الكتاب الرقمي... خطوة لـ"عصرنة" التعليم في الجزائر

الكتاب الرقمي... خطوة لـ"عصرنة" التعليم في الجزائر

01 أكتوبر 2022
تتكفل الحكومة بتكاليف مشروع الكتاب المدرسي الرقمي (Getty)
+ الخط -

مع إعلان الحكومة بدء تجهيز أكثر من 1600 مدرسة ابتدائية في مناطق عدة بألواح رقمية، استعداداً للعام المدرسي الجديد الذي استهل في 21 سبتمبر/ ايلول الماضي، خطت الجزائر أولى الخطوات الجدية في طريق إنجاز مشروع رقمنة التعليم، وتخفيف ثقل المحفظة المدرسية. وستشمل الخطوة في المرحلة الأولى مدارس نموذجية تمهيداً لتعميم رقمنة التعليم في الموسم الدراسي 2023 – 2024. واختارت الحكومة الجزائرية في مرحلة أولى 1629 مدرسة ومؤسسة تعليمية مسرحاً للتجارب النموذجية الخاصة باعتماد التعليم الرقمي، في حين تضم البلاد 39 ألف مدرسة تتوزّع في أرجائها. واستدعى ذلك، بحسب وزارة التربية الجزائرية، اتخاذ تدابير تهدف إلى توفير الظروف الأمنية المثالية في المدارس الابتدائية التي ستشهد استخدام تلاميذها الألواح الإلكترونية، من خلال تعزيز حراستها، ووضع شبابيك حديدية على نوافذ حجرات الصفوف، مع إمكان تزويدها كاميرات مراقبة لمنع السطو عليها. 

استراتيجية التطوير
وخلال الموسم الدراسي الحالي سيستفيد نحو مليون من أصل نحو 7 ملايين تلميذ من الكتاب الرقمي الذي يشكل استخدامه خطوة مهمة ضمن استراتيجية تحسين إجراءات التعليم في المدارس الابتدائية التي باشرتها الحكومة الجزائرية، والتي تتطلع عبرها إلى "عصرنة" القطاع التربوي، وتعتبر أن الكتاب المدرسي الرقمي هو الشكل المتطوّر للكتاب الورقي المطبوع الذي يبقى الوسيلة الأولى في منظومة التعليم عموماً.
ويواكب ذلك متطلبات الثورة الرقمية، علماً أن استخدام الكتاب الرقمي في المدارس الجزائرية، سيحصل تدريجاً. وقد جرى تحويل الكتب التقليدية المطبوعة إلى إلكترونية بنظامي "وورد" و"بي دي أف"، مع منح القارئ خيارات استخدام كافة التطبيقات المطوّرة كي يستطيع حفظ أجزاء معيّنة أو كتابة ملاحظات، أو تعديل أي جزء من الكتب. كما يمكن أن يحفظ المعلم والتلميذ على حدّ سواء آخر صفحة قرأها والعودة إليها. 
كذلك تستفيد الكتب الرقمية من الميزات التكنولوجية الحديثة، إذ يمكن عرضها في الفصل الدراسي بواسطة جهاز، وهي تحتوي على نصوص وصور ووثائق صوتية ومقاطع فيديو ورسوم يمكن تحريكها. 
وستغطي الحكومة الجزائري التكاليف المادية الخاصة بتنفيذ مشروع الكتاب المدرسي الرقمي في المراحل الابتدائية، وتوفير الألواح الرقمية مجاناً. وهي تعتبر هذه الخطوة أساسية لمعالجة مشكلة التّكاليف الباهظة لطباعة الكتب المدرسية الورقية.

الصورة
بداية نهاية مشكلة ثقل المحفظة المدرسية  (Getty)
بداية نهاية مشكلة ثقل المحفظة المدرسية (Getty)

وداعاً للمشاكل الصحية
وسيحد انتقال المدارس الجزائرية من الكتاب الورقي إلى الرقمي من مشكلة ثقل المحفظة المدرسية التي كانت تمثل هاجساً كبيراً للتلاميذ وأولياء أمورهم، وتتسبب في عدد من المشاكل الصحية، بينها التأثير سلباً على سلامة العمود الفقري، فالتلاميذ يواجهون فعلياً تحديات حمل أثقال على أكتافهم تتجاوز في كثير من الأحيان قدراتهم الجسدية. ويعتبر العضو في الاتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين (نقابة معتمدة) مبارك بلعيدي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الكتاب الإلكتروني وسيلة تعليمية وآلية لتخفيف معاناة التلاميذ من وزن المحفظة المدرسية الذي يعود أساساً إلى كثافة عدد الكتب المدرسة. ويقول: "ليس تنفيذ هذه الخطوة أمراً بسيطاً خاصة في ظل ضم البلاد عدداً هائلاً من المدارس. كما يتعيّن على مسؤولي مديريات التربية توفير الأموال المطلوبة لتأمين الألواح الإلكترونية، وإعداد الأساتذة وتأهيلهم لمواكبة العملية الانتقالية، وكذلك تحضير الفرق البيداغوجية، وتلك التقنية المعنية بتشغيل الألواح الإلكترونية وتصليحها. ويشير إلى أنه لا يعرف إذا كانت الألواح الإلكترونية ستبقى في الصفوف، أو سيحملها التلاميذ إلى البيوت، "ففي حال أبقيت في المدارس سيشكّل ذلك عبئاً إضافياً على المؤسسات التربوية يرتبط بضمان إجراءات الأمن فيها، وتزويد المباني بكاميرات مراقبة على مدار الساعة، وتحصين أبواب المدارس والأقسام والنوافذ، والسهر على حراستها، وهذه تدابير مكلّفة جداً". 
ولا بدّ من الإشارة إلى أن العام الدراسي الجديد يشهد العديد من الصعوبات التي تواجه الأسر الجزائرية، ومن بينها ارتفاع أسعار المستلزمات المدرسية الذي يفاقم إرهاق موازنتها، خصوصاً أن الدراسة تأتي بعد عطلة الصيف التي غالباً ما تكون حافلة بالمناسبات الاجتماعية.
ورغم استقرار الوضع المادي لبعض الأسر، فإنّ التكاليف تزداد كلما زاد المستوى الدراسي للأطفال، خاصة بالنسبة إلى العائلات التي تضم أكثر من تلميذ. ولترشيد النفقات وتخفيف العبء عن الأسر، نشرت وزارة التربية الجزائرية قائمة بالأدوات المدرسية التي يحتاجها التلاميذ في السنوات الدراسية المختلفة، لتوجيه العائلات إلى اقتناء المستلزمات الضرورية فقط ضمن شعار "عقلنة استعمال الأدوات المدرسية" التي يبقى جزء كبير منها غير مستغل في نهاية السنة الدراسية.
والأكيد أن استخدام الكتاب المدرسي الرقمي في الجزائر يواكب التغيّر الاجتماعي الذي تسارعت وتيرته بفعل الثورة التكنولوجية التي ألقت بظلالها على المنظومة التربوية، وأحدثت فوارق ملموسة بين الدراسة داخل أسوار المدارس وخارجها، في حين ما زالت مناهج التعليم ووسائله مُصممة على أسس قديمة لا تنسجم مع التطور الحاصل. 

الصورة
تمنح رقمنة التعليم خيارات جديدة للأساتذة (رياض كرامدي/ فرانس برس)
تمنح رقمنة التعليم خيارات جديدة للأساتذة (رياض كرامدي/ فرانس برس)

بين عالمين
ويؤكد الباحث في علوم التربية بجامعة وهران غربي الجزائر، كريم سحنون، لـ"العربي الجديد" أن "أساليب التعليم التقليدية كانت تجعل التلميذ يعيش داخل المدرسة، وكأنه يتواجد في متحف تاريخي، أما اليوم فهو يتعامل مع التنوّع في أدوات الاتصال والترفيه والإنترنت والتلفزيون وغيرها خارج أسوار هذه المدارس. ويعيش التلميذ بالتالي بين عالمين، الأول خارج المدرسة يكسِب خلاله عشرة أضعاف ما يكسِبه داخلها، ما يصعُب مواجهتها بوسائل كلاسيكية". 

ثقافة جديدة
وتلعب الكتب المدرسية الرقمية دوراً مهماً في التربية بسبب ميزاتها التقنية المتطورة التي قد تغيّر مسار العملية التعليمية، وتؤثر في كل نتائجها، لكنها تواجه معوقات كثيرة أيضاً، وتحتاج إلى تطوير أساليبها التعليمية، ومواصلة الانسجام مع التكنولوجيا الحديثة. كما تحتاج إلى إعادة تكوين طاقم بيداغوجي يهتم بالمسألة كلها لضمان استخدام أنظمة التعلم الحديثة، ومواكبة المناهج المستحدثة. 
وتعتبر المتخصصة في علوم اللغة والتواصل بجامعة الجزائر الأستاذة جميلة بلعابد، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أن "ما سيطاول الكتاب يتجاوز التغيّر التكنولوجي الذي يطاول أدوات التعليم، إلى خلق ثقافة جديدة تقودنا إلى إعادة تعريف طريقة عمل وأهداف المدرسة". وتدعو إلى الاكتفاء حالياً بالشكل الرقمي البسيط للكتاب، باعتباره نسخة منقولة عن الكتاب المطبوع في البداية، ثم تزويده في المستقبل بروابط ومصادر ترتبط بمصادر الحصول على المعلومات".

مخاوف
ورغم كل المبررات التي تعزز ضرورة دعم رقمنة الكتاب المدرسي واستخدام الوسائط التكنولوجية في مجال التعليم، يتخوف خبراء وعدد من مسؤولي قطاع التربية جدياً من الانعكاسات السلبية لهذه الخطوة على التلاميذ على صعيد علاقتهم بالكتاب وإقبالهم على القراءة في حال إزالة الكتاب المدرسي الورقي بالكامل، وأيضاً من زجّ تلاميذ المرحلة الابتدائية تحديداً مبكراً في عالم التكنولوجيا.
ويقول أستاذ الرياضيات في مؤسسة مبارك الميلي بولاية ميلة شرق الجزائر، نور الدين عيواز، لـ"العربي الجديد" إن "الاعتماد كلياً على الكتاب الرقمي حلّ غير فاعل رغم أنه يضطلع بدور كبير ومؤثر في تخفيف وزن الكتاب الورقي، فهو سيبعد التلميذ تدريجاً عن فعل القراءة وينسف علاقته بالكتاب عموماً، ويقوده إلى الاستسلام كلياً للتكنولوجيا. أما الحلّ الأكثر نجاحاً حالياً فيتمثل في تخفيف المناهج، وأعتقد أن الكتاب الرقمي يصلح أكثر لتلاميذ المرحلتين المتوسطة والثانوية، خاصة أن تلاميذ المرحلة الابتدائية لا يعون هذه الوسائل التكنولوجية، وأهمية استخداماتها في الدراسة، بعدما اعتادوا على استخدامها للعب ومشاهدة أفلام الكرتون فقط". 

المساهمون