المغاربة يحتفلون برأس السنة الأمازيغية: مطالب بعطلة رسمية وطقوس خاصة

المغاربة يحتفلون برأس السنة الأمازيغية: مطالب بعطلة رسمية وطقوس خاصة

13 يناير 2023
احتفال سابق برأس السنة الأمازيغية في المغرب (جلال مرشدي/الأناضول)
+ الخط -

يحتفي المغرب، اليوم الجمعة، برأس السنة الأمازيغية الذي يصادف في 13 يناير/كانون الثاني من كلّ عام، بالتزامن مع تزايد مطالب الفعاليات الأمازيغية بجعل هذه المناسبة عيداً وطنياً مدفوع الأجر، وإعلان الحكومة التزامها بتسريع عملية اعتماد التقويم الأمازيغي رسمياً.

وما زال مطلب الحركة الأمازيغية في المغرب بإقرار رأس السنة الأمازيغية مناسبة رسمية، على غرار رأسَي السنة الميلادية والهجرية، يراوح مكانه ويثير جدالاً كبيراً في المشهد السياسي بالبلاد.

وقد دأبت الحركة الأمازيغية وجمعيات حقوقية عديدة، خلال الأعوام الماضية، على رفع مطلب إقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية، خصوصاً في ظلّ سريان دستور عام 2011 الذي جعل اللغة الأمازيغية رسمية إلى جانب اللغة العربية، غير أنّ هذا المطلب الملحّ عالق حتى الساعة بسبب ما تعدّه الحركة الأمازيغية غياباً للإرادة السياسية في ما يخصّ التعاطي الإيجابي مع هذا المطلب وإنصاف الأمازيغ عموماً في المغرب.

الأسبوع الماضي، وجّهت 45 منظمة مدنية وحقوقية ونسائية أمازيغية رسالة إلى الملك محمد السادس، تطالب فيها بجعل رأس السنة الأمازيغية عيداً وطنياً وعطلة رسمية كما بقيّة الأعياد والعطل الرسمية.

يقول الناشط الأمازيغي ورئيس "العصبة الأمازيغية لحقوق الإنسان" بوبكر أونغير، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الأمازيغ المغاربة إسوة بإخوانهم في العالم ينتظرون إعلاناً مغربياً رسمياً بإقرار رأس السنة الأمازيغية عيداً رسمياً وعطلة وطنية، وذلك إقراراً بالتنوّع الثقافي كما الحضاري اللذَين تتميّز بهما بلادنا. كذلك، فإنّ المغاربة الأمازيغ ينتظرون من أعلى سلطة في البلاد أن تقرّ هذا الاعتراف الرمزي المهمّ الذي من شأنه تعزيز الوحدة الوطنية وارتباط المغرب بتاريخه الحضاري العريق".

ويلفت أونغير إلى أنّ "من يعرقل إقرار رأس السنة الأمازيغية عيداً رسمياً هي عقليات متحجّرة ترى الاعتراف بحقوق الأمازيغ والاحتفاء بتراثهم وثقافتهم إذكاءً للتفرقة أو إثارة للنعرات القومية الضيقة. وهذا ليس صحيحاً، لأنّ الأمازيغ بناة أوطان وحريصون كلّ الحرص على الوحدة الوطنية وعلى احترام كلّ الشعوب والثقافات الأخرى".

وكان الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقات مع البرلمان المتحدث الرسمي باسم الحكومة مصطفى بايتاس قد قال عشيّة الاحتفال برأس السنة الأمازيغية، خلال المؤتمر الصحافي الذي أعقب انعقاد المجلس الحكومي أمس الخميس، إنّ ثمّة تفعيلاً حقيقياً للأمازيغية وإنّ الحكومة ماضية في اتّجاه تكريس العدالة اللغوية كما الثقافية في المغرب.

وأشار بايتاس إلى أنّ الخطوات الحكومية في إقرار الأمازيغية "ليست فلكلورية"، بل حقّقت مكاسب عديدة تساهم في التراكم الذي قامت به اللغة الأمازيغية منذ "خطاب أجدير" (خطاب ألقاه الملك المغربي في عام 2001  وشكّل نقطة انطلاق مسار الاعتراف بالأمازيغية) حتى اليوم.

وكان لافتاً، قبل أيام من حلول رأس السنة الأمازيغية، حشد الحكومة الحالية نحو نصف أعضائها لإطلاق مشروع استخدام اللغة الأمازيغية في الإدارات العمومية في مدينة الخميسات، الثلاثاء الماضي.

ويروم البرنامج الذي تشرف على تنفيذه وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، بالشراكة مع رئاسة الحكومة والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، إلى تحقيق سبعة أهداف رئيسية. وقد وُقّعت أربع اتفاقيات لاعتماد تلك الأهداف ما بين وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة من جهة، ومن جهة أخرى وزارات العدل، والصحة والحماية الاجتماعية، والثقافة والشباب والتواصل، والتربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة.

ومن بين أهدافه، يسعى البرنامج إلى المحافظة على الأمازيغية والعمل على تهيئتها وتأهيلها وتطويرها وتعزيز استخدامها، والنهوض بالموروث الثقافي كما الحضاري الأمازيغيَّين وتثمينهما، وتعزيز اعتماد اللغة الأمازيغية في الإدارات العمومية، وتيسير ولوج المرتفقين الناطقين باللغة الأمازيغية إلى الخدمات العمومية. كذلك يهدف إلى تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية ودمجها في مختلف المجالات، وتعزيز خدمات الإرشادات والتوجيه والاستقبال، وتجويد وتنويع قنوات التواصل مع المرتفقين الناطقين باللغة الأمازيغية.

ومن أجل تحقيق أهداف البرنامج، رصدت الحكومة المغربية 300 مليون درهم مغربي (نحو 30 مليون دولار أميركي) في موازنة 2023، على أن يُصار رفع قيمة التمويل تدريجياً في الأعوام المقبلة  ليصل إلى مليار درهم (نحو 100 مليون دولار) في عام 2025.

وكانت الدولة المغربية قد اعترفت باللغة الأمازيغية في الخطاب الملكي لعام 2001 في بلدة أجدير شمالي البلاد، قبل أن يُصار إلى الاعتراف الدستوري بها لغةً رسميةً في عام 2011، في حين صدر القانون التنظيمي المتعلق بمراحل تفعيلها في مجالات الحياة في عام 2019.

وتتباين تسميات رأس السنة الأمازيغية في المغرب من منطقة إلى أخرى، ما بين "إيض يناير" أو "إيض سكاس" أو "حاكوزة"، وهذا العام يُحتفى برأس سنة 2973 بالتقويم الأمازيغي. ويعتدّ الأمازيغ بهذا التاريخ، إذ إنّ تقويمهم يتجاوز التقويم الغريغوري (الميلادي) المعترف به عالمياً بـ950 عاماً.

وينقسم المؤرّخون حول أصل الاحتفال برأس السنة الأمازيغية إلى فريقَين، الأوّل يرى أنّ اختيار 13 يناير من كلّ عام يرمز إلى الاحتفال بالأرض والزراعة، لذا يُحكى عن "السنة الفلاحية"، في حين يعيده الفريق الآخر إلى إحياء ذكرى انتصار الملك الأمازيغي شاشناق على الفرعون المصري رمسيس الثاني.

وبحسب أونغير، فإنّ "رأس السنة الأمازيغية مناسبة يحتفل بها أمازيغ المغرب والعالم ويستحضرون خلالها انتصارات الأمازيغ في التاريخ. ويحتفلون كذلك بالسنة الفلاحية (الزراعية) الجديدة التي ترمز إلى الخصب والعطاء، وهي بذلك مناسبة لا دينية أي غير مرتبطة بحدث ديني، بخلاف رأس السنة الميلادية أو رأس السنة الهجرية أو رأس السنة العبرية التي تؤرّخ كلها لأحداث ووقائع دينية".

وتطبع ليلة رأس السنة الأمازيغية (12-13 يناير) طقوس احتفالية شعبية تتميّز بإعداد أطباق مخصّصة لهذه المناسبة، من بين أبرزها الكسكس بسبع خضار، و"تاكلا". والأخير عصيدة تحضّر بمزج دقيق الشعير أو الذرة مع الماء قبل أن توضع على النار لتنضج، ثمّ تُقدَّم بعد تزيينها باللوز والتمر أو البيض المسلوق بحسب الرغبة، فيما يُسكَب وسطها زيت زيتون أو زيت أرغان أو عسل. وتعمد النساء إلى وضع "أغورمي" (نوى التمر) في "تاكلا" قبل تقديمها لأفراد العائلة، ويُعتقَد أنّ من يعثر على النوى في أثناء تناول العصيدة الساخنة سوف يكون الأوفر حظاً خلال السنة الفلاحية الجديدة.

كذلك تتضمّن الاحتفالات إلقاء محاضرات وتنظيم أنشطة أكاديمية تنظّمها مؤسسات حكومية وجهات أمازيغية، في حين بدا لافتاً في الأعوام الأخيرة انتقال الطقوس الخاصة بالاحتفال من المجال الخاص إلى ذلك العام، لتصير ممارسة جماعية في البلاد.

المساهمون