عن أنه يختزل تاريخ المدينة بكاملها. فالنهج الذي يمتد نحو كيلومتر يضم ما لا يقل عن 100 محل تنشط معظمها في بيع الخضار والفاكهة واللحوم إضافةً إلى الأجبان والحلويات. 

قضايا وناس
التحديثات الحية

ويعد هذا النهج الأكثر شهرة في باجة نظراً لأهمية حركته التجارية وفرص العمل التي يوفرها، سواء لأصحاب الدكاكين أو الباعة العرضيين ممن يغيرون أنشطتهم بحسب الموسم، ما يجعل المكان نابضاً بالحياة على مدار السنة على خلاف ما تحمله تسميته من معاني الموت.

المساهمون