المركز العربي يدرس أسباب وكيفية الوقاية من العنف في تونس

المركز العربي يدرس أسباب وكيفية الوقاية من العنف في تونس

15 أكتوبر 2020
مناقشة سبل الوقاية من العنف (Getty)
+ الخط -

نظّم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، فرع تونس، مساء الأربعاء، طاولة مستديرة بحثت "جرائم العنف: ما حقيقة تطوراتها وأي ملامح للوقاية منها"، بحضور عدد من المختصين في علم الاجتماع.

وبيّن المختص في علم الاجتماع بالمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، فرع تونس، عادل العياري، أن تواتر جرائم العنف أخيراً، أربك التونسيين، ودفع إلى البحث في هذه الظاهرة وأسباب انتشارها.

وأكد أن هناك تحولات عميقة يعرفها المجتمع التونسي، والقضاء على الجريمة والعنف يكون وفق عدة مقاربات اجتماعية واقتصادية ونفسية. 

ويرى القاضي، فاروق بوعسكر، أن المجتمع التونسي عرف عدة تغيرات على المستوى الاجتماعي، مشيراً إلى أن تفاقم الظاهرة دفع إلى الحديث عن ضرورة تنقيح المجلة الجزائية الكلاسيكية.

وأضاف أن الخيار الحالي يتجه نحو ترميم هذه المجلة. فبعد ثورة 2011 عرفت تونس عدة تحولات تمسّ المنظومة القيمية والأخلاقية، مبيناً أن جرائم العنف تراوح بين المخالفة البسيطة والجنح والجرائم، وأن الظاهرة استفحلت بعد الثورة لعدة أسباب، من بينها ضعف المنظومة الأمنية ومتغيرات طرأت على المنظومة القضائية، وهذا لا يعني عدم وجودها قبل الثورة، بل كان هناك عنف وجرائم بشعة، لكن مثل هذه المواضيع كانت محظورة ويجري التعتيم عليها.

وتابع المتحدث، قائلاً إن التعاطي مع مواضيع العنف في السابق كان يجري في ندوات مغلقة، ولم يكن متاحاً الحديث بخصوصها إعلامياً، مؤكداً أن التصدي لجرائم العنف يكون وفق عدة مقاربات، اقتصادية و اجتماعية وقانونية.

وأوضح بوعسكر أن هناك من يرى أن القضاء على الجريمة يكون في الصرامة والزجر  ومزيد من تسليط العقوبات، وهناك حديث عن تفعيل عقوبة الإعدام، رغم أن 144 دولة ألغته، لكن تواتر جرائم القتل العمد والاغتصاب والتنكيل بالجثة أعاد الحديث عنه، لكن تونس استغنت عن التنفيذ، رغم أن هذه العقوبة تصدر أسبوعياً.

وتابع بأن هناك عدة ضمانات في تسليط عقوبة الإعدام، مبيناً أنه يوجد 120 حالة حكم إعدام في تونس وملفاتهم لدى رئاسة الجمهورية التي لا تعفو ولا تنفذ الإعدام منذ 1991، كذلك هناك عدة تشريعات بشأن هذه العقوبة يجب مراجعتها.

وبيّن أن من أسباب الجريمة، العٓوْد، وأغلب مرتكبي جرائم القتل سبق لهم ارتكاب جرائم، والمؤسسة السجنية تتحول في بعض الحالات لتفريخ المجرمين، وهنا تكمن مسؤولية الدولة، لأن 40 بالمائة من قضايا العودة إلى الجريمة هي بسبب الاكتظاظ في السجون والاختلاط وغياب التأهيل والإصلاح، ويجب تأهيلها  لأنها تفتقر إلى المعايير الدولية.

وقال أستاذ علم الاجتماع والباحث صلاح الدين بن فرج، إن ظاهرة العنف غير جديدة، لكن نسبه وأشكاله تطورت من العنف اللفظي إلى الجسدي، مؤكداً أن العنف لا يتعلق بمجال معين، بل يطاول عدة مجالات.

وبيّن أن ارتفاع العنف تطور بنسب محيرة، وعلاقة الفرد بالمجموعة تغيرت، إذ كانت بعد الاستقلال مبنية على قداسة العلاقة التي تؤسس لأركانها، والدولة في تلك الفترة كانت أعلى وفوق المجتمع، وهذه المقاربة كانت ضرورية لإرساء أركانها. في المقابل، سعت الدولة إلى نشر التعليم، والأفراد أصبحوا أكثر وعياً بحقوقهم، وتتالت الأجيال، وبرزت مفاهيم جديدة، ولم يحصل انتقال آمن وتباعدت المسافة بين الأجيال.

ولاحظ أن انفلات الشارع والعنف وكل أشكال التعبير كانت ممنوعة، وبالتالي، فلا المدارس ولا الأسر حققت انتقالها الديمقراطي، وفي ظل استفحال الجريمة أصبح الشارع يتفاعل باسم تحقيق العدالة، وكأنها بلسم لجرح.

وأوضح لـ "العربي الجديد"، أن ظاهرة العنف كانت موجودة، لكنها عرفت أخيراً نسقاً تصاعدياً وارتفاعاً ملحوظاً، كمّاً  ونوعاً. وبيّن أن الجرائم المرتكبة تهزّ الرأي العام وتدفع إلى ردّ الفعل من قبل المجتمع، فينزلون إلى الشارع، مؤكداً أن هذا التعبير عن الرفض يكون دون تنسيق مسبق ودون تخطيط لحماية الفرد.

وتابع قائلاً إن من العنف ما يمارس على الدولة، وهي محاولات للاستقواء عليها، وضد هيبتها، مضيفاً أن مقاومة ظاهرة العنف يكون من خلال مقاربة تشاركية جديدة تكون قادرة على إشراك جميع الفاعلين ودون إقصاء لأي فرد، فلكل شخص رؤيا للعالم الذي يريده.

وترى المختصة في علم النفس، دنيا الرميلي، أنه من وجهة نظر نفسية اجتماعية، فإن التحولات التي عرفها المجتمع التونسي في العشرية الأخيرة كانت وراء العديد من التوترات والظواهر، مبينة أن أنواع العنف عديدة، الجسدي والمعنوي، والمبادرة وردة الفعل، والفردي والمجتمعي.

 وبينت الرميلي أن هناك نظرية التعلم الاجتماعي، حيث إن السلوك العنفي يجري تعلمه، وهناك السلوك العنفي النابع من العدوان والكبت، مشيرة إلى أن ظهور السلوك العنيف وأشكال العنف في الملاعب والمدارس ومجلس النواب ما هي إلا مجتمعات مصغرة يغذي بعضها بعضاً، وتعزز السلوك العنيف والإجرامي.

ولاحظت أن التجاذبات السياسية والصراع الإيديولوجي يشكل مناخاً ويبعث رسائل العنف إلى المجتمع، و لا يمكن تقييم السلوك العنيف من الخارج، بل لا بد من معرفة خفايا الظاهرة وفي علاقة الأسرة بالعنف التي تؤدي دوراً في التقليل أو تغذيته بسبب التنشئة الخاطئة وغياب السند والخلافات والتفكك، وهي شحنات قوية للأطفال، مع تلاشي عدة قيم منها ضبط النفس وتقدير الذات، والانفتاح على العالم الخارجي الذي يسوّق قيماً أخرى مختلفة ومتضاربة، فتحصل ازدواجية لدى البعض.

وبينت أن العنف ضد المدرسين مثلاً من قبل الأولياء، دليل على تغير عدة تمثلات، وهو ضد القيم وتغير النظرة من قبل بعض الفئات، مؤكدة أن هناك ردوداً نفسية لفرض الانتماء والدفاع عن النفس، وأن الألعاب الإلكترونية ساهمت أيضاً في تنامي العنف.

وأفادت بأن عدم الشعور بالمساواة والنقص وغياب الأمان والاستقرار وغياب الثقة بالنفس وتعاطي المخدرات والإدمان، والفقر والجهل، جلها عوامل تغذي العنف.

وأوضحت لـ"العربي الجديد" أن الأسباب عديدة، ولا يمكن اختزالها في جانب واحد، لأنها مترابطة، ولكن في كل أشكال العنف هناك جانب نفسي لا ينفصل عن الاجتماعي والثقافي.

وبحسب الباحث المختص، مراد الرويسي، فإن لكل مجتمع جريمته، ومن يريد القضاء على العنف واهم، إذ يمكن الحد منه ومواجهة الظاهرة، ولكن لا يمكن القضاء عليها.

وبيّن أن اللفظ والحديث عن العنف فضفاض، لأن الانتحار والحروب جرائم عنفية، ورغم تنوع المشاهد، فهناك ضرر بالآخر، ويجري الحديث عن جرائم ونسب مشاهدة عبر شبكات التواصل الاجتماعي.

المساهمون