عقوبة الإعدام... جدال مستمر في المغرب

عقوبة الإعدام... جدال مستمر في المغرب

29 أكتوبر 2021
أعدم الكثير من المساجين في البلاد (فاضل سنا/ فرانس برس)
+ الخط -

عاد الجدال مجدداً في المغرب حول عقوبة الإعدام، بعد جريمة هزت الرأي العام في المملكة إثر العثور على جثة شابة تبلغ من العمر 23 عاماً، في 13 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، داخل بئر في منطقة الهراويين بضواحي مدينة الدار البيضاء. وفي الوقت الذي أعادت فيه الجريمة إلى الواجهة التباين بين الداعمين لعقوبة الإعدام والمدافعين عن حقوق الإنسان الذين يطالبون بإلغائها، انطلقت تحركات حقوقية تهدف إلى الضغط على الحكومة والبرلمان الجديدين من أجل دفعهما لإلغاء عقوبة الإعدام، والحسم في التردد الشائع ما بين تقليص عدد الجرائم وإلغائها. 
وفي هذا السياق، أطلقت رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، آمنة بوعياش، في 14 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، حملة للتعبئة نحو مرحلة جديدة في مسار النضال من أجل إلغاء عقوبة الإعدام، وتوسيع قاعدة المناهضين للإعدام، والعمل على تطوير عناصر الترافع، وإطلاق نقاش مجتمعي بين المناهضين والرافضين لتجاوز ما سمته سوء الفهم والافتراضات المغلوطة حول الإلغاء. 
وانتقل النقاش حول عقوبة الإعدام في المغرب من المنظمات الحقوقية إلى المؤسسات الرسمية منذ مطلع الألفية الحالية، ودعت هيئة الإنصاف والمصالحة في تقريرها الختامي الصادر في ديسمبر / كانون الأول 2005، إلى الإلغاء التدريجي لعقوبة الإعدام. وعلى امتداد السنوات الماضية، شهد المغرب سجالاً بين المنظمات الحقوقية والحكومة حول مسألة عقوبة الإعدام. وتسعى عشرات الجمعيات والهيئات الحقوقية المناهضة لها، من خلال مؤتمرات وندوات ولقاءات، للضغط لإلغاء هذه العقوبة بشكل تام من القانون الجنائي، متفائلين بأن الإعدام "يحكم به ولا ينفذ" في البلاد. 
وينطلق الحقوقيون في دفاعهم عن إلغاء عقوبة الإعدام من المادة 20 من الدستور المغربي لعام 2011 التي تنص على أن "الحق في الحياة هو أسمى حقوق الإنسان"، ومن كونها ليست النموذج الأمثل للسياسة العقابية، إذ لا تجدي شيئاً في ما ترمي إليه العقوبة من ردع. كما يدفعون أيضاً باحتمال الوقوع في خطأ قضائي وبكونها عقوبة غير عادلة ولا منطقية، وأقرب إلى التشفي والانتقام. 

الصورة
غرفة للاعدام (ف.موثورامان/ Getty)
غرفة للاعدام (ف.موثورامان/ Getty)

في المقابل، يرى المؤيدون لعقوبة الإعدام أن الحكم بها وسيلة لردع الجناة وثنيهم عن ارتكاب الجرائم، وخفض معدلات الجريمة. كما أنهم يعتبرونها عقوبة عادلة، إذ إن الجاني سيعامل بمثل ما اقترفه. وينص القانون الجنائي المغربي الحالي على أن عقوبة الإعدام تطاول مرتكبي جرائم تصل إلى 31 جريمة، منها ما يرتبط بالاعتداء على حياة الأسرة المالكة، وأمن الدولة وسلامتها، الإرهاب، والقتل العمد والتسميم. غير أنه تم تقليص الجرائم التي يحكم فيها بالإعدام في مشروع القانون الجنائي، الذي ظل طيلة السنوات الأربع الماضية حبيس رفوف البرلمان المغربي، من 31 إلى 8، مع إضافة 3 جرائم، هي "الإبادة الجماعية" و"جرائم ضد الإنسانية" و"جرائم الحرب"، ليصبح مجموع الجرائم التي يحكم فيها بالإعدام 11، في انتظار التصويت عليها. 

قضايا وناس
التحديثات الحية

ومنذ استقلال المغرب عام 1953، وخلال الفترة الممتدة من 1961 وحتى 1993، نفّذ حكم الاعدام بحق 54 شخصاً، بينهم 3 فقط أدينوا بجرائم الحق العام، في حين أعدم 51 شخصاً في قضايا ذات طابع سياسي. وحتى نهاية 2020، بلغ عدد المحكوم عليهم بالإعدام في المملكة ما مجموعه 74 شخصاً من بينهم سيدتان، إحداهما صدر في حقها حكم نهائي فيما ما زال ملف الأخرى يتابع أمام المحاكم، بحسب التقرير السنوي الصادر عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول حالة حقوق الإنسان في البلاد في السادس من مايو/ أيار الماضي. وعلى الرغم من أن القانون المغربي يتضمن مقتضيات تعاقب بالإعدام، إلا أن تلك العقوبة لم تنفذ منذ عام 1993، ما يجعل "العقوبة العظمى" في البلاد حكماً من دون تنفيذ. 
ويقول عضو "الائتلاف المغربي من أجل إلغاء عقوبة الإعدام"، عبد الإله بنعبد السلام، إن امتناع المغرب عن إلغاء عقوبة الإعدام لا يمكن إدراجه في خانة الإكراهات الثقافية أو الدينية، بل يعود إلى "غياب الإرادة السياسية عند الدولة من أجل إلغاء هذه العقوبة اللاإنسانية والقاسية". ويقول لـ "العربي الجديد": "أخال أن الدولة المغربية واجهت في السابق ملفات خاصة بما هو ثقافي وديني، لا سيما مشروع مدونة الأسرة، واستطاعت رغم ذلك اتخاذ عدد من الإجراءات القانونية. من هنا، لا يمكن إنتظار إتفاق جميع مكونات المجتمع من أجل إلغاء هذه العقوبة، إذ لا بد أن يكون للدولة الشجاعة والجرأة لتجاوز هذا الأمر". 

في أحد سجون المغرب (فاضل سنا/ فرانس برس)
في أحد سجون المغرب (فاضل سنا/ فرانس برس)

يضيف بنعبد السلام: "الإعدام في حد ذاته جريمة تمارس بحق القانون. كما أن الاتجاه العالمي هو إلغاء عقوبة الإعدام. وبالنسبة للمغرب، يجب أن يقتحم هذه الدينامية العالمية، ويكون سباقا ًفي هذه المنطقة العربية نحو إلغاء عقوبة الإعدام". ويوضح أن تنفيذ عقوبة الإعدام بحق الجناة تبين أنها "غير رادعة"، مستدلاً على ذلك بـ "تراجع الجريمة في أوروبا التي لا تنفذ العقوبة مقارنة مع بعض الدول التي ما زالت تنفذها". ويلفت إلى أن "تنفيذ عقوبة الإعدام بحق المتهمين تشوبه مخاطر عدة؛ ذلك أنها تستعمل لتصفية المعارضين السياسيين، وتطاول أيضاً الفئات الضعيفة، ناهيك عن وجود أخطاء قد تقع فيها مؤسسة القضاء". 
ويشدد بنعبد السلام على "وجوب أن يكون أقارب ضحايا الجرائم حضاريين بالمقارنة مع المجرم الذي ارتكب فعلته لغاية ما، وأنه لا يجب أن نرتكب جريمة باسم القانون".

من جهته، يرى رئيس الائتلاف المغربي لمناهضة عقوبة الإعدام، عبد الرحيم الجامعي، أنه لا بد من إلغاء عقوبة الإعدام انتصاراً للحياة والإنسان، مشيراً إلى أن هذه العقوبة شكلت بالمغرب منذ منتصف القرن العشرين، قمة نظامه العقابي، آخذاً بما كان في 16 مادة في قانون العدل العسكري قبل التعديل، و10 حالات في مادة واحدة في قانون معاقبة الجرائم الماسة بصحة الأمة". ويؤكد لـ "العربي الجديد" أن على المسؤولين العموميين التعبير عن سياسة حقيقية بخصوص إلغاء عقوبة الإعدام وخصوصاً في ما يتعلق بالمنظومة المنتظرة المتعلقة بإصلاح القانون الجنائي، والتعامل مع الالتزامات الحقوقية الدولية للمغرب بالشكل الذي يعطي المصداقية السياسية لعلاقاته مع المجتمع الدولي، إن على مستوى الأمم المتحدة أو مع المؤسسات الدولية كمجلس حقوق الإنسان، والقرارات التي اتخذها المتعلقة بإلغاء عقوبة الإعدام.