حقن الكزاز مفقودة... الحرب على صحة اللبنانيين مستمرة

حقن الكزاز مفقودة... الحرب على صحة اللبنانيين مستمرة

06 أكتوبر 2021
حقن الكزاز من بين الأدوية المفقودة في لبنان (جوزيف عيد/ فرانس برس)
+ الخط -

 

تمتد أزمة فقدان الأدوية في لبنان إلى حقن الكزاز الضرورية لاحتواء المخاطر الناتجة عن جروح كثيرة. وبينما تقلّل وزارة الصحة العامة من أهمية نفاد الحقن إذ إنّ لقاحات الكزاز متوفّرة، يتبيّن في الواقع أنّ الأخيرة مفقودة كذلك.

لا توفّر الأزمة التي يعاني منها اللبنانيون حقن الكزاز (تيتانوس) التي تستخدم كإجراء ضروري لدى التعرّض إلى جرح عميق أو عضّة كلب أو خدش تسبّبت فيه قطّة أو حوادث أخرى. لكنّ مصادر طبية تشير إلى أنّ معظم هذه الحقن نفدت بعد انفجار مرفأ بيروت الذي وقع في الرابع من أغسطس/ آب من عام 2020، أي منذ أكثر من سنة، بعد استخدام كميات هائلة منها لمعالجة الجرحى.

وفيما يزداد قلق المواطنين من فقدان هذه الحقن وتأثيره السلبي على صحتهم، تصرّ وزارة الصحة العامة في لبنان على أنّ 90 في المائة من الجروح لا تستوجب تلقّي مثل هذه الحقن. وتقول رئيسة مصلحة الطب الوقائي في الوزارة عاتكة برّي لـ"العربي الجديد" إنّ "حقن الكزاز عبارة عن أمصال تُعطى مع لقاح الكزاز في حالات نادرة وخاصة، حين يكون الجرح ملوّثاً جداً. ويخالف ذلك الاعتقاد السائد بأنّها تُستخدم لمعالجة أيّ جرح ناتج عن احتكاك بحديد أو مسامير أو زجاج أو حجر أو إصابة بآلة حادة. وفي الحالات شديدة التلوّث، يجب تلقّي لقاح الكزاز في شكل ملحّ ولا حاجة إلى حقن الكزاز المفقودة حالياً".

وتشرح برّي أنّ "الخطر الجسيم لا يعود إلى فقدان مصل أو حقنة الكزاز بل لقاح الكزاز، علماً أنّ الأخير متوفّر بكميات كبيرة. أمّا سبب انقطاعه لفترة في بعض المستشفيات والمراكز الصحية والصيدليات، فهو نتيجة عدم طلبه في الوقت المناسب. وفي ما يخصّ اللقاح الخاص بداء الكلَب فهو متوفّر لدى القطاع الخاص". تضيف برّي أنّه "في حال التعرّض إلى عضّة كلب، يجب تلقي لقاحَي الكلَب والكزاز معاً في خلال فترة تتراوح ما بين 24 و48 ساعة. وقد تستدعي الحالة تلقّي حقنة الكَلب وليس الكزاز إذا لم تكن العضّة عنيفة والجرح ليس شديد التلوّث. ويعني ذلك أنّ 90 في المائة من الحالات لا تحتاج إلى حقنة كزاز، بل للقاح الكزاز فقط. وعلى سبيل المثال، إذا تلقّى فتى لقاحاً ضدّ داء الكلَب حينما كان في الثانية عشرة من العمر ثم تعرّض إلى عضّة كلب في الثالثة عشرة، فهو لا يحتاج إلا إلى حقنة الكلَب".

وتشير برّي إلى أنّ "حقنة الكزاز لا تستوردها وزارة الصحة في الأساس لأنّ أهميتها كعلاج حيوي أقلّ من اللقاح، والشركات الخاصة هي التي تفعل ذلك باعتبار أنّ سعرها أعلى من اللقاح. وقبل الأزمة، كان ثمن الحقنة 25 ألف ليرة لبنانية (نحو 17 دولاراً أميركياً وفق سعر الصرف المحدّد حينها بـ1500 ليرة في مقابل الدولار)، في حين لم يتجاوز ثمن اللقاح ثلاثة آلاف ليرة لبنانية (دولاران)". وتوضح برّي أنّ "حقن الكزاز أو الكَلب تحرّك جهاز المناعة فوراً، ثمّ يتلاشى مفعولها في خلال أسبوعَين أو ثلاثة كحدّ أقصى، لذا يمكن للمرض أن يظهر لاحقاً. من هنا نزوّد المريض بحقنة الكلَب واللقاح معاً في حال كانت الجروح عميقة أو قريبة من الرأس، مع العلم بأنّ مفعول اللقاح يبدأ في خلال فترة تمتد ما بين 10 و15 يوماً".

بدوره، يوضح مدير "المركز الوطني لجودة الدواء والغذاء والماء والمواد الكيميائية" في الجامعة اللبنانية (الرسمية) الدكتور نزيه بو شاهين لـ"العربي الجديد" أنّ "فقدان حقنة الكزاز ليس بخطورة فقدان لقاح الكزاز. لكنّه في حال كان الجرح عميقاً جداً وملوّثاً بجراثيم، فإنّ الشخص المصاب الذي تلقّى اللقاح سابقاً لن يتأثّر ويكون محميّاً. وفي كلّ الأحوال، من الأفضل تلقّي حقنة الكزاز في خلال 24 ساعة". ويتابع بو شاهين أنّه "إذا أصيب شخص سبق أن تلقى لقاحَي الكلَب والكزاز بعضّة كلب ولم يجد حقنة كزاز، فهو يواجه خطراً أقلّ".

الصورة
يجب الحذر من عضّة كلب في لبنان (جوزيف عيد/ فرانس برس)
لا بدّ من الحذر من عضّة كلب في لبنان (جوزيف عيد/ فرانس برس)

من جهتها، تتحدث ليال وهي أمّ لثلاثة أطفال لـ "العربي الجديد" عن "الخوف والقلق الكبيرَين اللذَين انتاباني لدى إصابة ابني بعضّة كلب". تضيف: "قصدنا فوراً صيدليات في المنطقة، لكنّنا لم نعثر على حقنة كزاز أو كلَب. وأُبلغنا بأنّ ابني لا يحتاج إلى حقنة كزاز أو لقاح كزاز لأنّه محصّن سلفاً، فبقي أن يتلقّى لقاح الكلَب الذي لم نعثر عليه في مستشفيات المنطقة. حينها توجّهنا إلى مستشفى رفيق الحريري الجامعي في بيروت، وهناك مُنح ابني الجرعة الأولى من لقاح الكلَب، وكان يفترض أن يحصل على جرعة ثانية بعد ثلاثة أيام، وثالثة بعد أسبوع، ورابعة بعد شهر. لكنّ الجرعة الثانية لم تتوفّر بعد ثلاثة أيام، وأكّد لنا القيّمون على المستشفى أنّها نفدت ونصحونا بتأمينها بأنفسنا. يُذكَر أنّ ابني تلقّى مليمتراً واحداً من اللقاح وليس مليمترَين، علماً هذه هي الكمية المطلوبة في الجرعة الأولى، بحجّة أنّ المستشفى يملك كمية محدودة، الأمر الذي يحتّم بحسب قولهم تركها لحالات مماثلة. من هنا بات ابني يحتاج إلى أربع جرعات". وتتابع ليال: "تنقّلنا بين صيدليات ومستشفيات كثيرة من دون أن نجد أيّ جرعة، فنصحنا طبيب الأطفال بجلب اللقاح من سورية. واليوم، نحن ننتظر وصوله إلى لبنان، ونقضي هذه الفترة في مراقبة الكلب لأنّ علامات الكلَب تظهر عليه قبل ظهورها على الإنسان. بالتالي نحن نعيش فترة عصيبة جداً بسبب اضطرار المواطن إلى بذل جهود مرهقة للبحث عن كلّ شيء". وتشدّد: "يحاربوننا بصحة أولادنا، علماً أنّ تلقّي الأدوية والحقن اللازمة من أبسط الحقوق لدى التعرّض إلى مرض أو حادثة".

في سياق متصل، تؤكّد أمل صاحبة إحدى الصيدليات وقد فضّلت عدم الكشف عن هويتها كاملة لـ"العربي الجديد" أنّها تلقّت "الدفعة الأخيرة من حقن الكزاز قبل نحو ستة أشهر، وبعتها في خلال يومَين فقط". أمّا الصيدلاني مصطفى الذي فضّل بدوره عدم الكشف عن هويته كاملة، فيقول لـ"العربي الجديد" إنّ "الطلب زاد أخيراً على حقن الكزاز المفقودة، علماً أنّ من يطلبها يكون في حاجة إليها على وجه السرعة. وهي ليست من الأدوية المقطوعة التي يمكن عدم الحصول عليها في الوقت المناسب، لأنّ هذا الأمر يؤدّي إلى الإصابة بمرض تيتانوس، ويفاقم خطر الوفاة".

المساهمون