الاتجار بالبشر يُعرقل تنقل المهاجرين في تونس

الاتجار بالبشر يُعرقل تنقل المهاجرين في تونس

07 فبراير 2024
على أمل الوصول إلى أوروبا (ياسين قايدي/ الأناضول)
+ الخط -

يتردد الشقيقان المهاجران سامو وهارون باستمرار على محطة القطارات الرئيسية في العاصمة تونس بغية اقتناص الفرصة بعيداً عن أعين الأمن للصعود على متن القطار في اتجاه محافظة صفاقس (وسط شرق تونس). فالقطار، بحسب المهاجرين السريين، هو الوسيلة الأنسب بالنسبة إليهم، وذلك أن عربات النقل الخاصة غالباً ما تمتنع عن نقل المهاجرين ما بين المحافظات. كما تتجنب سيارات الأجرة أيضاً الأمر خوفاً من تعرض أصحابها لمضايقات قد تصل إلى حد اتهامهم بالاتجار بالبشر. 
يقول هارون (21 عاماً)، إنه وصل إلى تونس عن طريق بوابة حدودية برية من بلده غانا قبل 6 أشهر، لكنه لا ينوي المكوث مطولاً في تونس بل الهجرة شمالاً نحو أوروبا. لكن التمركز الأمني قرب محطات النقل يعرقل خطته في الوصول سريعاً إلى إحدى المدن الساحلية التي تنطلق منها مراكب الهجرة. 

ويؤكد هارون في حديث لـ"العربي الجديد"، أن التنقل ما بين المحافظات في تونس هو من أكثر الصعوبات التي تعترضه. وكانت رحلة وصوله إلى العاصمة تونس شاقة جداً بسبب غياب وسائل النقل وتجنب سيارات الأجرة نقل المهاجرين السريين خوفاً من حملات التثبت من الهوية التي يجريها الأمن على الطرقات. يضيف: "نحاول الوصول إلى صفاقس أو المهدية على متن القطار، فعربات النقل الخاصة ترفض نقلنا ولا توجد قوانين أو أسباب واضحة تبرر ذلك"، موضحاً أن ذلك "قد يعود لمخاوف من الملاحقات الأمنية والقضائية بتهمة الاتجار بالبشر". 
بالإضافة إلى الصد البحري لمراكب المهاجرين التي تنطلق من سواحل تونس، يقول هارون: "المهاجرون يتعرضون أيضا للصد البري بمنعهم من التنقل ما بين المحافظات عبر كل الوسائل المتاحة". 
ويقر رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان مصطفى عبد الكبير بوجود "ممارسات تمييزية ضد المهاجرين. وغالباً ما تمتنع وسائل النقل الخاص عن حملهم لمسافات طويلة ما بين المحافظات، ما يجبرهم على السير على الأقدام لمسافات طويلة". ويقول لـ"العربي الجديد": "فعلاً يتردد أصحاب وسائل النقل في حمل مسافرين من دول جنوب الصحراء، وهذا أمر مخالف للقوانين واتفاقيات الهجرة التي وقعت عليها تونس"، ويرى أن "الخوف من ملاحقات قضائية قد تصل إلى حد الاتهام بالاتجار بالبشر يجبر عربات النقل على القيام بممارسات تمييزية ضد المهاجرين من دول جنوب الصحراء"، ويشير إلى أن "هذه الممارسات تطاول حتى الفئات الأكثر هشاشة وهم النساء والأطفال"، موضحاً أن "مصادرة حق التنقل للمهاجرين يزيد من هشاشة أوضاعهم ويمنعهم من العمل والكسب، كما يعرضهم لمخاطر عدة أثناء السير على الأقدام لا سيما خلال الظروف المناخية الصعبة". 

الصورة
وصل إلى صفاقس (ياسين قايدي/ الأناضول)
وصل إلى صفاقس (ياسين قايدي/ الأناضول)

ولا توجد في تونس أسس قانونية صريحة لمنع تنقل المهاجرين بين مدنها أو استخدام وسائل النقل الخاصة والحكومية. وتسمح تونس بالسفر من دون تأشيرة لمدة 90 يوماً مع ختم دخول للعديد من الجنسيات الأفريقية، لكن الحصول على تصريح إقامة قد يكون صعباً. 
وأخيراً، قال تقرير صادر عن منظمة "هيومن رايتس ووتش" إن الأفارقة السود الأجانب تعرّضوا للتمييز واعتداءات عنصريّة متفرّقة في تونس لسنوات، منها اعتداءات عنيفة وسرقة وتخريب من قبل مواطنين تونسيين، والإخلاء التعسّفي من قبل أصحاب العقارات، والطرد من قبل أصحاب العمل، وأشار إلى أن السلطات التونسيّة والهلال الأحمر التونسي نقلا في نهاية المطاف حوالي 700 مهاجر من المنطقة العسكرية على الحدود التونسيّة الليبية إلى ملاجئ المنظمة الدولية للهجرة ومنشآت حكومية أخرى في تونس. إلّا أنّ 27 مهاجراً على الأقل لقوا حتفهم على الحدود، وفقاً للسلطات الليبية ومفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان. 
ويرى المتخصص في قضايا الهجرة ومكافحة الاتجار بالبشر مالك الخالدي أن "امتناع عربات النقل عن حمل المهاجرين يندرج في خانة الاجتهادات الشخصية لأصحاب المركبات التي تنقل المسافرين عن طريق الأجرة"، ويقول لـ"العربي الجديد": "لتهمة الاتجار بالبشر أركان، منها توفر عنصر النيّة أو تورط السائق في شبكة اتجار بالبشر أو تنظيم رحلات هجرة سرية". 
وخلال العام الماضي، نقلت وسائل إعلام عن بلاغات رسمية للسلطات الأمنية أخباراً عن إيقاف أصحاب وسائقي وسائل نقل واجهوا تهمة المشاركة في الاتجار بالبشر عبر النقل. 

وإلى ذلك، يرجح مالك الخالدي أن "تكون رغبة أصحاب العربات بالنأي بأنفسهم عن أي تهم وراء رفضهم نقل المهاجرين من محافظة إلى أخرى". 
وتعد تونس بلد عبور للمهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء. وخلال النصف الأول من عام 2023، تجاوزت تونس ليبيا كنقطة انطلاق للقوارب الواصلة إلى إيطاليا. وبحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإنّ من بين 69599 شخصاً وصلوا إلى إيطاليا بين يناير/ كانون الثاني و9 يوليو/ تموز 2023 عبر البحر الأبيض المتوسط انطلق 37720 منهم من تونس. وعلى الرغم من أنّ المعايير الدوليّة لحقوق الإنسان تشجّع على عدم تجريم الهجرة السرية، إلا أنّ قانونين تونسيّين يعود تاريخهما إلى 1968 و2004 يُجرّمان دخول الأجانب وإقامتهم وخروجهم بشكل غير شرعي وتنظيم الدخول والخروج بشكل غير قانوني والمساعدة عليه وتشمل العقوبات السجن والغرامات. 

المساهمون