شمال غزة.. حيث الجوع أشدّ فتكاً من صواريخ الاحتلال

شمال غزة.. حيث الجوع أشدّ فتكاً من صواريخ الاحتلال

01 مارس 2024
انتظار وجبة طعام تأخّرت في مركز إيواء في مخيم جباليا شمالي غزة (داوود أبو الكاس/ الأناضول)
+ الخط -

وسط الأزمة الإنسانية غير المسبوقة التي تسبّبها الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة والحصار المطبق على الفلسطينيين فيه وعزل شماله، صار الجوع أشدّ فتكاً من الصواريخ، وسط تحذيرات متزايدة من مجاعة حتمية.

ويُعَدّ مخيّم جباليا الواقع في شمال قطاع غزة خير دليل على ذلك، في ظلّ المعاناة التي يعيشها النازحون الفلسطينيون الذين لجأوا إليه بعد تهجيرهم من بيوتهم في مناطق أخرى من الشمال. ويشكو الفلسطينيون في مراكز الإيواء بمخيّم جباليا صعوبات جمّة حوّلت حياتهم اليومية إلى كابوس يؤرّق عيشهم، وصاروا يخافون من الموت جوعاً أكثر من خوفهم من أن تقتلهم صواريخ الاحتلال الإسرائيلي.

ويتجاوز الوضع البائس في مراكز الإيواء تلك حدود القسوة، مع طفح مياه الصرف الصحي وتراكم النفايات وانتشار الأمراض بين النازحين، ولا سيّما الأطفال منهم. يُضاف إلى ذلك نقص حاد في الطعام والمياه، الأمر الذي يجعل هؤلاء الذي هُجّروا من بيوتهم أكثر عرضة لسوء التغذية ولغيره من الأمراض.

الطعام مفقود في شمال غزة

كما هي حال كثيرين، لم يجد الطفل الفلسطيني النازح يزن بدر أيّ خبز، الأمر الذي اضطره إلى تناول حساء الخبيزة (نبتة برية موسمية) بالملعقة. ويقول بدر بجسده النحيل لوكالة الأناضول: "فش (لا يتوفّر) أكل ولا مياه ولا شيء في الشمال. بنروح (نذهب) إلى الحدود لنلقّط (لنجمع) الخبيزة حتى نسدّ جوعنا".

يُذكر أنّ الطحين نفد منذ مدّة طويلة في شمال غزة، ولا سيّما مع منع الاحتلال الإسرائيلي دخول الإمدادات الغذائية إليه. وفي حين يُعَدّ محظوظاً من يتمكّن من الظفر بكيس طحين أو بضعة كيلوغرامات قليلة منه، فإنّ كثيرين عمدوا إلى طحن علف الحيوانات في محاولة لاستبدال طحين القمح به وإعداد ما يشبه الخبز.

وفي هذا الإطار، تقول النازحة الفلسطينية إكرام البسيوني إنّ أسعار المواد الغذائية المتوفّرة، مثل العدس والسكر، ارتفعت في حين نفد دقيق القمح، "الأمر الذي يضطرّنا إلى شراء علف حيوانات بمبالغ باهظة تصل إلى 120 شيكل (نحو 35 دولاراً أميركياً) للكيلوغرام الواحد، من أجل طحنه واستخدامه في إعداد الطعام".

وتشير البسيوني لوكالة الأناضول إلى أنّ "تناول علف الحيوانات يسبّب أمراضاً ومشكلات صحية"، مؤكدة أنّ حالتها الصحية تردّت من جرّاء تناول ذلك وعدم توفّر تغذية صحية وسليمة.

وتتحدّث البسيوني عن "معاناة الناس في المدارس من أمراض عديدة، مثل الإسهال والجدري، فيما ينتشر الجرب والقمل خصوصاً في صفوف الأطفال". وهي واحدة من هؤلاء الفلسطينيين الذين يصفون الوضع في مراكز الإيواء في شمال قطاع غزة، بما فيها مدارس وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) التي راحت تستقبل المهجّرين، بالصعب.

وتطالب البسيوني، التي تُعَدّ لسان حال الفلسطينيين المستهدفين والمحاصرين في قطاع غزة، العالم بالنظر إلى معاناتهم والوقوف إلى جانبهم "في ظلّ حرب الإبادة الجماعية" التي يتعرّضون لها.

الفلسطينيون يخافون الموت جوعاً في شمال غزة

من جهتها، ترى النازحة الفلسطينية أم محمد أبو الجديان أنّ ما يجعل الوضع أكثر تعقيداً في مراكز الإيواء، من بينها المدارس، "انعدام الرعاية الصحية الأساسية"، إذ إنّ المرضى يواجهون صعوبة في الحصول على العلاج الضروري.

وتقول أبو الجديان لوكالة الأناضول: "لم يعد لديّ أيّ من الأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة"، مضيفةً أنّ "الحالات المرضية الحرجة تحتاج إلى رعاية فورية، لكنّ الموارد المحدودة والحصار جعلا الحصول على الخدمات الطبية اللازمة أمراً صعباً".

وتصف أبو الجديان الوضع المعيشي بـ"المأساوي جداً"، في ظلّ النقص الحاد في المواد الغذائية الأساسية وشحّ المياه، واستخدام علف الحيوانات في صنع الخبز.

في سياق متصل، تعبّر النازحة الفلسطينية فاطمة غبن لوكالة الأناضول عن استغرابها "صمت العالم أجمع والدول العربية والإسلامية تجاه ما يجري في قطاع غزة من جرائم حرب وإبادة جماعية".

أمّا النازح الفلسطيني أبو إياد أبو مطيبق، فيطالب "أحرار العالم بالتدخّل لوقف الحرب المدمّرة على قطاع غزة، وإدخال المساعدات الإغاثية والإنسانية". ويقول لوكالة الأناضول: "نحن شعب لا يخاف الموت بصواريخ الاحتلال ولا بغاراته، لكنّنا نخاف الموت جوعاً"، مشيراً إلى تناولهم علف الحيوانات.

تجدر الإشارة إلى أنّ الأمم المتحدة تخشى "مجاعة واسعة النطاق تكاد تكون حتمية" في شمال قطاع غزة المحاصر والمستهدف منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023. فآلاف الفلسطينيين في شمال غزة يعيشون وسط الجوع والعطش، وبالتالي تتهدّدهم المجاعة.

وهذا أمر ليس مستجداً، إذ إنّ لجنة مدعومة من الأمم المتحدة كانت قد أفادت، في تقرير نُشر في اليوم السادس والسبعين من الحرب الإسرائيلية، في شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بأنّ جميع سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة يواجهون أزمة جوع وخطر مجاعة يتزايدان يوماً بعد يوم.

(الأناضول، العربي الجديد)

المساهمون