حرائق الجزائر... صدمة من الخسائر وضعف التدخل

حرائق الجزائر... صدمة من الخسائر وضعف التدخل

الجزائر
60244E7B-773C-460F-B426-426EBC60D89E
عثمان لحياني
صحافي جزائري. مراسل العربي الجديد في الجزائر.
19 اغسطس 2022
+ الخط -

"كارثة وأكثر" وصف لما فعلته الحرائق التي اندلعت، أول من أمس الأربعاء، في غابات ولاية الطارف شرقي الجزائر وحظيرة القالة وغاباتها التي تعد بين أجمل مناطق البلاد، وتضم أيضاً بحيرة تبعد أقل من عشرة كيلومترات من معبر أم الطبول الحدودي مع تونس. 
وأسفرت الكارثة عن عشرات الضحايا الذين ما زال عددهم الرسمي غير معلن، وخلّفت الحرائق خسائر مادية كبيرة وخرجت عن السيطرة نسبياً، وزادت الرياح سرعة انتشارها، ما حتم إخلاء السلطات السكان من قرى بكاملها، ونقلهم الى مناطق آمنة.
واعتبرت حديقة البرابطية في منطقة القالة بين الأماكن الجميلة وذات الأهمية البيئية الكبيرة التي تحوّلت إلى أثر بعد عين، بعدما كانت مقصداً للعائلات خلال فصل الصيف، من أجل تمضية أوقات من الراحة والتغلب على الحرارة المرتفعة والتمتع بظلال الأشجار
وترافق الحريق مع وجود عشرات العائلات في هذه الحديقة، والتي لم ينتبه بعض أفرادها إلى اقتراب النيران منهم شيئاً فشيئاً، فحاصرتهم ألسنة اللهب والدخان وسط حال هلع كبير وخوف دفعهم إلى محاولة الهروب بالسيارات. 

وفي ظل الفوضى السائدة حصلت الكارثة التي أوقعت ضحايا في الحديقة ومحيطها، وبينهم أطفال في الكشافة حاصرت النيران حافلتهم وأحرقت بعضهم.
وفي المستشفيات كان الوضع مؤلماً جداً أمام مشاهد جثث الضحايا التي قطعت الأنفاس. وأعلنت تقارير رسمية مقتل 40 شخصاً بينهم أكثر من 15 مجهولو الهويات، وإصابة أكثر من 150. وروى شهود رؤيتهم أماً تحتضن ثلاثة من أبنائها الذين تفحموا كلهم معاً.
ويرى البعض أن تضارب المعلومات حول عدد الضحايا يعود إلى غياب إدارة جيدة للأزمة ونقص المعلومات وضعف الاتصال الحكومي.
 يقول الإعلامي أنيس ملوك  لـ"العربي الجديد": "تضم منطقة الطارف غابات كثيرة، وفي العادة تسيطر أجهزة الإطفاء سريعاً على الحرائق التي تندلع فيها، لكنها المرة الأولى التي تشهد فيها المنطقة حريقاً بهذا الحجم".
يضيف: "تضررت في شكل كبير كل قرى الريف المحاذية للحدود مع تونس، أو تلك الموجودة داخل الغابات، إلى جانب أكثر من 20 موقعاً ريفياً وسط الغابات، مثل قرى مشتة البطوم وفزارة نوار وقرية محمد الطيب وبني صالح التي تتبع لبلدية بوحجار. كما هرب من النيران سكان قرية التفاحة ببلدة العصفور، وقرى سماتي المطروحة وعين خيار التي تتبع لبلدية الطارف. وقد سهّلت الرياح العاتية التي تجاوزت سرعتها 70 كيلومتراً في الساعة توسع النيران وانتقالها من جهة إلى أخرى، وعطّلت التدخل الفاعل لطائرات الإطفاء العمودية، وعمليات إنقاذ الضحايا عبر طرقات الغابات".

الصورة
عدم صيانة مسارات الغابات ومناطق الريف صعّب مهمة فرق الإطفاء (Getty)
عدم صيانة مسارات الغابات ومناطق الريف صعّب مهمة فرق الإطفاء (Getty)

ويؤكد ملوك أن "خسائر المزارعين كانت كبيرة بعدما التهمت النيران أشجار الزيتون ومحاصيل زراعية وخلايا النحل. وصعّب عدم وجود صيانة لمسارات الغابات والطرقات الريفية مهمات فرق الإطفاء. كذلك وصلت الحرائق إلى وسط الأحياء السكنية بمدينة القالة السياحية والساحلية، وبينها حي الألمان المحاط بأشجار، وأتت النيران على محمية القالة ومحيط البحيرات وحديقة البرابطية، فيما سارعت السلطات الى قطع إمدادات الغاز والكهرباء لتجنب حصول المزيد من الخسائر، من دون أن يمنع ذلك تضرر أكثر من 300 كيلومتر من تجهيزات شبكة الكهرباء" .
ومع اتساع موجة الحرائق في الأيام الأخيرة، زاد الغضب الشعبي من طريقة تعاطي الحكومة مع الكارثة. وركزت الانتقادات على عدم اتخاذ السلطات تدابير استباقية للحدّ من الكارثة، وعدم امتلاك البلد الغني بالنفط القدرات الكافية المطلوبة لمواجهة الحرائق، مثل طائرات الإطفاء، رغم أن الرئيس عبد المجيد تبون كان وعد قبل فترة بشراء أربع طائرات إطفاء. كما نقلت وسائل إعلام لقطات لنقاش دار بينه وبين مسؤول في شركة أجنبية متخصصة بصنع طائرات إطفاء، على هامش معرض الجزائر الدولي قبل شهرين، وأفادت بأن "تبون طالب المسؤول بتقديم عرض للجزائر من أجل شراء هذه الطائرات التي باتت ضرورية بعد الحرائق المهولة التي شهدتها منطقة القبائل شرقي البلاد العام الماضي، وخلّفت عشرات من الضحايا، وأتت على آلاف من هكتارات الغابات". 
وسخر نشطاء من الحريق بالقول إن "الاستعراض العسكري الأخير الذي حرصت فيه الجزائر على إظهار قوتها العسكرية، أصبح بلا معنى في ظل افتقاد أجهزة الإطفاء القدرات المطلوبة لتفادي الكوارث والتصدّي لها"، علماً أن الجزائر استأجرت أخيراً طائرة إطفاء ضخمة من روسيا لمدة ثلاثة أشهر، لكنها تعرضت لعطل أعلنت السلطات أنه سيجري إصلاحه غداً السبت.

الصورة
يشتكي نشطاء من افتقاد أجهزة الإطفاء القدرات الكبيرة (Getty)
يشتكي نشطاء من افتقاد أجهزة الإطفاء القدرات الكبيرة (Getty)

وحاولت الحكومة استباق الغضب الشعبي من بطء تحركها في مواجهة الحرائق الأخيرة. وزار رئيس الوزراء أيمن بن عبد الرحمن ولاية الطارف صباح أمس الخميس، لمعاينة أضرار الحرائق المهولة، كما أرسلت السلطات فرق إطفاء إضافية وتعزيزات لوجستية الى المنطقة من أجل المساعدة في إطفاء الحرائق.
ولم تتردد السلطات في التشكيك في كون هذه الحرائق مفتعلة، وهو ما أشار إليه وزير الداخلية كمال بلجود، في تصريح تلفزيوني قال فيه إن "عدداً من هذه الحرائق مفتعل، بحسب ما توصلت إليه التحقيقات، فيما تسببت الحرارة المرتفعة المسجلة في اندلاع 106 حرائق منذ بداية الشهر الجاري، والتي أتلفت 800 هكتار من الغابات، علماً أن حرائق ولاية الطارف هي الأكثر خطورة".

وخسرت الجزائر العام الماضي 100 ألف هكتار من الثروة الغابية بسبب الحرائق في منطقة القبائل، و20 في المائة من إجمالي هذه الثروة خلال العقد الماضي، ما دفع الحكومة الى إعلان خطة لإعادة تأهيل "السد الأخضر" بهدف زيادة الغطاء الغابي إلى 4.7 ملايين هكتار بحلول عام 2035 ، وإعادة تأهيل النظم البيئية المتضررة، بعد نجاح مشروع أول لغرس 43 مليون شجرة حتى عام 2021.

ذات صلة

الصورة
	 في خانيونس (ياسر قديح / الأناضول)

منوعات

بعد 5 أشهر من انطلاق حملات عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة المحاصر، لم يقتل الاحتلال المدنيين ويهدم المنازل فقط، ولكنه تسبب في كوارث وآثار بيئية كبيرة.
الصورة
غزة (محمد عبد/ فرانس برس)

مجتمع

ينذر تراكم النفايات في شوارع غزة بكارثة صحية وبيئية، وسط تحذيرات أممية من تفشي الأمراض والأوبئة بين السكان الذين يشكون عدم قدرة البلديات على التخلص منها.
الصورة
فقدت أدوية أساسية في درنة رغم وصول إغاثات كثيرة (كريم صاهب/ فرانس برس)

مجتمع

يؤكد سكان في مدينة درنة المنكوبة بالفيضانات عدم قدرتهم على الحصول على أدوية، خاصة تلك التي للأمراض المزمنة بعدما كانت متوفرة في الأيام الأولى للكارثة
الصورة
قاعة الأعراس في الحمدانية في نينوى في العراق 1 (فريد عبد الواحد/ أسوشييتد برس)

مجتمع

أعاد حريق قاعة الأعراس في محافظة نينوى العراقية الذي خلَّف مئات القتلى والمصابين، ليلة أمس الثلاثاء، مشهد الحرائق المتكرّرة التي شهدتها البلاد في السنوات الأخيرة والتي خلّفت مئات القتلى والجرحى.

المساهمون