تدفق مهاجري المغرب إلى سبتة مستمر

تدفق مهاجري المغرب إلى سبتة مستمر

20 مايو 2021
شبان مغاربة يتسلقون الجدار الحدودي مع سبتة (العربي الجديد)
+ الخط -

خلفت مشاهد تدفق آلاف المهاجرين من المغرب إلى مدينة سبتة، خلال الأيام الأخيرة، صدمة شعبية بعد تناقل صور وفيديوهات لأشخاص، من بينهم قاصرون، يحاولون العبور، سواء سباحة، أو مشياً، ووصل نحو 6 آلاف مهاجر خلال فترة قصيرة إلى سبتة الواقعة تحت السيطرة الإسبانية، ما استدعى استنفاراً أمنياً من قبل مدريد، وكان لافتاً رواج هواجس في الأوساط الحقوقية والسياسية المغربية من تزايد أعداد المهاجرين، ما دفع كثيرين إلى طرح أسئلة حول الأسباب الكامنة وراء تفاقم الظاهرة بشكل غير مسبوق.
يقول محمد الغزواني، وهو أحد الشبان الذين وصلوا إلى سبتة سباحة انطلاقاً من مدينة الفنيدق المغربية: "المهم هو الوصول إلى الشاطئ الآخر بأيّ ثمن، تفشل المحاولة، فأكررها مجدداً بالرغم من كلّ المخاطر"، مشيراً إلى قرار السلطات الإسبانية بإعادته إلى الأراضي المغربية. ويضيف الغزواني، متحدثاً لـ"العربي الجديد": "منذ إغلاق معبر سبتة، لم يعد عندي مصدر رزق، إذ اضطر تاجر المواد المهربة الذي أعمل معه إلى إغلاق محله، وأعلن إفلاسه. زاد الوضع حدة مع الإقفال بسبب تفشي فيروس كورونا، فلم أعد أجد ما أعيل به نفسي وأسرتي في ظل عجز السلطات عن توفير فرص عمل لمئات الشباب العاطلين من العمل، وبالتالي لم يعد أمامنا غير الهجرة".
ومنذ قرار السلطات المغربية، في ديسمبر/ كانون الأول 2019، إغلاق معبر "باب سبتة" أمام تجار السلع المهربة، تضررت مدينة الفنيدق بشكل كبير، وطاولت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية معظم الفئات، ما أدى إلى اندلاع احتجاجات في فبراير/ شباط الماضي، كما دفعت الأزمة شخصيات بارزة في المنطقة إلى توجيه نداء للحكومة المغربية من أجل إنقاذ المدينة من الأزمة التي خلفها إغلاق المعبر، والذي تزامن مع تداعيات جائحة كورونا.
يمتهن مئات المغاربة تهريب السلع من مدينتي سبتة ومليلية، الخاضعتين للإدارة الإسبانية، إلى داخل المغرب؛ وخلال الأسابيع الماضية، عملت السلطات على مضاعفة تحركاتها لاحتواء الأوضاع من خلال عقد لقاء مع مسؤولي منطقة الفنيدق لدراسة البدائل الممكنة، كما أعلنت عن إطلاق برنامج لـ"تفعيل آليات الدعم والمواكبة من أجل تحسين قابلية التشغيل، وتحفيز ريادة الأعمال للفئات الهشة، وخاصة النساء والشباب". غير أنّ تلك الإجراءات لم تفلح، كما يبدو، في حلّ معضلة البطالة التي تفاقمت.
يقول رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان (غير حكومي)، محمد بنعيسى، لـ"العربي الجديد"، إنّ "مشاهد تدفق المهاجرين تكشف عن أزمة اقتصادية واجتماعية عميقة، وهي أزمة ليست في تلك المنطقة التي كانت تعرف نشاط التهريب، وإنّما في البلاد ككلّ، كما تؤشر إلى فقدان الأمل في التغيير لدى الشباب الذين يقررون الهجرة".

الصورة
غرق كثيرون خلال السباحة نحو سبتة (العربي الجديد)
(العربي الجديد)

وبحسب دراسة أجراها المرصد، فإنّ "85 في المائة من شباب المغرب يرون أنّ وباء كورونا زاد من تكريس الفوارق الاجتماعية، و18 في المائة يعتبرون الهجرة هدفاً مستقبلياً، فيما أشار 38 في المائة إلى أنّ هدفهم هو إتمام الدراسة، وقال 17 في المائة إنّهم سيحاولون تأسيس مشروع مهني خاص إذا توفر الدعم، و13 في المائة سيبحثون عن وظيفة في القطاع العام".
وتسبب تفشي فيروس كورونا في أزمات خطيرة أثرت على آلاف العمال، وخصوصاً في المصانع والمقاهي والمتاجر، بعدما توقفت تلك الأعمال، لكنّ الأثر الاقتصادي الأشدّ للجائحة، والذي تزامن مع إغلاق المعبر، لحق بالعاملين في القطاع غير المنظم، ممن يزاولون مهناً متواضعة الدخل في الأغلب، لا تتيح لهم القدرة على الادخار.
ويلفت محمد بنعيسى إلى أنّ موجة الهجرة غير المسبوقة نحو مدينة سبتة تفوق بمراحل كبيرة الانتعاش السنوي المعتاد لمحاولات الهجرة خلال الفترة بين مايو/ أيار وسبتمبر/ أيلول، والتي تعتمد على تحسن الأحوال الجوية التي تساعد في نجاح عمليات الهجرة عبر البحر، أو تخفض من مخاطرها.
ويرى رئيس العصبة المغربية لحقوق الإنسان (غير حكومية)، عادل تشكيطو، أنّ تفاقم ظاهرة الهجرة إلى سبتة "يؤكد الفشل الذريع للسلطات المغربية في التعاطي مع مطالب السكان، واكتفائها بتقديم حلول تسويفية لا يمكنها أن تملأ طنجرة البسطاء من أبناء المنطقة، أو تحفظ كرامتهم، أو تمكنهم من إعالة عائلاتهم". ويقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "تعامل السلطات مع الاحتجاجات بمقاربة أمنية، أو الحديث عن حوار على قاعدة الحلول التي يمكن تنفيذها على المدى المتوسط، سيزيد من تأزيم الوضع وتعميق هوة أزمة انعدام الثقة، كما هو الحال الآن".

ويلفت تشكيطو إلى أنّ "عجز الحكومة عن إيجاد حلول مستعجلة تسدّ رمق الجوعى من أبناء المنطقة، أفسح المجال لليأس في نفوس سكان الفنيدق، وأضحى انعدام الثقة حطباً يزيد من غضبهم، ما جعل العديدين منهم يفضلون الموت بين الأمواج، أو على الأسلاك الحدودية، على العيش في ظلّ واقع لا يحفظ الكرامة". ويعتبر الحقوقي المغربي أنّ "المسؤولية تتحملها الحكومة بشكل مباشر، لأنها أغلقت معبر سبتة من دون أن تطرح بدائل عملية لسكان مدينة الفنيدق الذي يكسبون رزقهم من التهريب، وكذلك العمال والمستخدمين الذين يشتغلون في مصانع ومعامل وإدارات سبتة، والذين يفوق عددهم المئات، وغالبيتهم فقدوا عملهم بسبب منعهم من العودة إلى سبتة". ويضيف: "الصراع الدبلوماسي المغربي الإسباني أنسى الحكومة في الرباط أداء أحد أدوارها الرئيسية في ضمان العيش الكريم للمواطنين، وهي تتحمل المسؤولية عن كلّ ما يقع هناك من كوارث إنسانية".
في السياق ذاته، يرى الباحث في علم الاجتماع منعم الكزان أنّ "إغلاق المعبر بالتزامن مع تأثيرات جائحة كورونا، أوصل العديد من الأسر إلى عتبة الفقر في ظل غياب بدائل اقتصادية في المنطقة، فأصبحت خيارات السكان المتاحة إما البطالة أو الهجرة السرية، مع غياب بصيص من الأمل في التغيير القريب، وتفكير الحكومة بمنطق اللحظة من دون تخطيط استراتيجي، فضلاً عن تأخر إنجاز المشاريع التي تسمح باستيعاب العاطلين من العمل، والتي توازي في قيمتها مدخول التهريب". ويقول الكزان لـ"العربي الجديد"، إنّ "التحول الاقتصادي من نمط إلى نمط آخر ليس سهلاً، وعلى الحكومة تحمل مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع نتيجة سوء تدبيرها للقضايا المرتبطة بالتنمية في الشمال المغربي، والذي خلف، وما زال، تبعات اجتماعية وسياسية تضرر منها المجتمع والدولة على حد سواء، فضلاً عن اهتمام النخب المتعاقبة بالمجال السياسي أكثر من اهتمامها بالجانب التنموي، وسيادة اقتصاد الريع الذي يعرقل إنتاج الثروة، وكذا توزيعها بشكل عادل".

الصورة
لم تنجح كثير من محاولات الهجرة نحو سبتة (العربي الجديد)
(العربي الجديد)

ويشير الكزان إلى أنّ "محاولات الهجرة الأخيرة نحو سبتة تحولت إلى حدث كبير كونها كانت هجرة جماعية غير مسبوقة، كما أنّ وسائل التواصل أعطتها زخماً بعدما أظهرت سهولة وصول الشباب عن طريق السباحة إلى المدينة، ما أدى إلى تدفق عدد أكبر من المهاجرين، مستفيدين من تخفيف التدابير في فترة رمضان وعيد الفطر، سواء في الجانب المغربي أو الإسباني، إضافة إلى تكرار شائعات حول فتح السلطات في البلدين المعبر المغلق".
من جهتها، تلفت الباحثة في شؤون الهجرة فاطمة الزهراء غطوس إلى أنّ "الإعلان عن عدد المهاجرين الذين عبروا إلى مدينة سبتة كان له أثر بالغ في توجيه الأنظار إلى قضية الهجرة، والتي كانت قبل تدفق المهاجرين تقتصر على الباحثين الأكاديميين والمهتمين بشؤون الهجرة من السياسيين والدبلوماسيين"، مشيرة إلى أنّ "ما أثار حفيظة المهتمين بشؤون المهاجرين وحماية الأطفال كان تسجيل عدد كبير من القاصرين، من بينهم أطفال صغار، بين المهاجرين الجدد، وهناك عوامل عدة ساهمت في تكريس تصور نمطي بأنّ البلاد الأوروبية هي الملاذ الأخير للشباب المغربي، من أبرزها تسويق المهاجرين المغاربة للوضع المريح والآمن وشروط العيش الكريم في الفردوس الأوروبي، كما أنّ شبكات التواصل سهلت عملية التواصل بين الأشخاص الذين نجحوا في عبور الحدود الإسبانية والحالمين بالالتحاق بهم". وتوضح الباحثة، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أنّ "ظاهرة الهجرة السرية للشباب المغربي تجاوزت حلم العيش في بلد أوروبي، لتصبح بديلاً وحيداً عن الظروف المتردية، وذلك في غياب استراتيجية واقعية واضحة المعالم تستجيب لمتطلبات الشباب والمراهقين، وفي ظلّ هذا الواقع، سيظل المغرب مصنعاً لإعادة إنتاج الظاهرة".

المساهمون