اليمن: متسوّلون محتاجون وعصابات

اليمن: متسوّلون محتاجون وعصابات

15 نوفمبر 2021
مجموعة متسوّلين أمام سيارة في صنعاء (محمد حويس/ فرانس برس)
+ الخط -

أجبرت الحرب آلاف الأسر اليمنية على الخروج إلى أرصفة الشوارع ومدّ يدها للتسوّل بسبب حال الفقر المدقع والجوع التي تواجهه غالبيتها، لكن عصابات منظمة استغلت أيضاً تردي الأوضاع الإنسانية، وأجبرت أطفالاً على التسوّل لحسابها. 
بعض فقراء اليمن لم يملكوا مع تردي الأوضاع الإنسانية عاماً بعد عام إلا خيار التسوّل، في وقت تؤكد الأمم المتحدة أن 20 مليون شخص يشكلون ثلثي عدد سكان اليمن يحتاجون إلى مساعدة، منهم 12 مليوناً يجب توفير مساعدات غذائية ملحة لهم لتجنيبهم الجوع، ما يعني أن ظاهرة التسوّل ليست حديثة النشأة في مدن اليمن، لكن الأوضاع الإنسانية التي أفرزتها الحرب وانعدام مصادر الدخل وارتفاع أسعار السلع فاقمت الظاهرة في شكل غير مسبوق.
وهكذا تعج مدن اليمن الرئيسية بآلاف المتسولين من نساء وأطفال وكبار السن الذين يحاصرون المارة وركاب السيارات بحثاً عمّا تجود به أياديهم من فئات نقدية لم تعد ذات قيمة في ظل الانهيار القياسي للعملة الوطنية.
وينشط المتسوّلون منذ ساعات الصباح الباكر حتى ذروة الازدحام في الظهيرة في تقاطعات الشوارع الرئيسية، كما الحال في شارع جمال عبد الناصر وسط مدينة تعز، وتقاطعات كل شوارع المدن الخاضعة للسلطات الحوثية أو لحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترف بها دولياً. ويبتكرون وسائل حديثة لكسب التعاطف، إذ تحاول بعض النساء إقناع المارة بمنحهن ثمن علبة دواء يعرضنها عليهم، فيما يمد الأطفال أياديهم للتسوّل مباشرة قائلين إن لا كسرة خبز في منازل عائلاتهم. كما لا تزال الطرق التقليدية للتسوّل حاضرة عبر استغلال حالة مرضية لطفل أو شخص ذي إعاقة طاعن في السن. 
ورغم أن غالبية المتسوّلين محتاجون، يمتهن مئات منهم التسوّل رغم عدم حاجتهم إلى ذلك. ويقول مسؤول محلي في تعز لـ"العربي الجديد": "وجدت مئات من الأسر في التسوّل مهنة سهلة لتحقيق الربح وتشييد منازل خاصة في مناطق عشوائية. ولا يتردد بعضها في دفع النساء والفتيات والأطفال للتسوّل يومياً".
ويشير إلى أن المتسوّلين ينتقون مواقعهم بعناية، حيث يحرص كُثر على التواجد أمام مقار بنوك وشركات للصيرفة، وأمام بوابات الأسواق الشعبية والمطاعم، وكل الأماكن التي يرتادها الميسورون. 

تشدد متسوّلة في مدينة تعز تحدثت لـ"العربي الجديد" على أن الوقوف أمام مقار شركات الصيرفة والبنوك أفضل من التواجد أمام بوابات المساجد، رغم أن زوار دور العبادة يحرصون على التصدّق على المساكين "فأولئك الذي يقصدون البنوك يكونون أكثر كرماً مع المتسوّلين". 
وبالطبع تتفاوت مكاسب المتسوّلين، إذ تبدو المتسوّلات في شوارع تعز أكثر قدرة على كسب الأموال، باستخدام مهاراتهن في الإقناع التي تميّز أسلوبهن، وإصرارهن الشديد أحياناً. 

أطفال ناشطون في "المهنة" (عبد الرحمن عبدالله/ فرانس برس)
عصابات منظمة تستغل الأطفال (عبد الرحمن عبدالله/ فرانس برس)

وتخبر متسوّلة خمسينية "العربي الجديد" أنها تجني نحو 10 دولارات، لكن ذلك يتطلب مكوثها أكثر من سبع ساعات تحت أشعة الشمس. 
ورغم اكتظاظ الشوارع بالمتسوّلين، يصارع أفراد عشرات من الأسر المعدمة الجوع في منازلهم، ويرفضون مدّ يدهم للتسوّل خصوصاً أولئك المنتمين إلى الشريحة التي تضررت خلال سنوات الحرب بسبب تجميد رواتب معيليها، أو انعدام مصادر الدخل. 
ورغم تردي الأوضاع المعيشية في شكل غير مسبوق، لا يكترث مسؤولو الحكومة المعترف بها دولياً في مدن جنوب اليمن وشرقه لظاهرة التسوّل المتفاقمة، واضطرار بعض الأفراد إلى تناول ورق الشجر لسد جوعهم، وفقاً لتقرير حديث أصدره برنامج الغذاء العالمي عن الحال في محافظات المهرة وسقطرى وحضرموت والبيضاء. 
من جهته، يتحدث الناشط في فرق تعز للإغاثة محمد الأديمي لـ"العربي الجديد" عن وقف السلطات الحكومية رواتب الضمان الاجتماعي التي كانت تمنحها للأسر الفقيرة، ويؤكد أنه لولا المساعدات الغذائية التي تقدمها الأمم المتحدة شهرياً لخرج ملايين إلى الشوارع للتسوّل، وحصلت مجاعة حقيقية. 
في صنعاء، تتعامل سلطات جماعة الحوثيين مع ظاهرة التسوّل من منظور أمني بحت، وتزعم أن "عصابات تستخدم التسوّل كغطاء لعمليات الرصد وتنفيذ جرائم سرقة وخطف، وأن البعض يتعمد إحداث إعاقات لأشخاص من أجل استعطاف المحسنين". 

قضايا وناس
التحديثات الحية

وقد استحدثت السلطات الحوثية لجنة خاصة لمعالجة ظاهرة التسوّل تضم ممثلين لـ 12 هيئة رسمية. وتفيد هذه اللجنة بأنها تملك معلومات أمنية عن تحوّل الظاهرة إلى عمل منظم تديره عصابات تستغل الأطفال عبر ابتزازهم وإجبارهم على التسول. 
ووعدت اللجنة الحوثية بتقديم مبلغ مالي شهري للمتسوّلين العاجزين عن العمل ومن دفعتهم الحاجة الحقيقية إلى التسوّل، وباستيعاب الأطفال القادرين على العمل لدمجهم في المجتمع، وتوفير الرعاية للأطفال الصغار وإيداعهم مراكز رعاية متخصصة بالطفولة الآمنة. لكنّ أيّاً من هذه الوعود لم يترجم على أرض الواقع، وأبدى مصدر حقوقي التقته "العربي الجديد" تخوفه من محاولة الحوثيين حصر المتسوّلين تمهيداً لتجنيد الأطفال في جبهات القتال: "مع تصاعد المعارك في مأرب زاد تجنيد الأطفال في صنعاء بشكل لافت، واقتيد فتيان في الـ13 من العمر إلى جبهات القتال بعد إخضاعهم لتدريبات". 

المساهمون