ما الذي تحقق من وعود الحكومة العراقية بعد عام على زيارة البابا؟

عام على زيارة البابا إلى العراق... ما الذي تحقق من وعود الحكومة؟

15 مارس 2022
البابا فرنسيس قام بزيارة العراق في آذار 2021 (أحمد الربيعي/فرانس برس/Getty)
+ الخط -

على الرغم من الوعود التي قدمتها الحكومة العراقية لتحسين الأوضاع المعيشية والإنسانية والأمنية لسكان سهل نينوى ذي الغالبية العربية المسيحية، شمالي العراق، بالتزامن مع زيارة البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، إلى العراق قبل عام، إلا أن سكان بلدات سهل نينوى يؤكدون أن لا جديد طرأ على أوضاعهم، خاصة في ما يتعلق بإنهاء نفوذ الجماعات المسلحة ودفع التعويضات للمواطنين لبناء منازلهم والعودة لممارسة حياتهم السابقة، بعد سلسلة من العمليات الإرهابية لتنظيم "داعش" خلفت مآسي إنسانية وخسائر مادية كبيرة بين الأهالي.

وزار البابا فرنسيس العراق في مارس/ آذار العام الماضي، ولاقت الزيارة ترحيباً شعبياً واضحاً في البلاد، وزار مدن بغداد والنجف وذي قار وأربيل والموصل وسهل نينوى ضمن محافظة نينوى المنكوبة شمالي العراق، كما أسهمت الزيارة في لفت الانتباه إلى الثراء والتنوع في المجتمع العراقي، إضافة إلى تسليط الضوء على ما يعانيه المسيحيون في البلاد كغيرهم من مكونات الشعب العراقي.

ومنذ ذلك الحين ولغاية الآن، لم تترجم وعود الحكومة العراقية عقب الاجتماعين اللذين عقدهما رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، ورئيس الجمهورية، برهم صالح، مع البابا فرنسيس لدى وصوله إلى بغداد، وهو ما وصفته ميرنا أثير، 43 عاماً، بأنه "خذلان حكومي واضح منذ البداية".

وأضافت ميرنا في حديثٍ مع "العربي الجديد" أن "زيارة البابا كانت من أهم الأحداث التي شهدها مسيحيو العراق منذ عقود، لكنها لم تسفر عن أي آثار إيجابية. هناك الكثير من الوعود بلا نتائج، لم يتم تعويضنا عما لحق بمنازلنا ومزارعنا من خراب، وما زالت دور العبادة والمدارس والمباني العامة وحتى الشوارع مدمرة"، مؤكدة وجود "جماعات مسلحة وأخرى سياسية بطابع ديني تحاول فرض رؤيتها على المنطقة من الخارج".

وتابعت: "كنا نتوقع أن تهتم الحكومة بأوضاع الناس التي تزداد سوءاً، حيث إن المكون المسيحي يعاني في سبيل الحصول على حقوقه، مثل حق العمل والتعيين في الحكومة، إضافة إلى شعورهم بانعدام الأمن بسبب الجماعات المسلحة الكثيرة هنا".

النائب في البرلمان العراقي، يونادم كنا، أشار بدوره إلى أن "زيارة البابا إلى سهل نينوى كانت مهمة جداً من أجل تثبيت الكثير من الرسائل الخاصة بالشعب العراقي ككل وليس فقط المسيحيين، ولا يمكن التقليل من شأنها، حتى لو أن نتائجها على واقع المسيحيين في البلاد لم تكن بالمستوى المرجو".

وأضاف: "كان هناك أمل بأن تستغل الحكومة العراقية هذه الزيارة من أجل إطلاق حزمة من التوصيات بشأن المسيحيين العراقيين"، وأكمل كنّا في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، أن "العراق شهد تراجعاً كبيراً بأعداد المسيحيين، فقد كان عددهم أكثر من مليون ونصف المليون، لكنهم حالياً لا يزيدون عن 400 ألف مسيحي، يتوزعون ما بين المناطق تحت سلطة بغداد، ومناطق إقليم كردستان شمالي العراق"، مبيناً أن "المسيحيين كانوا ينعمون قبل الاحتلال الأميركي في مناطق العراق بحياة كريمة، بما في ذلك مناطق جنوب البلاد، لكنهم تهجروا جراء المضايقات والوضع الأمني المتردي".

تقارير عربية
التحديثات الحية

ولفت إلى أن "أوضاع المسيحيين في العراق لا تختلف عن أوضاع العراقيين ككل"، مؤكداً أنه "بعد هزيمة تنظيم داعش عاد نحو 80% من المسيحيين إلى قرية الحمدانية، ونحو 50% إلى القرى الأخرى في الموصل، لكن هذا لا يعني أنهم بحال جيد، خصوصاً أنهم يشعرون بقلقٍ دائم من المستقبل، بسبب ضبابية فرصهم في العيش الكريم، كما أن هناك سياسات تمييز واضحة، يعاني منها المسيحيون، تجعلهم يشعرون بالغبن، بضمنها عدم وجود قائد عسكري مسيحي في القوات المسلحة العراقية".

من جانبه، لفت السياسي المسيحي جوزيف صليوا إلى أن "زيارة البابا كان لا بد أن يعقبها سعي حكومي للاهتمام بالمسيحيين، وليس نسيانهم مع إقلاع طائرة البابا من الأراضي العراقية"، مستكملاً حديثه مع "العربي الجديد"، بأن "زيارة البابا لم تحدث أي تغيير على مستوى حياة المسيحيين، إذ لا يزالون يعانون من الابتزاز في مناطق العراق، وغياب قوة القانون التي من المفترض أن تحميهم، إضافة إلى استمرار قوى السلاح الموالية لدول الخارج بالاستيلاء على ممتلكاتهم وأملاكهم".

وأردف أن "الأحزاب العراقية والحكومات المتعاقبة جميعها تتحمل مسؤولية اضطهاد المسيحيين في العراق، وهناك أجندات سياسية لفصائل مسلحة، تعمل على إفراغ العراق من الألوان الاجتماعية والأقليات، من بينها المسيحيون في ظل صمت حكومي".

مشدداً على أن "العراقيين المسيحيين تربطهم علاقة قوية ومتينة بأرضهم، لكن استمرار المضايقات وعدم الاهتمام بهذا المكون الأصيل سيؤدي إلى استمرار هجرتهم إلى أن يفرغ العراق من وجودهم، أو لجوئهم جميعاً إلى إقليم كردستان".

وفي وقتٍ سابق، دعا رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، المواطنين المسيحيين الذين غادروا البلاد خلال السنوات الماضية إلى العودة، مؤكداً تقديمه الدعم لتسهيل ذلك. وأكد في بيان على "أهمية أن يعمل رجال الدين والقيادات الاجتماعية على حفظ سمة التنوع في المجتمع العراقي، التي تعد أحد ملامح الامتداد الحضاري في البلاد"، معتبراً أنّ "الوجود المسيحي في العراق هو واحدة من أهم ركائز هذا التنوع العميق، الذي يساهم اليوم في حماية النظام الديمقراطي".

وشهدت السنوات التي أعقبت الغزو الأميركي للعراق حملات هجرة واسعة لمسيحيي العراق إلى دول مختلفة بسبب عمليات التنظيمات الإرهابية، وجرائم الاستهداف والتضييق التي شاركت بها مليشيات مسلحة، وتقدر أعداد المسيحيين الذين غادروا البلاد بعد عام 2003 بأكثر من مليون مواطن.

وتطالب قوى وجهات مسيحية فاعلة في العراق حالياً بإخراج الفصائل المسلحة التي تسيطر على مناطق عدة في سهل نينوى شمالي العراق، معتبرين أن وجودها يمثل عامل عدم استقرار ولا يشجع على عودة أهل المناطق إليها وهم من الأغلبية المسيحية العربية.

المساهمون