"لجان الحماية الشعبية"... متطوّعون من أجل النظام العام في رفح

"لجان الحماية الشعبية"... متطوّعون من أجل النظام العام في رفح

07 مارس 2024
قبل أقل من أسبوعين ظهر عناصر "لجان الحماية الشعبية" في رفح (سعيد الخطيب/فرانس برس)
+ الخط -

في مدينة رفح الواقعة أقصى جنوبي قطاع غزة المحاصر والمستهدف، التي لجأ إليها أكثر من نصف الفلسطينيين المهجّرين من مناطق أخرى من القطاع، سُجّل أخيراً انتشار عناصر تحت مسمّى "لجان الحماية الشعبية"، للحفاظ على النظام العام.

وعناصر "لجان الحماية الشعبية" الملثّمون الذين ينتشرون في أسواق رفح وشوارعها الرئيسية، يحاولون ضبط أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية المعروضة للبيع، بالإضافة إلى تنظيم حركة المرور. ويأتي ذلك بالتزامن مع الارتفاع الكبير في الأسعار، وسط الأزمة الإنسانية غير المسبوقة التي يتخبّط فيها الفلسطينيون، بعد خمسة أشهر من الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة.

وكانت أسعار السلع والمواد الغذائية في رفح قد قفزت، في الآونة الأخيرة، إلى درجة فاقت قدرات النازحين الفلسطينيين على شرائها، هؤلاء الذين أجبرتهم قوات الاحتلال الإسرائيلي على النزوح إلى جنوبي قطاع غزة والذين خسروا بمعظمهم جلّ ما يملكونه.

من جهتها، فقدت المؤسسات الحكومية في قطاع غزة قدراتها على ضبط الوضع، في ظلّ تصاعد العمليات العسكرية، علماً أنّ القصف الإسرائيلي لم يوفّر مرفقاً ولا جهازاً. في هذا الإطار، تضرّرت الشرطة المدنية وغيرها من الجهات المعنية بالحفاظ على النظام العام في القطاع، ولا سيّما مع خسارة عناصر بشرية منها، بالإضافة إلى تدمير الاحتلال المقار الخاصة. وتتذرّع قوات الاحتلال الإسرائيلي بأنّها تستهدف البنية الحكومية والتحتية لحركة حماس، من خلال قصف مقار الأجهزة الرسمية.

واليوم، خلافاً للفترات الأولى من الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، اختفت عناصر الأمن والشرطة من الطرقات والتقاطعات الأساسية، إذ صاروا يعملون وفقاً لإجراءات أمنية مشدّدة بعد استهداف أعداد منهم.

وهكذا، ظهر في الأيام الأخيرة عناصر ملثّمون مع عصبات كُتب عليها "لجان الحماية الشعبية" للتعريف عنهم. ويقول هؤلاء عن أنفسهم إنّهم "متطوّعون"، علماً أنّهم مسلّحون إمّا ببنادق حربية وإمّا بهراوات. وقد شُكّلت هذه اللجان بمشاركة فصائل وعشائر في مدينة رفح المكتظة، وهدفها محاولة ضبط الوضع الأمني وضبط الأسعار.

لكنّ انتقادات راحت توجَّه إلى هذه اللجان، على الرغم من أنّه لم يمرّ بعد أسبوعان على تشكيلها. ومن الانتقادات البطء في عملية ضبط الأسعار التي لا تتوافق مع واقع السكان المعيشي، ولا سيّما أنّ في مدينة رفح نحو 1.5 مليون فلسطيني، ما بين أهالي المدينة والنازحين إليها، في حين أنّ عشرات الآلاف عاطلون من العمل في الوقت الراهن من جرّاء الحرب الإسرائيلية المتواصلة.

الصورة
لجان الحماية الشعبية في رفح في جنوب قطاع غزة 2 (سعيد الخطيب/ فرانس برس)
تنظيم حركة المرور من ضمن مهام "لجان الحماية الشعبية" (سعيد الخطيب/ فرانس برس)

حماية الفلسطينيين وضبط الأسعار في رفح

يفيد أحد الشبّان المتطوّعين في "لجان الحماية الشعبية" بأنّ انتشارهم في الأسواق والشوارع جاء بهدف حماية الناس وضبط أسعار السلع والمواد الغذائية، في ظلّ الارتفاع الكبير الذي شهدته في الفترة الماضية. يضيف المتطوّع، الذي رفض الإفصاح عن هويته، لـ"العربي الجديد"، أنّ "عمل اللجان يقوم بالدرجة الأولى على مساندة الأجهزة الأمنية في عملها، ومحاولة ضبط الأسواق، والحفاظ على النظام العام، في ظلّ تكدّس النازحين في مدينة رفح".

ويلفت المتطوّع نفسه إلى أن "اللجان شكّلت من قبل وزارة الداخلية في غزة والمناطق الشعبية والعشائر والفصائل الفلسطينية، وهي تهدف بصورة أساسية إلى تخفيض أسعار السلع وتنفيذ القرارات الصادرة عن وزارة الاقتصاد في قطاع غزة".

من جهته، يتحدّث الشاب الفلسطيني الذي اكتفى بالتعريف عن نفسه باسمه الأول، عبد الهادي، عن تجربته في التطوّع في "لجان الحماية الشعبية"، مشيراً لـ"العربي الجديد" إلى تحديات يواجهها مع زملائه، على خلفية الاحتكاك اليومي بأعداد كبيرة من الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مدينة رفح.

ويوضح عبد الهادي: "نخفي هوياتنا ونضع أقنعة على وجوهنا، إذ إنّ الاحتلال الإسرائيلي يتعمّد استهداف الكوادر الأمنية"، بالإضافة إلى أنّ "كلّ جهد فلسطيني لضبط الحالة الأمنية وحماية أمن المجتمع" مستهدف كذلك.

ويشير عبد الهادي إلى أنّ اللجان أتت "بالشراكة ما بين مؤسسات المجتمع الفلسطيني والأجهزة الأمنية ومؤسسات وزارة الداخلية وأجهزة الشرطة المدنية، بهدف محاولة إنفاذ القانون والسيطرة على الوضع القائم في ظلّ الحرب الإسرائيلية".

الاحتلال يستهدف الأمن المجتمعي

في سياق متصل، يقول رئيس شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية في قطاع غزة أمجد الشوا لـ"العربي الجديد" إن "الاحتلال الإسرائيلي عمد منذ بداية حربه على القطاع إلى ضرب منظومة الأمن والشرطة وحتى مؤسسات المجتمع المدني والهيئات الرسمية، بهدف خلق حالة من الفوضى، ليس في فترة الحرب فحسب، إنّما لضمان استمرارها ما بعد الحرب".

ويبيّن الشوا أن "الاحتلال استخدم أسلوب تقليص المساعدات بهدف تعزيز حالة الفوضى أكثر، والسعي إلى إبراز مظاهر العنف في المجتمع. وبالتالي فإن الأوضاع تزداد صعوبة على المستوى الإنساني في ظلّ الحصار، ولا سيما عزل الشمال، ونقص المساعدات".

ويتابع رئيس شبكة المنظمات الأهلية أن "ثمّة أهمية لظهور هذه المبادرات والمحاولات الشعبية والرسمية لضبط النظام العام في المجتمع، إلا أن هذا الأمر غير كافٍ"، مشيراً إلى أن ذلك أتى "ردّ فعل طبيعياً على انهيار المنظومة المجتمعية التي ساهم الاحتلال في تدميرها".

ويشدّد الشوا على أن "ثمّة أهمية بالغة لإعادة سيادة القانون، وإلا فإن النتائج سوف تكون كارثية على المجتمع الفلسطيني، سواء على المدى القريب أو المدى البعيد. وبالتالي يجب الحفاظ على منظومة الشرطة ومنظومة القضاء في ظلّ تعمّد استهدافهما".

ويلفت الشوا إلى "ما تحدّث عنه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في ما يتعلّق باستهداف الشرطة المدنية"، موضحاً أنه "أمر بالغ الخطورة، إذ إنّها جزء من الجهاز المدني المحمي وفقاً للقانون الدولي. يُضاف إلى ذلك استهداف عناصر الشرطة المكلفين بحماية المساعدات".

المساهمون