مسنّون وحيدون في المخيّمات السورية

مسنّون وحيدون في المخيّمات السورية

11 ابريل 2021
الحياة هنا ليست سهلة (عارف وتد/ فرانس برس)
+ الخط -

خلال إعداد هذا التقرير، رتّب فريق "العربي الجديد" لقاءً مع رجل سوري من المسنّين الذين يعيشون وحيدين في مخيّمات الشمال السوري، يُدعى أبو محمود. كان أبو محمود يعيش في مخيّم التح في ريف إدلب وحيداً ويعاني أمراضاً مزمنة لا تبدو غريبة على كبار السنّ من أمثاله. وقبل فترة، توجّهنا إلى المخيّم لإجراء مقابلة مصوّرة معه، لنصادف جنازة هناك، علمنا بعد دقائق أنّها جنازته. هكذا، رحل أبو محمود وحيداً ومهجّراً، تاركاً وراءه خيمة صغيرة فُرشت أرضيّتها بالإسفنج.
يأتي ذلك في حين تتسابق دول حول العالم لزيادة مستوى الرفاهية والخدمات لكبار السنّ والمتقاعدين، مع منحهم تأمينات اجتماعية وصحية، فضلاً عن دور رعاية لائقة بهم. أمّا في سورية، وتحديداً في مخيّمات النازحين السوريين، فالحال تختلف تماماً. وسط قسوة الحياة في المخيّمات صيفاً وشتاءً والتي لا يكاد الشباب يقوون على تحمّلها، يضطر مسنّون إلى خوضها في أيامهم الأخيرة.
في مخيّم التح، وفي هذه الفترة من العام تحديداً، يتوجّب على السكان التنقّل فوق مسطّحات طينية من خيمهم إلى دورات المياه المشتركة وغير الصحّية، من أجل قضاء حاجتهم. ويُعَدّ الأمر مأساة بالنسبة إلى كبار السنّ، إلى جانب مصاعب كثيرة يعرفونها. وفي واحدة من الخيم الصغيرة، يعيش المسنّ خالد إدريس وحيداً، علماً أنّها تتألف من شوادر عازلة للأمطار وقد وُضعت حجارة على أطرافها لمنع اقتلاعها. وفي داخل الخيمة، سجّادة قديمة تغطّي أرضيتها، وبعض الإسفنج المخصّص للنوم. ولا يستطيع المراقب إلا ملاحظة منفضة للسجائر يستخدمها إدريس الذي لا يعرف عمره تحديداً. ويخبر إدريس "العربي الجديد" أنّه كان يعيش في قرية الحديثة التابعة لمعرّة النعمان في ريف إدلب، "لكنّني نزحت عنها بعد أن سيطرت قوات النظام عليها. في قريتي كنت أعيش سعيداً، وكنت أملك منزلَين وأرضاً زراعية بمساحة 50 دونماً". يُذكر أنّ لدى إدريس ابنتَين، إحداهما توفّيت والأخرى تزوّجت، وهو يكمل حياته بمفرده في المخيّم كما هي حال عدد من المسنّين الآخرين. ويشير إدريس إلى أنّه "في خلال عمليات النزوح، أوصلني أحد المدنيين إلى مخيّم التح حتى لا أُترَك وحيداً في القرية التي كانت تعاني ويلات الحرب"، متابعاً أنّه لولا الجيران الذين يقدّمون المساعدة له لما كان قادراً على تدبّر أموره وحده. ويؤكد إدريس أنّ كل ما يتمنّاه هو "العودة إلى قريتي، حيث الحياة الطبيعية في منزلي بعيداً عن قسوة حياة الخيام".

قضايا وناس
التحديثات الحية

في سياق متصل، يقول مدير مخيّم التح عبد السلام اليوسف لـ"العربي الجديد": "لدينا في المخيّم عشرة أشخاص من كبار السنّ يعيشون وحيدين، ومعاناتهم كبيرة مع ظروف الحياة هنا ومع نقص الرعاية المتعلقة بالأمراض المزمنة مثل الضغط والقلب والسكّري والكلى". ويوضح أنّ "ثمّة من لا يستطيع تحمّل عيشة المخيّمات، لأنّها غير مجهّزة لكبار السنّ. كذلك لا يوجد اهتمام طبي بهذه الفئة العمرية. وفي حال وجود حالات مرضية، نقوم نحن، أهل المخيم، بترتيب الأمر من خلال استقدام متطوعين يلازمونهم خلال مرضهم ويحضّرون لهم وجباتهم ويعطونهم الأدوية. وفي حال تفاقم الأمر، نجمع المال من فاعلي خير ونقلّهم إلى مستشفيات قريبة". ويأمل عبد السلام أن "يتوفّر مستشفى أو مؤسّسة متخصّصَين في رعاية كبار السنّ من النازحين، وتأمين الخدمات لهم حتى لا يبقوا وحيدين". ويؤكد: "نحن الشباب غير قادرين على تحمّل عيشة المخيّمات وقسوتها، فكيف لهؤلاء أن يفعلوا ذلك؟".

امرأة سورية نازحة في مخيم في سورية (عامر قريشي/ فرانس برس)
مهجّرة وحيدة أمام خيمتها (عامر قريشي/ فرانس برس)

من جهته، يقول مدير مخيم شام 9 في الشمال السوري، عزام نعسان حج أسعد، إنّ "المسنّين يشكّلون 10 في المائة من سكّان مخيّمنا الذي يضم 90 عائلة. لكنّهم بمعظمهم لا يعيشون وحيدين، إنّما مع عائلات أولادهم أو عائلات أخرى". يضيف حج أسعد لـ"العربي الجديد" أنّ "هؤلاء فئة غير منتجة، لذلك يعتمدون بشكلٍ أساسي على الصدقات والسلال الغذائية والمساعدات التي تُقدَّم لهم. لكنّ المنظمات بمعظمها ترفض تسجيلهم في ملفات مستقلة، فتقوم بإضافتهم إلى عائلة أولادهم أو عائلات أخرى، ما يؤدّي إلى نقص في حصص المساعدات التي قد يحصلوا عليها". ويشير حج أسعد إلى أنّ "كبار السنّ بمعظمهم يعانون صعوبة في الانتقال إلى المراكز الطبية التي تقع في خارج المخيّم، وهي تكون غالباً في البلدة التي يتبع المخيّم لها". ويتابع أنّ "النازحين المسنّين لا يملكون المال عادة لسداد أجرة وسائل النقل حتى يتوجّهوا إلى تلك المراكز، ولا  لسداد بدلات المعاينة لأطباء خاصين يقصدون المخيّم لمعالجتهم".

ويتحدّث حج أسعد عن "ضعف دور العيادات المتنقّلة وعدم فعاليتها"، لافتاً إلى أنّ "تفشّي فيروس كورونا زاد الأمر سوءاً إذ جعل زيارات الأطباء إلى داخل المخيّم أكثر صعوبة وتعقيداً. وقد أثّر ذلك على كبار السنّ وعلى ذوي الإعاقة الذين يحتاجون إلى رعاية صحّية فائقة". ويشدّد حج أسعد على "ضرورة إخراج المسنّين من المخيّمات ونقلهم إمّا إلى دور رعاية خاصة بهم، وإمّا إلى شقق سكنية مدفوعة الأجر يعيشون فيها مع عائلات أولادهم، فتكون بالتالي ظروف الحياة أكثر سهولة ورفاهية وتراعي أوضاعهم الخاصة".

المساهمون