محمية النخيل... سجال بيئي حقوقي في الكويت

محمية النخيل... سجال بيئي حقوقي في الكويت

25 مايو 2021
محمية النخيل المهددة في الكويت (العربي الجديد)
+ الخط -

 

تعيش الكويت أزمة بيئية، بين من يطالب بإزالة محمية نخيل وأشجار برية لصالح بناء وحدات سكنية للمواطنين، وبين رافضين خشية التسبب بكارثة بيئية، وما زال السجال مستمراً.

يُحذّر ناشطون بيئيون في الكويت من كارثة بيئية متوقعة، في ظل إصرار مسؤولي لجنة شؤون الإسكان في مجلس الأمة على إزالة أكبر محمية نخيل (تضم أشجاراً أخرى أيضاً) في البلاد، لإعاقتها بناء منطقة جنوب سعد العبد الله في شمال البلاد. وتبلغ مساحة المحمية المخططة إزالتها أكثر من 400 ألف متر مربع، وتضم 4500 نخلة ومئات الأشجار البرية مثل الأثل والسدر والعرفج، وقد تشكلت حياة بيئية فيها منذ إقامتها قبل ثلاثة عقود. 

وخطّطت المؤسّسة العامة للرعاية السكنية لإنشاء مدينة عقارية صديقة للبيئة في منطقة جنوب سعد العبد الله تحت إشراف مطور عقاري كوري. وكان يفترض أن يحافظ الأخير على محمية النخيل والأشجار التي تقع في قلب منطقة جنوب سعد العبد الله، وتحويلها إلى متنزه ضمن المشروع بعد دمجها في إطار المخططات الهندسية والمدنية للمشروع. 

لكنّ الأهالي الذين يفترض بهم السكن في منطقة جنوب سعد العبد الله، والذين خصّصت لهم الحكومة الكويتية الأراضي والبيوت في هذه المنطقة، رفضوا تقليل عدد الوحدات السكنية المعروضة في حال عدم إزالة المتنزه. وعمدت لجنة شؤون الإسكان إلى الضغط على المؤسّسة العامة للرعاية السكنية، وعدم التعاقد مع المطور العقاري والعودة إلى النظام القديم في توزيع الأراضي السكنية مباشرة من الحكومة من دون تطويرها، وإعطاء قرض سكني لكلّ مواطن له أرض في منطقة جنوب سعد العبد الله، ما يعني إزالة المحمية الخاصة بالنخيل بشكل نهائي وتجريفها، الأمر الذي يسبب أضراراً كبيرة بالبيئة. 

ودعا ناشطون بيئيون السلطات إلى التدخل الفوري لإنهاء تجريف المحمية التي بدأت الحكومة، بالتعاون مع ناشطين بيئيين، تشييدها قبل 30 عاماً، وما زالت مستمرة. ويقود حمود عقلة العنزي، وهو عضو المجلس البلدي الكويتي، بالإضافة إلى ناشطين بيئيين، الحملة التي تسعى إلى منع الحكومة من تجريف أشجار النخيل والأشجار الأخرى. ويقول لـ"العربي الجديد": "هناك جريمة بيئية ستحدث في حال استمرار المؤسّسة العامة للرعاية السكنية بقرارها إزالة محمية الأشجار التي تمتد على مسافة 400 ألف متر مربع، وفيها أكثر من 4500 نخلة ومئات الأشجار البرية كالسدر والعرفج، وقد أسست قبل 30 عاماً، وجرى الاعتناء بها طوال هذه المدة، ما أدى إلى خلق محمية بيئية زاخرة تضم أنواعاً كثيرة من الحيوانات والطيور البرية وغيرها. كما أنّها موقع مهم للطيور المهاجرة في الكويت". 

يضيف العنزي في حديثه لـ "العربي الجديد": "قررنا في المجلس البلدي الوقوف مهما كان الثمن، في وجه إزالة هذه المحمية، ومارسنا ضغوطاً على الجهات المسؤولة كافة، وأوضحنا لهم أن لهذه المنطقة دوراً كبيراً في حماية المناطق المحيطة بها من التصحر، كما أنها تساهم في الحد من الاحتباس الحراري". وعرضت الهيئة العامة لشؤون الزراعة والثروة السمكية الأشجار الموجودة في المحمية للبيع في المزاد العلني لإفساح الطريق أمام المواطنين للسكن في هذه المنطقة، الأمر الذي أغضب ناشطين بيئيين، من بينهم شبيب العجمي. ويقول: "لو حدث ما حدث فإنها ستكون جريمة بيئية كبيرة تؤدي إلى موت الحياة الطبيعية وترسل رسالة سيئة بأنّنا في الكويت لا نهتم بالبيئة". 

الصورة
محمية النخيل في الكويت (العربي الجديد)
(العربي الجديد)

من جهته، حاول الناشط البيئي أحمد ماهر، التواصل مع أعضاء مجلس الأمة، خصوصاً أعضاء لجنة شؤون الإسكان، لإقناعهم بضرورة حماية البيئة والأشجار التي سيؤدي تجريفها إلى كارثة لا تحتمل. ويقول لـ"العربي الجديد": "تمّ الاتفاق على تجريف الأشجار وبيعها في المزاد العلني لاستخدامها في أمور أخرى، وبناء محمية في المساحة نفسها في منطقة حدودية بعيدة عن الكويت". لكنّه يوضح أنّ "البيئة الطبيعية التي بنيت في هذه المحمية لا يمكن تعويضها بأيّ ثمن؛ فهذه ليست مدينة إسمنتية يمكن نقلها بسهولة من مكان إلى آخر، بل محمية تضم عشرات الأنواع من الطيور والنباتات التي استوطنت المكان على مدى سنوات طويلة". 

في سياق متصل، يوضح النائب فايز غنام الجمهور، أنّ سكن المواطنين يعد أولوية على أيّ محمية بيئية، قائلاً لـ"العربي الجديد": "نرفض الإبقاء على محمية النخيل لأنّ بقاءها يعني تضييع  403 قسائم بيت على المواطنين، وبالإمكان بناء هذه المحمية في مكان آخر، وعلى المسؤولين في الحكومة الإسراع في توزيع الأراضي على المواطنين". يضيف أنّ "النخيل في هذه المحمية هو نخيل غير مجدٍ وميت وليس بالإمكان إعادة إحيائه. وبالتالي، وجبت إزالة هذه المحمية واستبدالها بمنطقة سكنية كما هو مخطط لصالح المواطنين". 

وأعلنت الهيئة العامة لشؤون الزراعة والثروة السمكية أنّها أوقفت عملية بيع 4500 نخلة في المزاد العلني، وذلك بعد أوامر من وزير الدولة لشؤون البلدية، وليد الجاسم، بتجميد هذه العملية إلى حين التوصل إلى حلّ وسطي يرضي الناشطين البيئيين ولجنة شؤون الإسكان في مجلس الأمة، ثم المواطنين الذين يطالبون بالحصول على سكن بغض النظر عن المحمية. 

إلى ذلك، يقول أحمد الحبلاني وهو ناشط ضمن مجموعة تضم المواطنين الذين ينتظرون وحداتهم السكنية في منطقة جنوب سعد العبد الله، لـ"العربي الجديد": "أتفهم مخاوف الناشطين البيئيين. لكنّ تضييع أكثر من 400 منزل على المواطنين لأسباب بيئية هو أمر غير مقبول تماماً. فللمواطن أولوية على الجميع، ويمكن تجاوز هذه المحمية ببناء محمية أخرى قريبة من المنطقة أو بناء حزام أخضر حول المنطقة، بالإضافة إلى الحدائق العامة في المشروع". يضيف الحبلاني: "من غير المقبول والمعقول أن تستجيب الحكومة لضغوط مجموعة من ناشطي البيئة وتعطل مشروعاً سكنياً ضخماً تستفيد منه 23 ألف أسرة كويتية".

المساهمون