مهاجرو إيران... بحث عن الأمان وهرب من الأزمة الاقتصادية

مهاجرو إيران... بحث عن الأمان وهرب من الأزمة الاقتصادية

25 نوفمبر 2020
العقوبات الأميركية دافع أساسي للهجرة (فاطمة بهرامي/ الأناضول)
+ الخط -

أسباب كثيرة تدفع الإيرانيين إلى الهجرة، منها الأزمة الاقتصادية وارتفاع نسبة البطالة خلال السنوات الأخيرة، في ظل العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد. وقد تكون الهجرة السرية حلّاً بالنسبة إلى البعض

كان الثلاثيني رسول إيران نجاد يُربّي الخيل والبغال في مدينة بيرانشهر الكردية، غربي إيران، في مقابل راتب شهري قدره مليون تومان (نحو 40 دولاراً)، إلا أن راتبه لم يكن يكفيه لتأمين أبسط احتياجات أسرته. لم يتحمّل الوضع وقرر وزوجته الهجرة إلى بريطانيا بهدف بناء مستقبل أفضل لأولادهما. قبل ذلك، كان عليه تأمين المال لتغطية تكاليف الهجرة غير الشرعية. طلب المهرّبون منه نحو 30 ألف دولار، فباع كل ما يملك، وباعت أمه وشقيقته كل ما تملكان من ذهب، فيما باع والده أرضه واقترض بعض المال من أصدقائه وأقاربه، حتى تمكّن نجاد من توفير المبلغ المطلوب للهجرة. غادر إيران برفقة زوجته شيوا محمد بناهي (35 عاماً)، وأطفاله الثلاثة أنتيا (9 أعوام)، وأرمين (6 أعوام)، وأرتين (15 شهراً)، متوجهين إلى تركيا، ومن هناك إلى إيطاليا.  
مكثت العائلة في إيطاليا 20 يوماً قبل الوصول إلى فرنسا، ومن هناك توجهت إلى بريطانيا عبر البحر. إلا أن أمواج بحر المانش قضت، يوم 27 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، على أحلامهم وأغرقتهم بعدما انقلب قاربهم الذي كان يحمل 22 شخصاً آخرين، وقد نجا بعضهم.  

وقال شقيق نجاد، علي إيران نجاد، لصحيفة "شهروند" الإيرانية، إنّ الأخير، وبعد انقلاب القارب، بحث عن أطفاله وزوجته في البحر دون أن يجدهم، ثم رجع إلى القارب الذي انقلب بالكامل ولم يجد من يساعده. وحاول البحث مجدداً عن أسرته، إلى أن غرق أخيراً. 
وعثرت السلطات الفرنسية على جثث الجميع باستثناء الرضيع أرتين. ولم يتمكّن الأهل في إيران من دفع تكاليف إعادة الجثث، لتتسلمها وزارة الخارجية الإيرانية. هذا الحادث شكل صدمة كبيرة للشارع الإيراني، وأثار مجدداً قضية هجرة الإيرانيين إلى الغرب وسط تساؤلات وانتقادات كثيرة. 
وعلى غرار بقية الدول، تتعدّد دوافع الهجرة من إيران، وهي إما فردية أو جماعية، على عكس ما كان سائداً خلال مختلف الحقب التاريخية القديمة. ويمكن تعداد أربعة أسباب رئيسية تقف وراء هجرة الإيرانيين إلى الخارج، وهي اقتصادية وتعليمية واجتماعية وسياسية، وزادت نسبتها في ظل الأزمات الداخلية التي شهدتها البلاد خلال العقود الأربعة الأخيرة. أزمات دفعت الإيرانيين للبحث عن فرص أفضل. 
وشهدت البلاد أربع موجات هجرة أساسية، دوافعها مختلفة، بعد انتصار الثورة الإسلامية عام 1979. وكانت الأولى لأسباب سياسية، حين قرّر معارضو نظام الحكم الجديد في البلاد من أنصار النظام البهلوي السابق، ومن تيارات وحركات كانت مشاركة في الثورة، وفي مقدمتها "منظمة مجاهدي خلق"، التي رفعت السلاح ضد النظام الجديد واغتالت عدداً كبيراً من قيادات الصف الأول، الهجرة. 

الصورة

إلا أن عدد هؤلاء المهاجرين لم يكن كبيراً. لكن يمكن القول إن هذه الموجة كانت بداية لحركة الهجرة بعد الثورة، كما قال رئيس الجمعية العلمية للعاملين في الخدمات الاجتماعية مصطفى إقليما، لموقع "انتخاب" الإصلاحي، في 30 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
أما الموجة الثانية، فكانت لأسباب تعليمية مع بدء الحرب الإيرانية ـ العراقية عام 1980، وقد سُجّل إقبال طلاب الجامعات على الهجرة، وخصوصاً بعد إغلاق المراكز العلمية والجامعات لفترة. إلا أن الموجة الثالثة بدأت مع زيادة حدة الاستقطاب الداخلي في إيران بين الإصلاحيين والمحافظين، والتي وصلت إلى الذروة خلال عام 2009، أثناء الانتخابات الرئاسية التي أثارت جدلاً كبيراً بين التياريين. واحتج الإصلاحيون على النتائج التي أدت إلى فوز الرئيس المحافظ محمود أحمدي نجاد لولاية ثانية، لتنطلق مسيرات احتجاجية. وخرجت "الحركة الخضراء" من رحم هذه الانتخابات لتعتقل السلطات عدداً كبيراً من أنصار الحركة، متهمةً إياهم بـ"إثارة الشغب" واتهمت بعضهم بـ"العمالة" للخارج، وفرضت إقامة جبرية على الزعيمين الإصلاحيين المرشحين في الانتخابات مير حسين موسوي ومهدي كروبي، والتي ما زالت مستمرة حتى اليوم. 
وخلال الموجة الثالثة، اتخذ بعض الإيرانيين قرار الهجرة "مع بدء الاستقطابات السياسية"، لكن عدد هؤلاء، وعلى الرغم من عدم وجود إحصائيات دقيقة، لم يكن كبيراً. 
أما الموجة الرابعة، والتي يمكن اعتبارها الأقوى، فبدأت مع اشتداد الأزمة الاقتصادية في البلاد وتراجع المستوى المعيشي وارتفاع معدل البطالة بين الخريجين الجامعيين. ولهذه الأسباب، زادت وتيرة الهجرة خلال العقد الأخير بشكل كبير، خصوصاً في ظل العقوبات الأميركية والأممية والأوروبية المفروضة على إيران، اعتباراً من عام 2010، بسبب برنامجها النووي. هذه العقوبات فاقمت المشاكل الاقتصادية في البلاد، ودفعت مواطنين عاديين ومستثمرين ورجال أعمال وحملة الشهادات إلى الهجرة بحثاً عن فرص عمل في الخارج. كما دفعت عدداً كبيراً من النخبة الإيرانية وطلاب المدارس المتفوقين إلى التوجه نحو دول غربية.  
موجتا الهجرة الأخيرتان شهدتا ارتفاعاً في نسبة هجرة الأدمغة. بين عامي 2000 و2014، تجاوزت نسبة الإيرانيين المهاجرين من النخبة والحائزين على جوائز علمية، الستين في المائة. وذكرت صحيفة "جمهوري إسلامي"، خلال سبتمبر/ أيلول 2017، أن نحو 180 ألف إيراني من النخبة وحملة الشهادات العليا يهاجرون سنوياً. 
وفي الوقت الحالي، فإن سبب الهجرة الأساسي يتمثّل في البحث عن فرص عمل، سواء بالنسبة للمتخرجين الجامعيين أو لطبقات أخرى من المجتمع الإيراني، في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي تعيشها البلاد هذه الأيام على خلفية الحصار الاقتصادي الذي تواجهه.  
في هذا السياق، يقول النائب عن مدينة سردشت، كمال حسين بور، والتي خرجت منها أسرة نجاد التي غرقت بالكامل، لموقع "رويداد 24" الإيراني، إن أكثر من ألف شخص بين رجال ونساء اختاروا الهجرة السرية من المدينة خلال الأشهر الخمسة الأخيرة.   

وتكشف نتائج استطلاعات المرصد الإيراني للهجرة، والتي نشرت خلال خريف 2019، أن نسبة الراغبين في الهجرة بين طلاب الجامعات والمتخرجين الجامعيين في إيران تبلغ نحو 42 في المائة، لكن 11 في المائة من هؤلاء فقط أعلنوا أنهم خططوا  للهجرة واتخذوا خطوات عملية.  
وبحسب المرصد نفسه، فإنّه من بين أكثر من 100 شخص من أصحاب الأعمال، رغب 46 في المائة من أصحاب الأعمال الصغيرة والمتوسطة في الهجرة، في مقابل 27 في المائة من أصحاب الشركات الناشئة. كما أن نسبة الرغبة بالعودة بين طلاب الجامعات وأصحاب الشهادات العليا وأصحاب الأعمال الناشئة والصغيرة والمتوسطة بدت متفاوتة، وهي 16 في المائة لدى الفئة الأولى، و20 في المائة لدى الثانية و24 في المائة لدى الثالثة.  
ويُهاجر كثيرون من إيران كما يأتي إليها كثيرون. وخلال تسعينيات القرن الماضي، استقبلت نحو 3 ملايين مهاجر أفغاني، قبل أن يتقلص العدد إلى نحو مليون و500 ألف خلال السنوات الأخيرة. وتشير تقديرات إلى أن عدد المهاجرين الإيرانيين في الخارج، بحسب بيانات الأمم المتحدة والبنك الدولي عام 2019، وصل إلى 1.9 مليون، أي نحو 2.29 في المائة من عدد سكان إيران البالغ 83 مليون نسمة، بحسب آخر آخر تعداد سكاني.  
وزادت الهجرة من إيران خلال العقود الثلاثة الأخيرة بنحو 3 أضعاف، إذ إن عدد المهاجرين الإيرانين عام 1990 كان نحو 631 ألفاً و339 شخصاً. وتشير تقديرات إلى أن عدد المهاجرين الإيرانين في الخارج لا يقل عن 2.7 مليون. وتُفيد مصادر بأن الأرقام الصادرة عن جهات أجنبية تشمل الإيرانيين من مواليد إيران فقط، وليس كل من يتحدر من والدين إيرانيين وقد ولدوا في المهجر.  

الصورة
إضاءة شموع لضحايا عائلة نجاد في مدينة دوفر البريطانية (أندرو إيتشيسون/ Getty)
إضاءة شموع لضحايا عائلة نجاد في مدينة دوفر البريطانية (أندرو إيتشيسون/ Getty)

ويعيش المهاجرون الإيرانيون في دول عدة، معظمها دول غربية، تتصدرها عشرة دول، وهي الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة وكندا وألمانيا وبريطانيا وتركيا والسويد وأستراليا والكويت وهولندا. وتشير تقارير صادرة في إيران إلى تزايد عدد المهاجرين خلال العقد الأخير. وخلال عام 2017، كان نحو 1.5 مليون إيراني في انتظار الهجرة إلى أستراليا وكندا فقط، كما يقول مستشار وزير الطرقات وبناء المدن حسين عبدة تبريزي، يوم 4 ديسمبر/ كانون الأول من العام نفسه. ويرى أن "العدد مخيف. كما أن هجرة النخبة والمتخصصين تشكل ضربة كبيرة للاقتصاد"، بحسب موقع "عصر إيران".  
إلا أن الهجرة من إيران بدأت تتراجع خلال السنوات الثلاث الأخيرة، بعد تصاعد الصراع بين إيران والولايات المتحدة، وفرض الأخيرة عقوبات قاسية على البلاد، ما شكل تحدياً كبيراً أمام الراغبين بالهجرة من إيران، عدا عن القيود التي فرضتها الإدارة الأميركية في عهد الرئيس دونالد ترامب على استقبال الإيرانيين. 

ونتيجة لهذه الضغوط، اختار الكثير من الإيرانيين الراغبين بالهجرة وسائل غير شرعية للوصول إلى وجهاتهم، وخصوصاً عبر الأراضي التركية. كما أن البعض منهم لجأ إلى حيل أخرى للحصول على حق اللجوء السياسي في الدول الغربية، وتحديداً الأوروبية، منها اعتناق المسيحية بحجة استحالة الأمر في الدولة الإسلامية.

المساهمون