معتقلو غزة... شهادات المفرج عنهم حول الإهانات والتعذيب

معتقلو غزة... شهادات المفرج عنهم حول الإهانات والتعذيب

غزة

أمجد ياغي

avata
أمجد ياغي
10 ديسمبر 2023
+ الخط -

أطلق جيش الاحتلال الإسرائيلي سراح بعض المدنيين الذين اعتقلهم خلال الأيام الأخيرة في مناطق شمال وشرقي مدينة غزة، بعد احتجازهم لعدة أيام في مناطق مجهولة، ومن بينهم العديد من الأطفال، وقام بالتحقيق معهم، وإهانتهم والتنكيل بهم، وتعريضهم للتعذيب من أجل انتزاع أية معلومات منهم حول المقاومة أو الأنفاق.
وأفرج الاحتلال صباح السبت، عن عدد من المعتقلين من بلدة بيت لاهيا، غالبيتهم من المرضى وكبار السن، في حين أبقى عدداً آخر منهم قيد الاعتقال، من بينهم مدير مكتب "العربي الجديد" في قطاع غزة، ضياء الكحلوت، الذي اعتقل من منزله مع عدد من أفراد عائلته.
يقول معتقل مفرج عنه، فضل عدم الكشف عن اسمه، إنه عاد إلى مركز الإيواء الذي كان يقيم فيه سابقاً، وهو مدرسة تتبع وكالة "أونروا"، ولا يعرف كيف سيكون مصيره خلال الأيام القادمة، ولا يستبعد أن يعود جيش الاحتلال لاعتقالهم من جديد. ويضيف لـ"العربي الجديد": "بعد إجبارنا على خلع ملابسنا، تعمد الاحتلال إبقاءنا في العراء لساعات، ثم تعرضنا إلى عدة مراحل من التعذيب قبل وضعنا في داخل الشاحنات، حيث طلب منا البقاء واقفين، ومنعنا من الجلوس في الشاحنة".
قام الاحتلال بإعادة المعتقلين المفرج عنهم عبر شارع البحر في أقصى شمالي قطاع غزة، وكانت المنطقة المجاورة كلها قد تحولت إلى منطقة عسكرية، وأحرقت العديد من منازلها، ودمرت كل معالمها، بحسب عدد من المفرج عنهم.
يقول الرجل المفرج عنه: "لا نعلم مكان الجهة التي اعتقلونا فيها، وتم التحقيق مع الجميع، حتى المرضى، والأطفال الذين كانوا يعانون من البرد تم التنكيل بهم. كانوا يسألون عن الاسم، وعن أفراد العائلة، والمهنة، وماذا كنت تفعل خلال الفترة الأخيرة، وإن كان أحد أفراد الأسرة ضمن المقاومة. كل ذلك بكلمات مهينة لا تخلو من التهديد، وكانوا يكررون أننا ذاهبون إلى المجهول، وأنهم يملكون قتلنا متى يشاؤون".
يضيف: "كانوا يفصلون بين المرضى والمصابين خلال التحقيق، لكنهم لا يبالون بالآلام. كان معنا مسنون يعجزون عن الوقوف، لكنهم كانوا يجبرونهم على الوقوف خلال التحقيق. كنت أرتجف من البرد الشديد، وشعرت أنني على وشك الغياب عن الوعي عدة مرات كوني أعاني من مرض السكري، لكنهم كانوا يتعمدون إبقائي على هذه الحالة. فكل ما يعنيهم هو الإجابة عن أسئلتهم".

اعتقل جنود الاحتلال كل الذكور الذين تزيد أعمارهم عن 14 سنة

فضلت غالبية المعتقلين المفرج عنهم عدم الإدلاء بشهاداتهم لـ"العربي الجديد" بسبب تخوفات أمنية كونهم سيبقون في مناطقهم، خصوصاً المفرج عنهم من بلدة بيت لاهيا، إذ لا مكان يمكنهم النزوح إليه لأن الاحتلال يحاصرهم وأسرهم، ولا يسمح لهم بالنزوح.
كانت أمينة عبد الرحيم (33 سنة)، توجد داخل مدرسة خليفة بن زايد في بلدة بيت لاهيا، وشاهدت اعتقال الاحتلال للنازحين من داخل المدرسة التي اقتحموها، وطلبوا من جميع الرجال خلع ملابسهم، والذهاب نحو البوابة الخارجية، وتروي أن جنود الاحتلال كانوا يضعون قطعاً من الأسلحة بالقرب من المعتقلين، ثم يقومون بتصويرها.
تقول عبد الرحيم لـ"العربي الجديد": "طلب جيش الاحتلال من النساء النازحين إلى المدرسة التوجه إلى ساحة القسام في وسط بلدة بيت لاهيا، والبقاء فيها تحت عيونهم، وكانت طائرات الاستطلاع تحوم فوق رؤوسنا طوال الوقت، مع وجود العديد من القناصة فوق المنازل المحيطة، وبعد يومين من الاعتقال، أفرج الاحتلال عن عدد من المعتقلين، وكانت آثار الضرب المبرح واضحة على أجسادهم، ومن بينهم عدد من أفراد عائلتي، بمن فيهم الأطفال".

الصورة
عدد من المعتقلين مرضى ومسنون (أشرف أبو عمرة/الأناضول)
عدد من المعتقلين مرضى ومسنون (أشرف أبو عمرة/الأناضول)

تضيف: "اعتقلوا كل الذكور الذين تفوق أعمارهم 14 سنة، ومن أفرج عنهم لا يمثلون سوى 10 في المائة من المعتقلين، وهناك أطفال لا يزالون معتقلين، ولا تعرف أسرهم أي معلومات عنهم، ولا يوجد حتى تواصل مع الهلال الأحمر الفلسطيني، أو الصليب الأحمر الدولي، فلا منظمات تعمل في مدينة غزة ومناطق شمالي القطاع. نحن محاصرون من جميع الجهات، ولا نملك أيا من مقومات الحياة، فلا ماء ولا كهرباء، ولا حتى أغطية تحمينا من البرد، حتى الإنترنت الذي أرسلت من خلاله بعض الرسائل الصوتية لطمأنة أهلنا حصلت عليه بصعوبة بالغة، والقناصة في كل مكان، ومن يتحرك بعيداً عن التجمع يتعرض لإطلاق النار".
تواصل عبد الرحيم: "نعيش في العراء، وبيننا الكثير من المصابين، والمعتقلون المفرج عنهم عادوا لمواصلة العذاب معنا. بعض النساء اقترب موعد ولادتهن، والأطفال يعانون من العطش والجوع، وهناك حالات اختناق من الغاز الذي يطلقه الاحتلال، ونحن عاجزون تماماً".

لا تملك عائلات الغزيين المعتقلين أية معلومات عن مصير ذويهم

وأفرح الاحتلال الإسرائيلي عن عدد من معتقلي حي الزيتون شرقي مدينة غزة، والذي شهد إعدامات ميدانية بعد أيام طويلة من القصف المتواصل والحصار الذي يمنع دخول أية مساعدات، وبعد المجازر، طلب الاحتلال من النساء التوجه إلى جنوبي القطاع بعد أن أعدم العديد من الرجال أمامهن.

كان الطفل محمد محمود اسليم (15 سنة) من بين المعتقلين الذين أُفرج عنهم مع والده، وأمرهم جيش الاحتلال مع آخرين بأن يغادروا مشياً على الأقدام إلى الحاجز الذي يفصل شمالي قطاع غزة عن وسطه، وصولاً إلى الجنوب، رغم أن بعض النازحين كانوا مصابين نتيجة التعذيب، وآخرين يعانون من الإعياء من جراء بقائهم في العراء والبرد لأيام.

الصورة
تعرض معتقلو غزة للتعذيب والتهديد (أشرف أبو عمرة/الأناضول)
تعرض معتقلو غزة للتعذيب والتهديد (أشرف أبو عمرة/الأناضول)

وصل هؤلاء النازحون إلى مستشفى شهداء الأقصى في مدينة دير البلح بوسط القطاع، وكان بعضهم بحاجة إلى تدخل طبي عاجل، لكن المستشفى كان يغص بالمصابين، ما استدعى تأخر علاجهم، وكانت تظهر على أجساد بعضهم علامات التعذيب، إضافة إلى الأرقام التي وضعها جنود الاحتلال على أيديهم وأذرعهم. 
اعتقل جيش الاحتلال عدداً من أفراد عائلة اسليم من منطقة "وادي العرايس" في حي الزيتون شرقي مدينة غزة، وتم الإفراج عنه وعن والده المصاب، في حين لا يزال عدد آخر من العائلة معتقلين. 
يقول الطفل محمد لـ"العربي الجديد": "قتل جنود الاحتلال أمامنا العديد من الأشخاص، وقد قنصوا أمام عيني جارنا، وحين حاول شقيقي إنقاذه قنصوه أيضاً، واستشهدا معاً. بقينا خمسة أيام محتجزين في المنزل من دون طعام أو شراب، ثم هجموا على جميع منازل المنطقة، وكانوا يحطمون الأبواب، ويضربون الناس بلا رحمة. عندما دخلوا منزلنا، أطلقوا النار باتجاه السقف، ثم أخرجوا النساء، وأخبروا الرجال والأطفال بخلع الملابس، ثم الخروج واحداً تلو الآخر، ونقلونا إلى منزل لا نعرف مكانه، ربما يكون على حدود القطاع، أو في داخل الأراضي المحتلة، وقاموا بضرب الجميع، الكبار والأطفال". 
ويروي الستيني أبو عبد الله، وهو أحد المفرج عنهم: "كانوا ينظرون إلى أجسادنا بتمعن بعد أن أجبرونا على خلع الملابس، ويسألون بعضهم عن أسباب علامات الإصابات التي تظهر على أجسادهم، وبعض المصابين كان يتم التحقيق معهم لوقت طويل، ويسألونه كيف أصيب؟ وأين؟ ومن كان معه خلال إصابته؟ ومن هؤلاء شقيقي الذي لا يزال معتقلاً". 

ولم تحصل أي من عائلات الغزيين المعتقلين على أية معلومات عن ذويهم الذين اعتقلوا خلال الأيام الأخيرة، سواء من اعتقلوا من المنازل ومراكز الإيواء، أو المعتقلين على الحاجز العسكري الذي يفصل قطاع غزة إلى قسمين، كما لم تستطع أي من المؤسسات الحقوقية أو اللجنة الدولية للصليب الأحمر الحصول على أية معلومات. 
ويوم الخميس الماضي، أكدت مؤسسات حقوقية فلسطينية معنية بشؤون الأسرى والمعتقلين، من بينها هيئة شؤون الأسرى والمحررين، ونادي الأسير الفلسطيني، ومؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، أن السلطات الإسرائيلية ترفض الإفصاح عن أي معلومات حول مصير المعتقلين، سواء أعدادهم أو أماكن احتجازهم أو حالتهم الصحية، وتؤكد تلك المؤسسات الحقوقية أن جيش الاحتلال يقوم بتعذيب معتقلي غزة بطرق مهينة، من بينها مطالبة المعتقل بالنباح قبل إعطائه وجبات الطعام، أو إجبار المعتقلين على ترديد أغان تمجد الاحتلال الإسرائيلي، وتنقل عن عدد من المفرج عنهم أنهم كانوا يسمعون صراخ غيرهم من المعتقلين على مدار الساعة، وأن عمليات التعذيب والتنكيل كانت لا تتوقف.

ذات صلة

الصورة
الصحافي بيتر ماس (Getty)

منوعات

كتب الصحافي المخضرم بيتر ماس، في "واشنطن بوست"، عن "شعوره كمراسل جرائم حرب وابن عائلة مولت دولة ترتكب جرائم حرب"، في إشارة إلى الإبادة الجماعية في غزة.
الصورة
المسؤولون العسكريون الإسرائيليون سمحوا بقتل أعداد كبيرة من المدنيين الفلسطينيين (محمد عبد / فرانس برس)

منوعات

يفاقم الاستخدام المتزايد للذكاء الاصطناعي في الحروب المخاوف من خطر التصعيد ودور البشر في اتخاذ القرارات. وأثبت الذكاء الاصطناعي قدرته على اختصار الوقت.
الصورة
هاريس رئيس وزراء أيرلندا الجديد (فرانس برس)

سياسة

حذّرت وزارة الخارجية الإسرائيلية رئيس الوزراء الأيرلندي من خطر الوقوف "على الجانب الخاطئ من التاريخ"، وهاجمته خصوصاً لأنّه لم يذكر في خطابه الرهائن في غزّة.
الصورة
فلسطينيون وسط دمار خانيونس - 7 إبريل 2024 (إسماعيل أبو ديه/ أسوشييتد برس)

مجتمع

توجّه فلسطينيون كثر إلى مدينة خانيونس في جنوب قطاع غزة لانتشال ما يمكن انتشاله من بين الأنقاض، وسط الدمار الهائل الذي خلّفته قوات الاحتلال الإسرائيلي.

المساهمون