العراق يشكو من زيادة الشهادات العليا

العراق يشكو من زيادة الشهادات العليا

16 ديسمبر 2022
قرر هؤلاء الدراسة في العراق (يونس كيليس/ الأناضول)
+ الخط -

تُواصل أعداد كبيرة من خريجي الكليات والجامعات العراقية التقدّم لمتابعة الدراسات العليا خارج بلادهم. وارتفعت نسبة هؤلاء خلال السنوات الأخيرة من جراء سهولة الحصول على الشهادات العليا من دول الجوار، وخصوصاً إيران ولبنان. وعلى الرغم من إلغاء البلاد اعترافها بعدد من الجامعات، إلا أن دراسة الطلاب العراقيين فيها ما زالت مستمرة. 
ويجد شباب عراقيون أنّ العروض التي تقدمها الجامعات الإيرانية واللبنانية والمصرية والهندية والروسية مناسبة من الناحية المادية والسهولة في التعامل، بالإضافة إلى إمكانية النجاح بسهولة أكبر، لا سيما أن الجامعات العراقية الحكومية تُعرف برصانتها العلمية وقبول أعداد قليلة سنوياً لدراسة الماجستير والدكتوراه.

وفي وقت سابق، قررت السلطات العراقية تعليق دراسة الطلاب العراقيين في ثلاث جامعات لبنانية بسبب عدم التزامها بمعايير الرصانة العلمية. وتشهد البلاد سجالاً بسبب حصول آلاف العراقيين على شهادات عليا مزوّرة، بينهم مسؤولون وسياسيون، بوسائل غير مشروعة. وهذه الجامعات هي الجامعة الحديثة للإدارة والعلوم، والجامعة الإسلامية في لبنان، وجامعة "الجنان".
وعقب ذلك، قرّر العراق حذف 27 جامعة إيرانية من قائمة الجامعات التي كان يعترف بشهاداتها، متّخذاً سلسلة من القرارات الصارمة في نظام التقييم الخاص به حول الجامعات، في حين أن مسؤولين في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في البلاد أشاروا إلى أنهم يسعون للاعتماد على تصنيف مجلة تايمز للتعليم العالي للجامعات العالمية، وتصنيف كيو أس العالمي للجامعات، وتصنيف شنغهاي لأفضل الجامعات. إلا أن وصول عضو جماعة "عصائب أهل الحق" نعيم العبودي إلى منصب وزير التعليم العالي والبحث العلمي قد يؤدي إلى إلغاء عدم الاعتراف بالجامعات الإيرانية.
ومؤخراً، صدر قرار باستئناف منح تراخيص لفتح كليات الطب الأهلي، ووُقّع على افتتاح كليات جديدة، بينما يُنتظر التوقيع على كليات أخرى، كما أنه وجه بخفض مستوى معدلات القبول في الطب الأهلي إلى 89، وطب الأسنان والصيدلة إلى 89، في وقت لم تقبل كليات الصيدلة الحكومية لهذا العام معدلات دون 98.29 والطب العام 99.
في هذا السياق، يقول مسؤول في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي إن "الأعداد الكبيرة لحملة الشهادات العليا تشكل أزمة حقيقية للسلطات، وتحديداً وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، لأن هؤلاء يريدون تعيينات في الجامعات ومؤسسات الدولة، وليست هناك قدرة على استيعابهم سواء في الحكومة الحالية أو المقبلة". ويوضح في حديثه لـ "العربي الجديد" أن "بعض الجامعات في إيران تملكها شخصيات سياسية ونواب سابقون. ومع وصول العبودي إلى منصب وزير، سيسعون لإلغاء قرار عدم الاعتراف بجامعاتهم".

الصورة
هل تتابع الدراسات العليا؟ (سكوت بيترسون/ Getty)
هل تتابع الدراسات العليا؟ (سكوت بيترسون/ Getty)

يتابع المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن اسمه أن "العراق يسجل سنوياً نحو 50 ألف شهادة عليا، ما بين ماجستير ودكتوراه، وهذه الرقم يزداد بسبب التسهيلات والوساطات التي تمنحها جهات داخل الوزارة للاعتراف بهذه الشهادات". ويؤكد أن "الاعتراف بالشهادات مشكلة، لكن المشكلة الكبرى هي مطالبة هؤلاء الخريجين سنوياً بالتعيين، وهم يبحثون عن فرص مهمة لأنهم يحملون شهادات عليا".
إلى ذلك، تقول الطالبة العراقية في إحدى الجامعات الإيرانية لمياء علي لـ "العربي الجديد" إنها "درست الماجستير للحصول على فرصة عمل في القطاع الحكومي في العراق، إذ إن شهادات البكالوريوس ليست كافية أحياناً للحصول على التعيين الحكومي". وتؤكّد أنّ "الدراسة في إيران ليست صعبة، كما أن كل شيء يمكن أن يتيسر من خلال المال، حتى أن بعض الطلاب أكملوا عامين من الدراسة من دون أن يزوروا إيران إلا مرتين أو ثلاث مرات لمدة أسبوع. بالتالي، فإنّ الرصانة العلمية أقل بكثير من العراق، وهذا ما يعترف به حتى الأساتذة الإيرانيون".
تتابع علي أنّ "الجامعة التي تدرس فيها لا تضم غير العراقيين، ومعظمهم كانوا قد حصلوا على معدلات بسيطة علماً أنهم يدرسون تخصصات صعبة. لكن بعد الحصول على الشهادات، تبدأ مرحلة صعبة هي الاعتراف بالشهادة داخل العراق ومعادلتها. ويلجأ البعض إلى دفع رشى للموظفين". وتشير إلى أن "الجامعات العراقية غالباً ما تتيح لأبناء الأساتذة وأصحاب النفوذ متابعة الدراسات العليا".
من جهته، يقول طالب الدكتوراه في إحدى الجامعات اللبنانية، حسين الحريشاوي، إنه "حاول كثيراً الحصول على مقعد دراسي في جامعة بغداد، إلا أن ذلك لم يتحقق على الرغم من نجاحه في اختبارات الكفاءة، ليحصل أحد أبناء المتنفذين على المقعد الشاغر"، الأمر الذي اضطره للدراسة في جامعة لبنانية. ويؤكد لـ "العربي الجديد" أن "الشهادة العليا إضافة مهمة في مسيرة أي شخص يبحث عن التقدم في الحياة المهنية أو الوظيفية".
أما طالب الدكتوراه في كلية الهندسة في جامعة بغداد، الحسين إسماعيل، فيشير إلى أن "الشهادات المستوردة من الخارج لا تحمل بغالبيتها أية رصانة علمية. ويسعى الحاصلون عليها لنيل وظائف علماً أنهم ليسوا أكثر كفاءة من خريجي الجامعات العراقية". يتابع في حديثه لـ "العربي الجديد"، أن "آلاف الشهادات العليا المستوردة يتم الاعتراف بها في وزارة التعليم العالي، وهناك شريحة من حاملي الشهادات العليا من الخارج لا يبحثون عن تعيينات لكنهم يشعرون بالأهمية إذا ما جرى تقديمهم في المجتمع على أنهم أساتذة وحاملو شهادة الدكتوراه".

من جهتها، تقول أستاذة الفلسفة في جامعة المستنصرية بالعاصمة بغداد إلهام البغدادي، إن "الأعداد الكبيرة من حملة الشهادات العليا تأتي من الخارج. وهناك حاجة لإعادة النظر فيها وتعويض النقص من خلال متابعة الدراسة في البلاد أو تشكيل لجان نزيهة متخصصة بإجراء المعادلات العلمية والاعتراف وفقاً لاختبارات تجريها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي للخريجين". وتوضح في حديثها لـ "العربي الجديد" أن "أكثر المستفيدين من هذه الشهادات هم الموظفون في دوائر الدولة الذين يسعون لمتابعة الدراسات العليا لزيادة رواتبهم، الأمر الذي يتطلب ميزانيات مالية ترهق الدولة وتتسبب بحرمان خريجي العراق منها".

المساهمون