مراد عطية... حكاية شاب مقدسي أسير كما ترويها والدته

مراد عطية... حكاية شاب مقدسي أسير كما ترويها والدته

القدس المحتلة

محمد محسن

محمد محسن
16 سبتمبر 2021
+ الخط -

 

لا تنفك الفلسطينية نهى عطية من حيّ الشيخ جرّاح في مدينة القدس المحتلة، وهي من بين أهالي الحيّ المهدّدين بالتهجير وبإخلاء منزلها قسرياً، تقلّب تسجيلات فيديو في هاتفها النقّال. وتلك التسجيلات تعود إلى ابنها مراد عطية، أبرز المدافعين عن قضية الحيّ والمعتقل منذ العاشر من أغسطس/ آب الماضي لدى جهاز الاستخبارات الإسرائيلية "شاباك" بتهم تجهلها عائلة مراد، فيما يحظر على محاميه الإدلاء بأيّ معلومة أو تفصيل في ما يتعلّق بما يسميه محققو الاحتلال ملفاً سرياً، فهؤلاء استصدروا قراراً من قضاة المحكمة يحظر النشر تحت طائلة المسؤولية.

وفي تسجيلات خمسة، يظهر مراد المعروف بنشاطه الدؤوب وحركته التي لا تتوقف، إمّا مصطحباً وفود تضامن وإعلاميين قصدوا عائلات الحيّ المهدّدة بالتهجير، وشارحاً لهم قضيّة الحيّ وأهله، وإمّا معتقلاً لحظة اقتياده من قبل قوات الاحتلال، وإمّا مشاركاً في إعداد الفطور للصائمين في شهر رمضان. كذلك يظهر بالقرب من مكعّبات إسمنتية حاصرت بها قوات الاحتلال الحيّ والمقدسيّين فيه وقد وُضع بعض منها بجوار مدخل بيت عائلته. كلّ تلك المشاهد تثير لدى الوالدة نهى (أمّ خالد) شوقاً إلى ابنها مراد الذي ما زال محتجزاً في ظروف لا تعلم طبيعتها، لكنّها حتماً سيّئة جداً بحسب ما بدا عليه في جلسة المحاكمة الخامسة قبل تمديد اعتقاله. ويبدو الاحتلال مصراً على معاقبته وعلى حجب رواية أهل الحيّ التي لا يرغب الاحتلال ومستوطنوه في أن تُنقل إلى الخارج، سواءً من خلال مراد أو من خلال الناشطة المقدسية منى الكرد، جارة عائلة مراد التي نجحت في استجلاب دعم كبير لقضية الحيّ وأهله.

الصورة
الشاب المقدسي مراد عطية (فيسبوك)
من أبرز المدافعين عن قضيّة حيّ الشيخ جرّاح (فيسبوك)

وفي منزل العائلة بحيّ الشيخ جرّاح، يسيطر الهدوء، علماً أنّ حضور مراد كان يخلق حياة في المكان، أو كما تقول والدته لـ"العربي الجديد": "كان مثل البندول، لا يتوقف عن الحركة". ولا يمرّ يوم من دون أن تتفقّد الوالدة غرفة ابنها البسيطة المتواضعة التي تنتظر عودته بحسب ما تؤكد، وسط شعور بالوحدة والصمت الموجعين لكلّ أهل البيت، في انتظار أن يضجّ من جديد بصخب مراد وحضوره الدافئ، فيما يعتني من جديد بشقيقته وعمّته، وهما من الأشخاص ذوي الإعاقة. فهو الذي كان يهتمّ بشؤونهما ويدبّر أمورهما ويصطحبهما في جولات خارج المنزل، وكذلك إلى خارج الحيّ، بحسب ما تؤكد والدته بصوت يختنق.

وكما مراد، فإنّ والدته نهى باتت هي الأخرى جزءاً من رواية أهل حيّ الشيخ جرّاح ووجهاً معروفاً بالنسبة إلى كلّ المتضامنين والإعلاميين، فهي من أبرز المدافعين عن حيّها، كما هي حال نساء أخريات برزنَ في معركة الدفاع عن وجود عائلاتهنّ  في الحيّ، من مثيلات منى الكرد وآلاء السلايمة.

وما زالت نهى تتذكّر جيداً لحظة اعتقال ابنها مراد، في ذلك اليوم حين بدأ الحديث يعلو عن مداهمة الحيّ من قبل جنود الاحتلال واستخباراته لتنفيذ عملية اعتقال لم تدرِ العائلة أنّ الهدف منها كان مراد. هو خرج ليستطلع ما يجري، فاستوقفه جنود الاحتلال وسألوه: هل أنت مراد؟ وحين ردّ عليهم بالإيجاب، اعتقلوه. ثمّ اصطحبوه إلى منزله، حيث أرغموه على خلع ملابسه قبل أن يقتادوه مكبلاً إلى سجن المسكوبية في القدس المحتلة، وهو ما زال يقبع هناك.

الصورة
حملة تضامنية مع الشاب المقدسي مراد عطية (فيسبوك)
من حملة تضامنية مع مراد عطية (فيسبوك)

وتقول نهى: "حتى الآن لا نعرف سبب اعتقاله، ويمنعونني من لقائه أو حتى حضور جلسات المحكمة باستثناء جلسة واحدة رأيناه فيها عن بُعد، لكنّنا لم نتمكّن من الحديث معه. جعلونا في حالة انتظار وترقّب مستمرين. لا نعلم حتى الآن التهم المنسوبة إليه". تضيف الوالدة أنّ "مراد كان رجل البيت، مثل البندول، متفهّماً لاحتياجاتنا الإنسانية، وكان يتحمّل مسؤولية أكبر من مسؤولياته"، مشيرة إلى أنّه "حصل على معدل 89 في المائة في امتحان الثانوية العامة (التوجيهي) من مدرسة شعفاط الثانوية، ثمّ التحق بجامعة النجاح الوطنية، وحصل على شهادة بكالوريوس. واستكمل دراسته بالحصول على دبلوم في التربية، ثمّ التحق بجامعة في تل أبيب ليكمل دراسته هناك في تخصّص إدارة المدارس، فيما كان مشروع تخرّجه حول الهبّة الشعبية الأخيرة في القدس".

وأهداف مراد بحسب والدته كانت تتجاوز تعليمه الأكاديمي إلى ما هو أبعد من ذلك. فقد اهتمّ بالنشاطات الاجتماعية والفعاليات التطوعيّة والتحق بجمعيات عدّة. وعندما كان في الخامسة عشرة من عمره، أصدر كتيّباً عن الآثار في القدس، بالإضافة إلى تطوّعه في جمعية حقوق الطفل. هو كان يدافع بقوة عن الأطفال الأسرى المحرّرين، وكان يحضرهم إلى منزل العائلة ويعطيهم دروس تقوية في المواد التعليمية، ليعوّض عليهم ما فاتهم. وفي ما يتعلق بعائلته، تقول نهى: "كان اهتمامه الأكبر منصبّاً على عمته وشقيقته (...) واليوم نشعر بالوحدة نتيجة غيابه، وندعو الله ليل نهار أن يطلق سراحه من سجنه".

وحلم مراد بعد استكماله تخصصه، أن يصير مديراً في إحدى مدارس القدس، لكنّ عائلته اليوم تخشى أن يكون اعتقاله وتصدّيه لمخطط تهويد التعليم في القدس سبباً لحرمانه تحقيق حلمه. وتشدّد والدته على أنّ "مراد يستحق كل خير. كان مثالاً يحتذى به بالنسبة إلى شباب القدس"، ويعبّر عن أحلامهم وطموحاتهم ووطنية كثيرين منهم. وتتابع: "كان محباً للناس ويساعد كلّ من يحتاج إلى مساعدة". وتحبس دموعها، في انتظار أن يعود مراد إليها وتحضنه من جديد.

ذات صلة

الصورة

مجتمع

قال ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان في فلسطين، دومينك آلين، الجمعة، إنّ "ما نراه في غزة هو كابوس ويتعدى مجرد أزمة إنسانية، الوضع أكثر من كارثي".
الصورة

سياسة

استشهد وأصيب عشرات الفلسطينيين، ليل الخميس الجمعة، جراء مجزرة إسرائيلية جديدة استهدفت حشداً من المدنيين أثناء انتظارهم مساعدات إنسانية عند دوار الكويت في غزة.
الصورة

مجتمع

ألم وفقدان تعيشهما عائلة الطفل الفلسطيني رامي حمدان الحلحولي الذي أرتقى في مخيم شعفاط بالقدس المحتلة برصاص قناص إسرائيلي.
الصورة
الاحتلال يضع أسلاكاً شائكة فوق باب الأسباط أحد أبواب المسجد الأقصى (إكس)

سياسة

قالت محافظة القدس في فلسطين، الاثنين، إن قوات الاحتلال وضعت أسلاكاً شائكة في محيط باب الأسباط المؤدي إلى المسجد الأقصى في القدس المحتلة، لأول مرة منذ عام 1967.

المساهمون