شهادات عن جرائم جيش الاحتلال في مجمّع الشفاء

شهادات عن جرائم جيش الاحتلال في مجمّع الشفاء

01 ابريل 2024
+ الخط -
اظهر الملخص
- القوات الإسرائيلية انسحبت بعد 14 يومًا من اقتحام مجمع الشفاء الطبي في غزة، تاركةً دمارًا هائلًا وكارثة إنسانية، في إطار الحرب المستمرة منذ 7 أكتوبر 2023.
- الطبيب النرويجي مادس غيلبرت استنكر الحادثة، معتبرًا إياها مؤشرًا خطيرًا على سياسات الاحتلال الإسرائيلي، ودعا العالم لعدم نسيان "إبادة غزة الجماعية".
- شهادات الناجين والعاملين بالمجمع تروي تفاصيل مروعة عن الاقتحام، بما في ذلك قطع الاتصالات والكهرباء، وتعذيب النازحين وأفراد الطاقم الطبي، مما أدى إلى وفاة بعض المرضى بسبب نقص الرعاية.

كشف فلسطينيون كانوا في مجمع الشفاء الطبي ومحيطه في شمال قطاع غزة عن فظائع ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في خلال اقتحامها المستشفى، خلال 14 يوماً، قبل انسحابها منه فجر اليوم الاثنين، مخلّفةً كارثة إنسانية ودماراً هائلاً.

وبعد أسبوعَين، انسحبت القوات الإسرائيلية كلياً من مجمع الشفاء الطبي ومن المناطق المحيطة به في غرب مدينة غزة شمالي القطاع، وذلك وسط الحرب المتواصلة التي تشنّها إسرائيل على الفلسطينيين فيه منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

وقد دان الطبيب النرويجي مادس غيلبرت ما ارتكبته إسرائيل في المجمع أخيراً، مستنكراً الدمار الشامل الذي تعرّض له أهمّ مستشفى في قطاع غزة. وأوضح غيلبرت الذي عمل في المستشفى فترات متقطّعة في 16 عاماً، في تدوينة على منصّة "إكس"، أنّ "إسرائيل والولايات المتحدة حوّلتا مجمع الشفاء الطبّي إلى دار للموت"، مبيّناً أنّه "أُحرق واستحال أنقاضاً وتحوّل إلى مقبرة للمرضى والطاقم الطبي وأقارب المرضى والنازحين".

وأضاف الطبيب النرويجي الذي يُعَدّ من أبرز المدافعين الصلبين عن القضية الفلسطينية وعن الفلسطينيين الذين يتعرّضون اليوم لإبادة جماعية في قطاع غزة المحاصر، إنّ ما جرى "مؤشّر خطر وواضح إلى سياسات الاحتلال الاستعماري الإسرائيلي، التي تتّسم بالقسوة والتي تستخفّ بالأرواح، هادفةً إلى "القضاء على الشعب الفلسطيني؛ مؤسساته الاجتماعية وحياته".

ورأى غيلبرت "وجوب أن تخجل حكومات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة لأنّها شريكة إسرائيل من خلال دعمها جرائم الحرب والفظائع التي ترتكبها في حقّ الإنسانية". وناشد العالم بالنظر مليّاً إلى "مواقع المجازر في مجمع الشفاء الطبي وإلى عدم نسيان إبادة غزة الجماعية قطّ ولا مرتكبيها ولا القوى الشريكة فيها!".

وأفاد شهود عيان وكالة الأناضول بأنّ القوات الإسرائيلية انسحبت بصورة كاملة من داخل مجمع الشفاء الطبي والأحياء السكنية المحيطة به، في اتجاه مناطق جنوبي حيّ تلّ الهوى، جنوب غربي مدينة غزة.

الممرّض الفلسطيني لؤي أبو عاصي ممن كانوا في المجمع على مدى الأيام الـ 14 الماضية، وقد أخبر وكالة الأناضول بأنّه كان يعمل في مبنى الجراحات التخصّصية في المستشفى عندما اقتحمته القوات الإسرائيلية فجأة عند الساعة الثانية من بعد منتصف 18 مارس/ آذار المنصرم. وقال: "قبل اقتحام مجمع الشفاء الطبي، استُهدفت غرفة في مبنى الجراحات التخصّصية مباشرة، فاستشهد عدّة نازحين وأُصيب أفراد من الأطقم الطبية. بعد ذلك، اقتحمت القوات الإسرائيلية بوابة المستشفى وحاصرت كلّ مبانيه". وأضاف "أبلغنا جنود الاحتلال بأنّ المكان محاصر، وحذّرونا من التحرّك أو الوقوف وراء النوافذ. ولمدّة 24 ساعة، لم يتحرّك أحد في المبنى، وكان الرصاص ينهمر عليه من كلّ الأماكن"، مؤكّداً "قطعوا الاتصالات عنّا بصورة كاملة وكذلك الكهرباء، ولم يكن يتوفّر طعام ولا مياه". ولفت إلى أنّ جنود الاحتلال "طلبوا من النازحين الموجودين في المبنى الخروج منه، في اليوم التالي. فخرج الرجال أوّلاً ثمّ النساء، وراح جنود الاحتلال يعتقلون عشرات من هؤلاء النازحين، فيما يُفرجون عن البقية ويطلبون منهم مغادرة مجمع الشفاء الطبي إلى جنوبي قطاع غزة".

الصورة
رفع جثث من حول مجمع الشفاء الطبي في غزة في 1 إبريل 2024 (محمد الحجار)
رفع جثث من مجمع الشفاء الطبي ومحيطه في غزة، في الأول من إبريل 2024 (محمد الحجار)

وأوضح الممرّض الفلسطيني أنّ "بعد ذلك، بدأ جنود الاحتلال بالتعامل مع الطواقم الطبية. فطلبوا منّا الخروج من المبنى واعتقلوا عدداً من الأطباء وأجبروهم على نزع ملابسهم وعذّبوهم في ساحة المستشفى". وبيّن أبو عاصي أنّ "الأطقم الطبية والمرضى نُقلوا من مبنى الجراحات إلى مبنى الاستقبال والطوارئ، وقد تُركوا هناك يومَين من دون مياه ولا طعام، فيما مُنع عنهم الدواء وإدخال أيّ أدوات طبية لهم".

وأكمل أبو عاصي: "ثمّ راح جنود الاحتلال ينادون علينا بالاسم، ويحقّقون مع كلّ واحد منّا على حدة، ويجبرونه على نزع ملابسه. واعتقلوا عدة نازحين وأفراداً من الأطقم الطبية فيما قتلوا آخرين. وثمّة أشخاصٌ لا نعرف إن كان جنود الاحتلال اعتقلتهم أو قتلتهم، فهم مفقودون". وأفاد الممرّض الفلسطيني أنّ القوات الإسرائيلية اعتقلته 12 ساعة، وحقّقت معه، واعتدى عليه الجنود بالضرب قبل الإفراج عنه واحتجازه مع بقية المرضى والأطقم الطبية في مبنى الأمير نايف في مجمع الشفاء الطبي، خمسة أيام من دون طعام ولا دواء، ولم يكن المرضى قادرين على التحرّك. وأوضح أنّ "جروح المصابين تقيّحت، وخرج منها الدود لعدم تمكّننا من توفير أيّ رعاية طبية لهم". وقال "نقلتنا قوات الاحتلال بعد ذلك إلى مبنى آخر في المستشفى، وبدأت تدخل إلينا كميات ضئيلة من الطعام والمياه"، شارحاً أنّ "كمّية الطعام التي كان من المفترض أن تخصّص لشخص واحد كان الجيش يطلب منّا توزيعها على 20 شخصاً. أمّا المرضى فكانوا يصرخون من الألم والجوع، وقد فارق عدد منهم الحياة".

ووصف الفلسطيني حسن محمود المنسي الذي كان مصاباً يتلقّى علاجاً في مجمع الشفاء الطبي قبل أن تقتحمه القوات الإسرائيلية، الرعب والتعذيب على مدى الأسبوعَين الأخيرَين. وقال لوكالة الأناضول إنّهم شهدوا "إطلاق نار وقصفاً متواصلَين في خلال اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي المستشفى". وبعد ذلك صار "كلّ شخص يمرّ من أمام كاميرات للاحتلال ويُسأل عن اسمه كاملاً ويخضع لتحقيق"، في خلال نقلهم من مبنى الجراحات التخصصية في مجمع الشفاء الطبي إلى مبنى الاستقبال والطوارئ.

أضاف المنسي، الذي كان قد أُصيب في الحرب الإسرائيلية المتواصلة في قطاع غزة، إنّهم نُقلوا من جديد بعد يومَين، وهذه المرّة إلى مبنى الأمير نايف التابع للمجمع حيث التُقطت كذلك صور لهم، واعتُقل عدد من المرضى والكوادر الطبية والنازحين. وبعد يومَين آخرَين، اقتيدوا إلى مبنى آخر، قبل أن تنسحب القوات الإسرائيلية من المستشفى.

وقال الفلسطيني عبد الفتاح الزهارنة، الذي يقطن في جوار مجمع الشفاء الطبي، لوكالة الأناضول: "كنّا نرى الناس وهم يُقتَلون أمام أعيننا. كانت الجثث ملقاة في الشارع والجرّافات الإسرائيلية كانت تجرفها". وأضاف إنّ "الوضع كان كارثياً. لم يكن هناك حتى مياه". وأكد شاب فلسطيني كان يقطن المنزل نفسه الذي يقطنه الزهارنة، أنّه "لا مياه ولا طعام. كان موت ودمار هنا. كنّا نشرب مياهاً ملوّثة". وتابع في حديثه إلى وكالة الأناضول: "حسبي الله ونعم الوكيل... أخي أصيب بصاروخ إسرائيلي".

وهذه ليست المرّة الأولى التي يُستهدَف فيها مجمع الشفاء الطبّي في قطاع غزة. فالعملية الممنهجة للقضاء على المنظومة الصحية في القطاع الفلسطيني المحاصر، وسط الحرب الإسرائيلية المتواصلة لليوم 178، بدأت منه. ففي نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، حاصرت القوات الإسرائيلية للمرّة الأولى المستشفى الأكبر في القطاع، واستهدفته بالقذائف والرصاص، قبل أن تقتحمه وتدمّر أجزاءً منه وتطرد مَن في داخله، بحجّة أنّه مقرّ قيادة لحركة حماس، الأمر الذي لم تتمكّن إسرائيل إثباته.

الصورة
دمار في مجمع الشفاء الطبي في غزة في 1 إبريل 2024 (محمد الحجار)
دمار في مجمع الشفاء الطبي شمالي غزة بعد استباحته إسرائيلياً، في الأول من إبريل 2024 (محمد الحجار)

مجمع الشفاء الطبي في غزة ما بين 1946 و2024

يُعَدّ مجمع الشفاء الطبي في قطاع غزة أكبر منشأة حكومية تابعة لوزارة الصحة الفلسطينية وكذلك أكبر مؤسسة صحية تقدّم خدمات طبية في القطاع، بحسب تقرير سابق أعدّته وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا). وكان المجمع قد أُنشئ في عام 1946 في مدينة غزة الشمالية، في عهد الانتداب البريطاني، وكان في شكله الأوّلي أكشاكاً صغيرة تقدّم خدمات رعاية طبية إلى المرضى، وتطوّر مع الوقت ليصبح أكبر مجمع طبي في القطاع.

وقبل الحرب الأخيرة، كان مجمع الشفاء الطبي يشغّل 25 في المائة من العاملين في مستشفيات قطاع غزة كله، مع 1500 موظف، من بينهم أكثر من 500 طبيب و760 ممرّضاً و32 صيدلانياً و200 موظف إداري. وكان يضمّ مجمع الشفاء الطبي ثلاثة مستشفيات متخصصة هي مستشفى الجراحة ومستشفى الأمراض الباطنية ومستشفى النساء والتوليد، إلى جانب قسم حضانة للأطفال الخدّج وقسم طوارئ ووحدة عناية مركّزة ووحدة أشعة وبنك دم وتخطيط، أمّا سعته فما بين 500 و700 سرير.

ويقع المجمع، الذي تبلغ مساحته 45 ألف متر مربّع، عند مفترق طرق في المنطقة الغربية الوسطى من مدينة غزة، ويطلّ على شارعَي عز الدين القسام والوحدة، علماً أنّ في محيطه مسجد الشفاء. وهو كان، حتى السابع من أكتوبر الماضي، يقدّم خدماته إلى الفلسطينيين في مدينة غزة، ويستقبل حالات من مدن أخرى لا تتوفّر فيها مستشفيات متخصّصة. كذلك يقدّم خدمات علاجية وصحية متنوعة وعمليات جراحية إلى أعداد كبيرة من المواطنين. ففي عام 2020، قدّم المستشفى خدمات علاجية إلى نحو 460 ألف مواطن، وخدمات صحية إلى نحو 250 ألف مواطن في قسم الطوارئ، فيما أجريت فيه 25 ألف عملية جراحية و69 جلسة غسل كلى و13 ألف عملية توليد.

الصورة
نقل أحد الناجين من مجمع الشفاء الطبي في غزة في 1 إبريل 2024 (محمد الحجار)
نقل أحد الناجين من مجمع الشفاء الطبي في غزة بعد انسحاب قوات الاحتلال منه، في الأول من إبريل 2024 (محمد الحجار)

وبالعودة إلى تاريخ مجمع الشفاء الطبي، فقد أصبح، بعد انتهاء الانتداب البريطاني، مرتبطاً بالإدارة المصرية التي وسّعت أقسامه وزادت عدد أسرّته، وبقي تحت إدارة المصريين نحو عقدَين من الزمن. وفي عام 1967، أصبح المجمع تابعاً للاحتلال الإسرائيلي عند سيطرته على القطاع بعد نكسة يونيو/ حزيران من ذلك العام، وقد برز دوره كنقطة مواجهة أساسية ما بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال الإسرائيلي.

ومع بدء الانتفاضة الأولى في ديسمبر/ كانون الأول من عام 1987، حدثت في مجمع الشفاء الطبي المواجهة الأولى، حين اقتحمه طلاب لمواجهة جنود الاحتلال، إذ كان مركز تجمّع لهم. وقد حاول الجنود الإسرائيليون في خلال الانتفاضة سرقة جثث الشهداء الفلسطينيين من هذا المستشفى. ومع تسلّم السلطة الوطنية الفلسطينية زمام الأمور، أصبح مجمع الشفاء الطبي تابعاً لإدارتها، وتلقّى حينها دعماً يابانياً وأوروبياً للتطوير وإنشاء مبانٍ جديدة وتوسيع الغرف، وفي أوقات لاحقة شهد عدداً من عمليات التطوير وصار يضمّ مستشفيات متخصصة عدّة.

وفي عام 2023 الماضي، قبل أن تبدأ القوات الإسرائيلية باستهدافه في إطار الحرب الشاملة على قطاع غزة، كان الهيكل الخارجي لمجمع الشفاء الطبي في حاجة إلى ترميم، إذ كانت أجزاء من الخرسانة تتساقط من الأسقف والجدران، بحسب ما أفادت وكالة "وفا". وبسبب عدم القدرة على تأمين المواد نتيجة الحصار الإسرائيلي المستمرّ وعدم توفّر دعم مادي، لم تتم عمليات الترميم حينها. أمّا اليوم، في الشهر الرابع من عام 2024، بعد نحو ستة أشهر من الحرب المتواصلة، يبدو المجمع مدمّراً بعدما استباحته قوات الاحتلال.

(الأناضول، العربي الجديد)

ذات صلة

الصورة
مظاهرة في برلين بعد منع مؤتمر فلسطين 13 إبريل 2024

سياسة

خرجت مظاهرة، ظهر السبت، في برلين احتجاجاً على قيام الشرطة الألمانيّة بمنع انعقاد مؤتمر فلسطين، أمس الجمعة، إضافة لمنع الطبيب الفلسطيني غسان أبو ستة
الصورة
اختاروا النزوح من مخيم النصيرات جراء القصف (فرانس برس)

مجتمع

الاستهداف الإسرائيلي الأخير لمخيم النصيرات جعل أهله والمهجرين إليه يخشون تدميره واحتلاله إمعاناً في تقسيم قطاع غزة إلى قسمين، في وقت لم يبق لهم مكان يذهبون إليه
الصورة
مسيرة المسجد الحسيني

سياسة

شارك اردنيون في مسيرة شعبية حاشدة في وسط العاصمة الأردنية عمان تحت عنوان: "عيدنا بانتصار المقاومة"، مطالبين بوقف العدوان المتواصل على قطاع غزة
الصورة
الصحافي بيتر ماس (Getty)

منوعات

كتب الصحافي المخضرم بيتر ماس، في "واشنطن بوست"، عن "شعوره كمراسل جرائم حرب وابن عائلة مولت دولة ترتكب جرائم حرب"، في إشارة إلى الإبادة الجماعية في غزة.

المساهمون