3 أسباب وراء تجاهل السيسي الحديث عن سدّ النهضة

3 أسباب وراء تجاهل السيسي الحديث عن سدّ النهضة

18 اغسطس 2021
تتحدث مصر عن تعويض الأضرار بالأدوات الفنية المتاحة (Getty)
+ الخط -

أثار تجاهل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لقضية سدّ النهضة الإثيوبي، في جميع خطاباته الأخيرة بعد إتمام الملء الثاني للسد، بما في ذلك لقاؤه الأخير بمجموعة من السياسيين والمواطنين، تساؤلات مراقبين حول أسباب هذا التجاهل، في ظلّ عجز جميع الوسطاء الإقليميين والدوليين عن إعادة أطراف القضية الثلاثة، مصر والسودان وإثيوبيا، إلى طاولة المفاوضات. ويأتي ذلك مع بذل أديس أبابا جهوداً حثيثة للتهرب من أي التزام تجاه دولتي المصب، ومن الضغوط التي تمارسها عليها الدول الكبرى، سواء الصديقة لها، أو تلك التي توترت العلاقة معها في الآونة الأخيرة.

يعتقد السيسي أن أي حديث علني عن السد بعد إتمام الملء الثاني مباشرة، سيؤثر سلباً عليه

وفسّرت مصادر مصرية مطلعة، لـ"العربي الجديد"، تجاهل السيسي لهذه القضية، بثلاثة أسباب أساسية، أولها اعتقاد السيسي ودائرته أن أي حديث علني حول سد النهضة بعد إتمام الملء الثاني مباشرة، لن يكون له أي مردود إيجابي وسيؤثر سلباً على صورته وشعبيته. ويأتي ذلك خصوصاً بعد فشل لجوء مصر الأخير إلى مجلس الأمن الدولي، وبعد حديث السيسي الأخير في حفل تدشين مبادرة "حياة كريمة"، والذي اعتُبر امتناعاً عن اتخاذ أي إجراءات عنيفة ضد إثيوبيا، وبعدما كرر بلهجة تخلط الجد بالهزل، مطالبته المواطنين بعدم تصديق وترديد ما وصفه بـ"الهري" (لفظة عامية للحديث المسهب بلا معنى). وكان السيسي يقصد بذلك تجاهل الأطروحات المخالفة لما تعلنه الحكومة، والتي ينصب معظمها على انتقاد النهج الرسمي الذي تسبب في تمكين إثيوبيا من الاقتراب من إنجاز الملء الثاني للسد، بعد إعطاء الشرعية الكاملة للمشروع باتفاق المبادئ المبرم في مارس/آذار 2015. ويمتنع الرئيس المصري حتى الآن عن اتخاذ خطوة الانسحاب من هذا الاتفاق، على الرغم من دراسة الخطوة مطولاً من قبل الاستخبارات العامة والخارجية، ويصر على خوض معارك دبلوماسية لا تحقق إلا تقدماً تراكمياً على صعيد ما وصفه في ذلك الخطاب بـ"وضع القضية على أجندة الاهتمام الدولي". 

أما السبب الثاني لتجاهل التطرق إلى أزمة السد، فهو تخوف الرئيس المصري من التعرض لإثيوبيا بأي شكل يعطيها فرصة لتوسيع اتهامها له أمام الدول الكبرى، بدعم القوى الانفصالية المعارضة لحكومة أبي أحمد، لا سيما في ظل إجراء إثيوبيا اتصالات واسعة النطاق مع العواصم الأوروبية والصين وروسيا لترويج رواية تتهم مصر والسودان بدعم جيوب التمرد من قوميات تيغراي وبني شنقول وقُمز للإعداد لاحتلال منطقة سد النهضة والسيطرة على السد. وبالتالي صدرت تعليمات لوسائل الإعلام المصرية، بتجاهل أطروحات الحل العسكري للقضية نهائياً، ومنع ظهور أي خبير يتحدث عن احتمالات غير سلمية، مع عدم إعطاء السد أولوية كبيرة في المناقشة والمساحة، واستمرار طمأنة المواطنين بأن الملء الثاني فشل، وأن مصر لن تتأثر، وأن مسار التفاوض لا يزال طويلاً. كما تشمل الطمأنة نجاح الاستعدادات المصرية لاستيعاب الأضرار من الملء الثاني، مثل مشروع تبطين الترع وتطوير محطات معالجة المياه وتقليل المساحات المزروعة بالمحاصيل المستهلكة للمياه.
وسبق لإثيوبيا أن استغلت تصريحات الرئيس المصري ووزير خارجيته سامح شكري، عن "إتاحة جميع الحلول" للمصريين للدفاع عن حصّتهم التاريخية في المياه، لتشكو في معرض مذكراتها المرفوعة إلى مجلس الأمن، من احتمالية تعرضها للاعتداء، وهو ما تفاعلت معه روسيا التي وجهت في كلمتها خلال اجتماع للمجلس بشأن قضية السد انتقاداً لما وصفته "التهديد باستخدام القوة".
أما السبب الثالث للصمت، فهو الرأي المستقر في الرئاسة على عدم التصعيد، إلا إذا وقع "ضرر غير محتمل" لا يمكن تلافيه، باعتبار أن هذه الحالة هي "الخط الأحمر الجديد لمصر" في القضية. وفي هذا الإطار، تم بالفعل تحديد جدول رقمي بالواردات المائية المتوقعة من النيل لمصر خلال العامين الحالي والمقبل بفتراتهما المختلفة، وحساب حجم الضرر الذي يمكن استيعابه وتعويضه بالأدوات الفنية المتاحة، مثل مشروعات تبطين الترع وتحلية المياه، والسياسات والقرارات القائمة بشأن تقليص مساحات المزروعات الشرهة للمياه.

يتخوف السيسي من توسيع إثيوبيا لاتهاماتها له بدعم القوى المعارضة لأبي أحمد

وفي هذا السياق، قدمت وزارة الري للرئاسة والاستخبارات تقريراً يؤكد قدرة مصر على تعويض أي نقص يحدث حتى خمسة مليارات متر مكعب في حصتها الواردة إلى بحيرة ناصر، لكن نقص أي كمية أكبر من ذلك سيؤدي إلى مشاكل لا تحمد عقباها، خصوصاً في فترات الجفاف الممتد، مع التأكيد على أنه لم يتم الانتقاص من حصة مصر هذا العام بعدما فشل الملء الثاني في الوصول للمعدل المطلوب. واستبعد أن يبلغ النقص حتى 500 مليون متر مكعب خلال العامين 2022 و2023، بسبب التوقعات الممتازة لفيضان النيل والأمطار الغزيرة المتوقع هطولها هذه الفترة على هضبة الحبشة، والتي ستنعكس بزيادة متوقعة "كبيرة"، وربما أكبر من 2020 و2021، في كمية المياه التي ستخزن في بحيرة ناصر، وكذلك في مفيض توشكى، جنوب غربي نيل مصر.
وذكرت المصادر أن الاتصالات المصرية حالياً تركز على استكشاف إمكانية عقد جلسة تفاوض جديدة خلال فترة الملء أو قبلها، في شهر أغسطس/آب الحالي أو سبتمبر/أيلول المقبل، تحت رعاية أممية أو أفريقية، وبالتالي التأكيد على تبديد مخاوف واشنطن تحديداً والعواصم الغربية الرئيسية والصين، بعدم تفكير القاهرة في اللجوء إلى حل عسكري للأزمة في المرحلة الحالية، طالما لم يصل الأمر لمرحلة "الضرر غير المحتمل". وقالت المصادر إن هذه الرسائل في الفترة المقبلة، ستكون مصحوبة ببيانات فنية، لتضع جميع الأطراف المهتمة، ومن بينها الأمانة العامة للأمم المتحدة ورئاسة مجلس الأمن، على دراية بالموقف من جوانبه كافة.
من جهته، قال مصدر فني مصري إن الأمطار الغزيرة والتراخي أو البطء في إنجاز الملء الثاني كما كان متوقعاً، يعطي فرصة إضافية لمصر والسودان لتحسين قدراتهما في التصرف واستغلال مواردهما المائية، لكنه يطرح تساؤلات عن كفاءة التعامل السياسي مع الموقف، وكذلك عن كيفية تصرف البلدين في السنوات التالية التي ستشهد جفافا، لأن الفترة الحالية كانت الأمثل لإنجاز أكبر قدر من مراحل الملء مع عدم تضرر مصر والسودان مائيا. ونبّه المصدر إلى أن استئثار إثيوبيا بالتحكم المطلق في مواعيد الملء وكمياته، كما حدث في العمليتين الأولى والثانية، ربما يسمح لها بعد فترة، في المراحل التي ستشهد جفافاً متوسطاً أو حاداً أو ممتداً، بالملء الجائر المجحف بحقوق دول المصب، بحجة رغبتها في الإسراع في إتمام ملء البحيرة بطاقتها الاستيعابية القصوى المستهدفة من المشروع كاملاً، أو زيادتها.

يستقر الرأي في الرئاسة المصرية على عدم التصعيد، إلا إذا وقع ضرر لا يمكن تلافيه

وفي كل الأحوال، ينبئ الواقع العملي والتغيرات الاستراتيجية التي ستترتب على إنجاز سد النهضة، بأن الأضرار لا يمكن قياسها بهذه الأرقام المجردة لتغيرات حصة المياه. فحتى تمكن مصر من تلافي هذه الأضرار له ضريبة ستدفعها غالياً من قوت يوم مواطنيها. فبحسب السيسي نفسه، يتطلب مشروع تطبين الترع، الذي أدخل جزءاً منه ضمن مبادرة "حياة كريمة" التي يمولها رجال الأعمال، أكثر من 60 مليار جنيه (حوالي 4 مليارات دولار أميركي)، كان من الممكن إنفاقها في مرافق أخرى أكثر احتياجاً بصورة عاجلة، إذا لم تكن مصر معرضة بالفعل لنقص ملحوظ في حصّتها المائية التي لا تفي باحتياجاتها أصلاً. كما أن غياب المعلومات وانعدام الشفافية من قبل الجانب الإثيوبي، حتى مع الإخطار الدوري قبل الملء، يعرقل الاستجابة المشتركة للتغيرات الفنية والمناخية الطارئة، كما يحيط الإجراءات بالغموض وصعوبة توقع المشاكل الوارد حدوثها، الأمر الذي لا يمكن احتسابه ضمن حدود الضرر المادي في الأوضاع العادية، بل سيمثل حالة ضرر مفاجئة يمكن تفسيرها من قبل أديس أبابا بالاستثناء الطارئ.
وحتى الآن، لم تعلن إثيوبيا في ظل أزماتها الداخلية، عن موعد محدد لبدء توليد الكهرباء من السد، على الرغم من أن كمية المياه المخزنة حالياً تسمح بسهولة تامة بتوليد الكهرباء حسب المخطط المحدد سلفاً. ويتضمن هذا المخطط توليد نحو 750 ميغاواط من وحدتين مكتملتين الآن لإنتاج الكهرباء، بحيث تولد كل وحدة 375 ميغاواط، حيث يبلغ معدل إنجاز المشروع الإجمالي حالياً نحو 80 في المائة. ففي الأسبوع الأول من مارس/آذار الماضي، تم تركيب أول أنبوبين ضخمين من الأنابيب المخصصة لنقل المياه من بحيرة التخزين الرئيسية إلى المحطة الكهرومائية لإنتاج الطاقة، وذلك بالتعاون مع شركتين إيطالية وفرنسية متخصصتين في هذا النشاط، ومن المقرر تركيب أربعة أنابيب أخرى بعد بدء التشغيل التجريبي لإنتاج الكهرباء.

المساهمون