شارع المتنبي... نهار الثقافة وأمسيات الليل الجميل

شارع المتنبي... نهار الثقافة وأمسيات الليل الجميل

03 ابريل 2022
ينجذب العراقيون مجدداً إلى أمسيات شارع المتنبي (صباح عرار/ فرانس برس)
+ الخط -

تشتهر منذ سنوات طويلة في العراق مقولة أن التجوّل والسياحة في ربوع عاصمته بغداد تبقى ناقصة إذا لم يقصد الزائر شارع المتنبي في بغداد صباح يوم جمعة. أما منذ مطلع العام الحالي فأصبح يقال إن زيارة بغداد تكون ناقصة إذا لم تشمل شارع المتنبي في ليل أي يوم.
يتميز شارع المتنبي الذي يشتاق العراقيون لزيارته، حتى أولئك الذين يسكنون في العاصمة بغداد نفسها، بخصوصيات ينفرد بها عن باقي مناطق البلاد الغارقة منذ سنوات طويلة في مشاكل متنوعة أهمها على الصعيد الأمني، إذ ينقل زواره إلى عالم جميل مليء بالثقافة والأناقة والفنون والأدب والشعر والتجمعات الشبابية والثقافية والاجتماعية والمناسبات المختلفة التي تنظم في أرجائه وتحتضنها قاعاته ومراكزه الثقافية والمواقع التراثية المرتبطة به.
ومنذ مطلع العام الحالي، بدأ شارع المتنبي التراثي يجذب العراقيين في المساء أيضاً، بعدما نفذت أمانة بغداد حملة لإعادة تأهيله، ما يوفر عوامل إضافية تشجع غالبية المحلات والمكتبات التي يضمها الشارع على تمديد فترات فتح أبوابها ساعات أطول بعد الموعد الاعتيادي في العصر.

ويوصف الشارع الذي يحمل اسم الشاعر العربي الشهير أبو الطيب المتنبي، بأنه رئة العراق الثقافية، ويعدّ أكبر موقع لبيع الكتب المختلفة والقرطاسية والصحف والمجلات في البلاد، من خلال العدد الكبير من المكتبات التي تتواجد فيه والباعة الجوالين الذين تفترش كتبهم الأرصفة.
وتتواجد في المكتبات وعلى أرصفة شارع المتنبي كتب مختلفة توفر ملجأ مهماً للباحثين عن عناوين يندر وجودها في أماكن أخرى. ويمتد الطابع الثقافي للشارع من أرجائه وجوانبه إلى الأزقة المتصلة به التي تضم كل ما يتعلق بالشأن الثقافي والأدبي مثل الخطاطين والمراكز الثقافية والمقاهي الأدبية التي يرتادها المثقفون والصحافيون والفنانون باعتبارها مركزاً رئيساً لبيع الكتب في البلاد ويستقطب العراقيين من كل المحافظات لشراء مقتنيات ومستلزمات ثقافية تباع بأسعار زهيدة.

ثقافة الليل الهادئ
تقول الروائية الشابة أريج عبد الحق لـ"العربي الجديد": "تجسّد الحلة الجديدة لشارع المتنبي الرغبة الخاصة للمواطنين عموماً  ورواده خصوصاً الذين طالبوا دائماً بتمديد وقت العمل في الشارع كي يشهد حركة خلال فترة الليل".
تضيف أريج التي نشرت أول مجموعة قصصية لها قبل عام، وتنشر في الصحف المحلية قصصاً قصيرة جذبت مهتمين كُثراً: "لعب شارع المتنبي دوراً مهماً في دخولي عالم كتابة القصص. وأنا ألتقي فيه كتاباً وروائيين كثرا يرفدونني بنصائح قيّمة دائماً تواكب أعمالي، لكن ظروف عملي لا تسمح لي بارتياده باستمرار خلال النهار، خصوصاً يوم الجمعة حين يتواجد فيه أكبر عدد من الأدباء والكتاب، لذا أرى اليوم أن الشارع بحلته المسائية الجديدة يجلب لي فسحة للقاء أساتذتي في الليل".
وترى أريج أن ما يميز شارع المتنبي أيضاً حالياً أنه يسمح لها بالجلوس في المقاهي والمساحات الجانبية مع صديقاتها خلال التنزه ليلاً في أرجائه "التي أعتبرها الأحب والأقرب، وأعشق التمتع بها في الليل الهادئ بدلاً من النهار حين يعج الشارع بالباعة والعمل".

الصورة
يحتضن شارع المتنبي الثقافة مجدداً (صباح عرار/ فرانس برس)
يحتضن شارع المتنبي الثقافة مجدداً (صباح عرار/ فرانس برس)

جمال لامتناه
يتوسط شارع المتنبي بغداد، ويطل في نهايته على نهر دجلة حيث يتواجد مكان لركن الزوارق، ونصب للشاعر أبو الطيب المتنبي حيث يتجمع قسم كبير من الزوار. ويتصل بالشارع مبنيان تراثيان كبيران ومهمان جداً يعودان إلى العهد العثماني، جرى تحويل أحدهما إلى مركز ثقافي. أما المبنى الثاني فيحمل اسم "القشلة" وكان مركزاً للجنود. والموقعان مزاران سياحيان يستضيفان فعاليات ثقافية وفنية مختلفة تزيد أهمية الشارع.
يعود تاريخ شارع المتنبي القديم جداً في بغداد إلى أواخر العصر العباسي، وأطلق عليه اسم المتنبي تيمناً بالشاعر الشهير أبوالطيب المتنبي في عام 1932 خلال عهد الملك فيصل الأول. وتقول هاجر الدوري (58 عاماً) التي تعتبر من عشاق شارع المتنبي لـ"العربي الجديد" إن "أي مدينة في العالم لا تتمتع بجمال شارع المتنبي في الليل. وقد زرته أكثر من 20 مرة ليلاً منذ أن افتتح نهاية العام الماضي، رغم أنني أسكن في منطقة بعيدة نسبيا من موقعه". وتخبر هاجر أنها سافرت إلى دول عدة وتجوّلت في مئات من المدن خلال الليل، وتصف شارع المتنبي بأنه "يجمع خلال الليل سحر جادة الشانزليزيه في باريس وأيضاً مدينة البندقية في إيطاليا، وشارع تقسيم (الاستقلال) في إسطنبول".

ضمن حيّ عباسي كبير
وتكشف هاجر أنها التقت مع مجموعة كبيرة من زملائها الكتاب والفنانين ومسؤولين في أمانة بغداد ومؤسسات حكومية ونواب في البرلمان لمناقشة موضوع توسيع عملية التأهيل لتشمل أحياءً وشوارع أخرى محاذية لشارع المتنبي. وتؤكد أنه يمكن الحصول على حي كبير جداً يشهد انتعاشاً سياحياً على مدار الساعة، مثل حال أحياء عدة في مدن مشهورة عالمياً إذا جرى توسيع عملية التأهيل لتشمل مناطق تتصل بالشارع.

ويؤيد المواطنون والمواطنات رأي هاجر في أنه يمكن تحويل مناطق بغداد التراثية إلى مواقع مهمة لجذب السياح توفر فرص عمل كبيرة لكثر، وأماكن للترفيه والتسوق إذا أخضعت لعمليات تأهيل مماثلة لما حصل في شارع المتنبي. ويعلّق الصحافي عمار سلمان بالقول لـ"العربي الجديد": "الحقيقة أن شارع المتنبي يشكل جزءاً بسيطاً فقط من حي عباسي قديم لا تزال العديد من آثاره ظاهرة وتتواجد في موقعها". يضيف: "أصبحت الصور ومقاطع الفيديو التي تنشر على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام حول الحياة الليلية في شارع المتنبي حديث أشخاص كُثر خارج العراق. يراسلني صحافيون أصدقاء لي من جنسيات عربية سبق أن قدِموا إلى العراق، ويبدون رغبتهم في زيارة بغداد مجدداً والتجول في شارع المتنبي. أعتقد أن التأثير الجميل لشارع المتنبي لا ينحصر في العراقيين، بل يشمل المواطنين العرب أيضاً".

المساهمون