بطش الأرواح... خوف الصينيين من الشر قديماً وحاضراً

بطش الأرواح... خوف الصينيين من الشر قديماً وحاضراً

19 نوفمبر 2022
يعيش الصينيون وسط قصص أشباح وحكايات مروعة (هكتور ريتامال/ فرانس برس)
+ الخط -

يعتبر الشهر السابع من التقويم القمري في الصين، شهر الأرواح الشريرة والأشباح المتجولة. وبحسب المعتقدات والتقاليد الصينية، تكون أرواح الأموات أكثر نشاطاً في هذا الشهر من كل عام، وتنطلق في الطرقات بحثاً عن أشخاص غير حذرين وضعفاء لافتراسهم والفتك بهم ليلاً، لذا يحرص الناس في تلك الأوقات على التزام بيوتهم لدرء الخطر. 
يقول أحد المؤرخين: "في القرن الثامن عشر، حتى اللصوص كانوا يبحثون عن مأوى عندما يحل الليل، لأن بعض الأشياء الكامنة في العتمة تكون أكثر فتكاً من قطاع الطرق والسفاحين". 
وتكشف الحكايات الشعبية والسجلات الرسمية التي يحتفظ بها العلماء والباحثون من أتباع الفيلسوف كونفوشيوس، الذين يُفترض أنهم يتمتعون بعقل راجح ورصانة، العديد من التقارير التي توضح بالتفصيل لقاءات خارقة للطبيعة مع ظواهر دنيوية أخرى، وأن هناك تاريخاً طويلاً من تفاعل الأرواح مع الأحياء في الصين. ورغم أن الصينيين القدماء عاشوا في عالم مختلف عن اليوم حين كانت فيه القوى الخارقة للطبيعة جزءاً أساسياً من معتقدات الناس، تتواصل الهستيريا وانتشار المعلومات المضللة والخوف غير العقلاني حتى اليوم، وتستمر قصص الأشباح والحكايات المروعة والأساطير في توجيه سلوك أولئك الذين ينظرون إلى الحاضر على أنه امتداد للماضي بكل طقوسه ومعتقداته".

"الخوف كبر معنا"
تخبر مي جين، وهي طالبة في جامعة كوانجو (جنوب)، "العربي الجديد"، أنها ما زالت تذكر حين كانت في السادسة من عمرها، إغلاق جدتها باب المنزل يومياً قبل غروب الشمس في الشهر السابع بحسب التقويم القمري. وتقول: "كنا نعتقد صغاراً حينها بأن آكلي لحوم البشر يجوبون الطرقات وينتظرون لافتراس من يخرج من البيت، وكنا ننظر خلسة من النوافذ إلى الأزقة الخالية من المارة. كان السكون يسيطر على كل شيء، والخوف كبر معنا وما زال يلازمنا حتى اليوم". 
وعما إذا كانت تعتقد، بعدما أصبحت طالبة جامعية الآن، بأن أرواحا شريرة تتربص بالإنسان، تقول مي: "لا يمكن الاستخفاف بالمعتقدات التي ورثناها عن الأجداد. تحصل حوادث كثيرة في هذا التوقيت، نسمع عن جرائم مجهولة وحوادث سير غريبة، ولا أعتقد بأن ذلك عبثي، فلا بدّ من وجود سبب لذلك، لكنني متأكدة من عدم وجود آكلي لحم البشر كما كنت أظن قبل 16 عاماً، ومع ذلك تجعلني هذه المخاوف أؤمن بوجود قوى تبث طاقة سلبية ودوافع شريرة ترفع منسوب الجرائم خلال فترة محددة من الزمن".
وأظهرت أرقام أصدرتها وزارة النقل ارتفاع عدد حوادث السير في البلاد خلال الشهر السابع من العام القمري مقارنة بباقي أشهر السنة، كما أفادت دراسة حديثة أعدتها الجمعية الصينية للصحة النفسية بأن "الصين تشهد خلال نفس الفترة تراجعاً في مستوى النشاط الذهني، حيث يدخل الناس في ما يشبه السبات خوفاً من لعنة الأرواح الشريرة.

الصورة
الخوف غير العقلاني ما زال موجوداً (هكتور ريتامال/ فرانس برس)
الخوف غير العقلاني ما زال موجوداً (هكتور ريتامال/ فرانس برس)

قوى الشر
وتعلّق الباحثة الاجتماعية لان جو يان عن ظاهرة شيوع هذه المعتقدات، بالقول لـ"العربي الجديد": "شكلت الخرافات جزءاً أساسياً من التراث الصيني، وما زالت تترك أثراً كبيراً وتسيطر على عقول الشباب حتى في القرن الواحد والعشرين، لكن لا يمكن إغفال البعد الفلسفي والنزعة الكونفوشيوسية لفهم هذه المعتقدات، ففلسفة "يين ويانغ" القديمة التي يجسدها رسم دائري يمثل الكون وينقسم إلى نصفين متساويين أحدهما أبيض يمثل الطاقة الإيجابية والثاني أسود يمثل الطاقة السلبية، ما يمثل تصارع القوى في هذه الدائرة، والتي تنشط كل منها في فصول محددة فتكون لها الغلبة. من هنا اعتقد الأجداد بأنه في الشهر القمري السابع تكون الغلبة لقوى الشر، ما يجعلها تنتشر بكثافة وتكون متعطشة لافتراس الآخر، لذا يجب أن يأخذ الناس الحيطة والحذر خلال هذه الفترة".
تضيف: "يبرر البعد الفلسفي استمرار وتأثير الخرافة على عقول الشباب، وهناك أكاديميون وطلاب جامعيون ما زالوا يؤمنون بذلك، كما أن بعض تعاليم البوذية تبث أفكاراً مماثلة، حين تتحدث عن الصراع بين قوى الخير والشر، وسبل طرد الأرواح الشريرة، وعودة روح الميت في شهر محدد من كل عام (إبريل/  نيسان) إلى منزله". 
وتلفت إلى أن الكثير من المشاريع تؤجل إلى وقت لاحق لمجرد أن افتتاحها يتزامن مع شهر تكون الغلبة فيه لقوى الشر، مثل حفل زفاف، أو افتتاح مطعم. ولا يقتصر الأمر على المستوى الشعبي، فهناك أيضاً تحفظ على المستوى الرسمي للسبب نفسه.

وتؤكد لان أن "لا مفر من سطوة الخرافات، ولا سبيل لمكافحتها لعوامل عدة، منها احترام التراث، واعتناق البوذية، والإيمان المطلق بتعاليم كونفوشيوس، وكلها خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها في الصين. وهكذا لا ينبغي أن نشعر بدهشة واستغراب إذا وجدنا سكان قرية يبلغ تعدادهم 500 ألف نسمة لا يغادرون منازلهم ليلاً في الشهر السابع خوفاً من بطش الأرواح الشريرة".

المساهمون