مساكن الجزائر... فوضى عمرانية خلقت "مراقد"

مساكن الجزائر... فوضى عمرانية خلقت "مراقد"

الجزائر

كمال بوحدة

avata
كمال بوحدة
كمال بوحدة
23 يوليو 2022
+ الخط -

لا تزال مشكلات الفوضى العمرانية قائمة في الجزائر بسبب التوسع غير المنظم الذي تسببت فيه المباني المترامية على أطراف المدن، والتي تفتقد كل معالم الهوية العمرانية التي عرفت البلاد بها سابقاً. 
فعلياً جرى غضّ البصر عن التوسع العمراني غير الخاضع لأي تنظيم منذ الأزمة الأمنية التي شهدتها الجزائر في تسعينيات القرن العشرين، ثم عجزت الحكومات المتعاقبة عن حل مشكلات المساكن، رغم أنها أشرفت نفسها في بعض المراحل على تشييد أحياء سكنية جديدة افتقدت معايير تحقيق التنسيق العمراني المطلوب.

قضايا وناس
التحديثات الحية

قبل الأزمة الأمنية التي شهدتها الجزائر في تسعينيات القرن العشرين، كانت السلطات أكثر تحكماً نسبياً بالتنظيم العمراني، خاصة أن سكان الريف كانوا أكثر استقراراً في مناطقهم، بعدما نجحت السلطات في إيصال خدمات الكهرباء والماء إليهم، وأنشأت مدارس ومراكز صحية فيها. لكن تمركز الجماعات الإرهابية في الجبال والمناطق الريفية أدى إلى نزوح آلاف العائلات من الجبال خوفاً من بطش هذه الجماعات. واستقر أفرادها على أطراف المدن فتشكلت أحياء عشوائية ومبانٍ فوضوية لم تستطع الحكومات الحدّ منها، وسط ظروف عصيبة حتمت وضعها محاربة الجماعات الإرهابية واستعادة الأمن على رأس الأولويات، في وقت كانت الفوضى العمرانية تتوسع.

وبانتهاء "العشرية السوداء"، حاولت السلطات التنبه الى ملف التنظيم العمراني، وإزالة الأحياء والمباني والمنشآت العشوائية. وطرح الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة مشروع "المليون سكن" لإعادة إسكان العائلات في أحياء تخضع لتنظيم جيد. لكن هذا البرنامج لم يعالج المشكلات القائمة بسبب ارتفاع الطلب على المساكن والنمو الديموغرافي الذي عرفته الجزائر، وكذلك بسبب تأخير إنجاز مشاريع سكنية عرقلها تطبيق إجراءات بيروقراطية، وظهور تعقيدات خاصة بأوضاع العقارات، إلى جانب نقص المؤسسات التي تملك المؤهلات المناسبة لإنجاز المشاريع الضخمة. 

الصورة
قوالب إسمنتية ومساكن ضيقة (العربي الجديد)
قوالب إسمنتية ومساكن ضيقة (العربي الجديد)

ودفع ذلك جزائريين كثيرين إلى اللجوء مجدداً إلى الحلول الذاتية من أجل تخليص أنفسهم من أزمة السكن عبر بناء مساكن في مناطق شاغرة وعلى أطراف المدن، وأحياناً قرب أودية وأراضٍ مهددة بانهيارات للتربة وقرب شواطئ. وشيّدت مساكن على أراضٍ زراعية ذات خصوبة عالية، وأخرى تحت خطوط شبكات الضغط العالي للكهرباء. وتوسعت بعضها إلى أزقة وطرقات داخل أحياء، ما أدى إلى حصول كوارث مثل فيضانات وانهيار مبانٍ وانفجار أنابيب غاز.

بعيداً من البيوت الواسعة
وفيما ساهمت بعض المشاريع السكنية التي أنجزت خلال العقدين الماضيين في توفير حلول جزئية لمشكلات سكن آلاف من الأسر الجزائرية، وهو ما استهدفته الحكومة تحديداً. لكن هذا الأمر لم يترافق مع أي اهتمام من السلطات بالنظرة الجمالية للمدن والأحياء السكنية، أو تنسيق عمراني يتلاءم مع متطلبات مشاريع المدن الحديثة. لذا تسارعت التوسعات العمرانية وزاد عدم تنظيمها، وبينها في ضواحي الجزائر العاصمة ومنطقة درقانة ورغاية، وأولاد فايت وزرالدة.
ويعتبر المهندس المعماري عادل سحنون الذي يملك مكتباً للاستشارات والدراسات المعمارية في الجزائر العاصمة، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن البرامج السكنية التي أنجزت تمكنت نوعاً ما من حل أزمة السكن، لكنها أفقدت في المقابل المساكن الجزائرية هويتها العمرانية. أما المهندس شاكر محمد، وهو صاحب مكتب للدراسات المعمارية في ولاية عين الدفلى (غرب) فيقول لـ"العربي الجديد" إن "استعجال تنفيذ المشاريع السكنية في الجزائر واعتماد السلم الاجتماعي في عمليات الشراء حوّلا المساكن إلى مراقد هي عبارة عن قوالب إسمنتية ومساكن ضيقة لا تمت بأي صلة للطبيعة الاجتماعية للجزائريين الذين يميلون إلى البيوت الواسعة". يضيف: "معظم البرامج السكنية لا تراعي الطابع الاجتماعي للمناطق، والعمارات العالية التي يجبر الجزائريون على المكوث فيها بسبب أزمة السكن، تتحول إلى مصدر قلق وضغط نفسي بالنسبة إليهم في ظل عدم قدرتهم على التأقلم مع البيئة السكنية الجديدة".

الصورة
غالبية المساكن والمباني غير مكتملة (العربي الجديد)
غالبية المساكن والمباني غير مكتملة (العربي الجديد)

وقد حاولت السلطات فرض قوانين تلزم المواطنين استكمال الأعمال الخارجية لمبانيهم المشيّدة، لكنها ظلت حبراً على ورق وأخفقت السلطات في تنفيذها، وهو ما ساهم به مواطنون أيضاً من خلال عدم التزامهم مخططات البناء الهندسية التي قدمتها السلطات لهم، وحددت في غالبيتها مساحات البناء وعدد الطوابق. ووسع هؤلاء المواطنون مساكنهم من دون الحصول على موافقات من الجهات التقنية المختصة، ما تسبب في تشكيل مئات من المباني التي لا تتطابق مع المعايير العمرانية التي وضعتها البلديات.

نسق عمراني مثير للاشمئزاز
في السياق، تؤكد المهندسة حكيمة عنان التي ترأس مجلس المهندسين الجزائريين لمحافظة تيبازة قرب الجزائر العاصمة، أن النسق العمراني الحالي داخل المدن الجزائرية يثير الاشمئزاز والنفور بسبب التناقض في المظهر الخارجي للمباني.

الصورة
حلول المساكن اللائقة مطلوبة في الجزائر (العربي الجديد)
حلول المساكن اللائقة مطلوبة في الجزائر (العربي الجديد)

وتقول في تصريح لـ"العربي الجديد": "من المحير رؤية مبانٍ زجاجية من خمسة طوابق ملتصقة مع بنايات غير مكتملة، ووضع مخططات متناقضة لتشييد منازل، ما يجعلنا نعجز أحياناً عن تصنيف الأحياء باعتبارها عصرية أم شعبية أم تعاونيات عقارية. والمدن الجديدة لا تخضع لدراسات تقنية واجتماعية عميقة، فمدينة علي منجلي بمحافظة قسنطينة كارثة بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى بسبب النتائج السلبية التي ظهرت بعد ترحيل السكان، وتحولها إلى مسرح لحرب العصابات. وهي خطر حقيقي يهدد أمن المحافظة. وقد حان وقت الاستعانة بخبراء ومتخصصين، وفتح النقاش لإيجاد حلول وسبل تكفل إنجاز مساكن تليق بالجزائريين، وتشكل محطة استقرار تحفظ كرامتهم وتجعلهم يعيشون بسلام".

ومنذ سنوات، يعيش سكان مدينة علي منجلي الذين يتجاوز عددهم نصف مليون على كوابيس الجرائم البشعة المرتكبة، في غياب القوة الرادعة وكل أجهزة الدولة، علماً أنّها كانت شيّدت لاحتضان سكان قادمين من 48 ولاية.
وتجد مصالح الحماية المدنية صعوبات في نقل جرحى لدى اندلاع شجارات جماعية في المدينة، بسبب الوضع الأمني المتردّي فيها.

ذات صلة

الصورة
دمرت الفيضانات أحياء كاملة في درنة (فرانس برس)

مجتمع

لكل ناجٍ من فيضانات درنة المروعة قصة، لكن قصص الناجين تشترك في وصف هول ما عايشوه خلال تدفق السيول عقب انفجار السد، وتكشف حجم مصابهم بعد فقدان عائلاتهم ومساكنهم، ومستقبلهم
الصورة

سياسة

أكدت فرنسا، يوم الجمعة، وفاة فرنسي و"احتجاز آخر في الجزائر، في حادث يشمل عدداً من مواطنينا"، بعدما أفادت تقارير صحافية مغربية، أمس الخميس، عن مقتل سائحين يحملان الجنسيتين المغربية والفرنسية بنيران خفر السواحل الجزائري.
الصورة
كيف غيّر القائمون على فيلم "باربي" قواعد التسويق بتكلفة 150 مليون؟

منوعات

قرّرت وزارة الثقافة الجزائرية سحب ترخيص عرض فيلم "باربي" من صالات السينما في البلاد، بحسب ما ذكرته صحيفة الشروق الجزائرية. 
الصورة
عشرات الحرائق المستعرة في شرق الجزائر (فضيل عبد الرحيم/ الأناضول)

مجتمع

تتحدث السلطات الجزائرية عن طابع جنائي لعشرات الحرائق المستعرة، في حين يتواصل النقاش حول غياب خطط استباقية للوقاية، وقدرات السيطرة المبكرة على الحرائق، خاصة أنها تتكرر منذ عام 2018.

المساهمون