قرّر محامون في المغرب تنظيم وقفات احتجاجية في مختلف مناطق البلاد يوم الأربعاء المقبل الموافق لـ 10 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، كبداية "للتصعيد ودق ناقوس الخطر"، من جراء ما وصفوه بالتدهور الذي آلت إليه أوضاعهم المهنية.
وتأتي الخطوة الاحتجاجية الجديدة في ظل ما وصفته فيدرالية جمعيات المحامين بالمغرب بـ "التدهور الكارثي لشروط الممارسة المهنية السليمة في مختلف محاكم المملكة، في ظل التسيب واللامبالاة وانعدام المهنية على جميع المستويات، ما يحوّل ممارسة المحامي لمهامه اليومية إلى جحيم لا يطاق". وتشير الفيدرالية إلى أن "هناك تراجعاً خطيراً لكل مؤشرات الأمن القانوني والقضائي بسبب ثقافة التعاطي الكمي والإحصائي مع المنازعات المعروضة على أنظار القضاء، والتي تحيل الحقوق والحريات التي تبحث عن الإنصاف إلى مجرد ملفات".
يقول رئيس المكتب الفيدرالي لجمعيات المحامين الشباب في المغرب عبد البر منديل، إن قطاع العدالة يتخبط في مجموعة من المشاكل، منها ما هو بنيوي ومنها ما هو ذاتي، لافتاً إلى أن الفيدرالية تحاول من خلال الخطوات الاحتجاجية التي قررت خوضها تعبئة المحامين لإثارة الانتباه إلى الأوضاع داخل القطاع. ويوضح لـ "العربي الجديد" أن "هناك شبه أزمة داخل المجتمع تحاول فيدرالية المحامين الشباب التعبير عنها، وقد لفتت الانتباه إليها ليحاول المسؤولون القيام بالمتعيّن حتى نستطيع تفادي الاختلالات". في هذا السياق، يقول إن "الجميع يتحدث عن الفساد المستشري في منظومة العدالة، والجميع يشير إلى الآخر عبر توجيه أصابع الاتهام من دون أن يتحمل أحد المسؤولية، في وقت ليس من مصلحة أحد استمرار ذلك".
كما تأتي احتجاجات المحامين المغاربة، وفق منديل، في ظل تسجيل "تضييق عليهم أثناء ممارسة عملهم، والذي طاول أيضاً الصحافيين والحقوقيين، بسبب آرائهم وانتقاداتهم ودفاعهم عن الحقوق والحريات، وحكم عليهم بعقوبات قاسية في بعض الأحيان في قضايا لها علاقة بالحق العام، ولكن في باطنها لها علاقة بأنشطتهم الحقوقية والمهنية"، معتبراً أن "استقلال القضاء في المغرب لم يتحقق منه سوى شكليات". يضيف منديل: "الأمر لا يقتصر على ذلك فحسب، بل تم تسجيل وجود العديد من المتدخلين في مهنة المحاماة، ما يستوجب تحرك أصحاب المهنة لإثارة الانتباه".
إلى ذلك، تتحدث الفيدرالية عن "تغول السمسرة وتقاعس الأجهزة القضائية والمهنية المختصة في التصدي لها حفاظاً على أرزاق المحامين، وهو ما نتج عنه تدهور كارثي في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للغالبية العظمى من المحامين الذين يرفضون التخلي عن قيم الممارسة المهنية النظيفة، والاستسلام لإغراءات وإكراهات الفساد". كما تلفت إلى وجود "اغتيال تدريجي ومتصاعد لحصانة الدفاع عن طريق المتابعات والمقررات التأديبية التي باتت تستعمل بشكل سافر لإرهاب الدفاع وإخراس صوته"، معتبرة أن ما وصفتها بـ "الحملة الشرسة" ضد المحامين بلغت ذروتها بالوصول إلى قرارات قضائية تأديبية بسبب ما يرد في مرافعات الدفاع والتشطيب والإعدام المهني بسبب التعبير عن الآراء السياسية، وهو ما لم يحدث حتى خلال سنوات الرصاص.
وكان المحامون المنضوون تحت لواء "فيدرالية جمعيات المحامين الشباب بالمغرب"، التي تضم حالياً 15 إطاراً يمثل جميع جمعيات المحامين، قد احتجوا في 13 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، من خلال إزالة الياقة البيضاء (أي الشارة) من البذلة السوداء لـ "بعث رسائل حول ما يعتمل داخل منظومة العدالة من ظواهر تفيد في معظمها بأن عدالتنا ليست بخير"، وفق تعبيرهم. كما خاض المحامون احتجاجات في 21 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بارتداء كمامات تحمل رسائل إلى من يهمه الأمر في منظومة العدالة.
وعن الخطوات التي ينتظر أن تقدم عليها الفيدرالية في حال عدم استجابة وزارة العدل المغربية لمطالب المحامين، يؤكد منديل أنه "في حال عدم وجود تجاوب بعد تنفيذ الوقفات الاحتجاجية في العاشر من نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، سيتم اللجوء إلى أشكال أخرى من الاحتجاجات قد تكون محلية أو وطنية أو تكون لها أبعاد وأشكال أخرى".
من جهته، يقول الكاتب العام لفيدرالية جمعيات المحامين في المغرب، المصطفى المدني، إن "الأشكال الاحتجاجية التي خاضها المحامون تشكل أداة مشروعية للمحامين والمحاميات للتعبير عن سخطهم من الاختلالات الخطيرة التي تعاني منها أوضاعهم المهنية، وهي أيضاً أداتهم لدفع كل الفاعلين ودوائر صنع القرار إلى الاستجابة للمطالب المشروعة التي صاغها المحامون"، لافتاً إلى أن تلك الاختلالات تستفز الفيدرالية وتدعوها إلى العمل على دفع المسؤولين للتحرك لإصلاح ما يمكن إصلاحه".
ويدعو المغربي، في حديثه لـ"العربي الجديد "، إلى "إصلاح وضع المحامين المغاربة المهني، وتحمل الجهات القضائية والمهنية مسؤوليتها في التصدي لمظاهر الفساد، والإسراع في إخراج قانون متطور حديث للمهنة، والتطبيق العادل للقانون، وحماية الحقوق والحريات ضد تعسف باقي السلطات، وخصوصاً هجمة السلطة التنفيذية على حقوق المواطنين تحت غطاء حالة الطوارئ الصحية".