الجزائر: لماذا يعارض مرشحو الرئاسة إرجاء الانتخابات؟

الجزائر: لماذا يعارض مرشحو الرئاسة إرجاء الانتخابات؟

22 نوفمبر 2019
ترتفع التوترات في الشارع الجزائري (رياض كرامدي/فرانس برس)
+ الخط -
يعارض مرشحو الانتخابات الرئاسية في الجزائر، المقرر إجراؤها في 12 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، بشكلٍ قاطع أي طرحٍ لتأجيلها على خلفية مطالب الحراك، وذلك على الرغم من تصاعد الرفض الشعبي لإجراء هذا الاستحقاق بظروفه الحالية. يُذكر أن المرشحين الخمسة لرئاسيات الجزائر هم رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس، والأمين العام بالنيابة لحزب "التجمع الديمقراطي"، وزير الثقافة السابق عز الدين ميهوبي، بالإضافة إلى ​رئيس حزب حركة البناء عبد القادر بن قرينة، ورئيس الوزراء الأسبق عبد المجيد تبون، ورئيس حزب جبهة المستقبل عبد العزيز بلعيد. ويتصاعد الرفض الشعبي لإجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها الذي قررته السلطة، وسط استمرار التظاهرات الشعبية كأحد مظاهر هذا الرفض، والتي أدت إلى مواجهة المرشحين الخمسة للرئاسيات صعوبات ميدانية خلال حملاتهم الانتخابية في الولايات، بسبب التجمعات المناوئة لهم. من جهته، يسعى الحراك الشعبي إلى إحباط انتخابات 12 ديسمبر، بعد إلغاء انتخابات الرئاسة مرتين، في إبريل/ نيسان ويوليو/ تموز الماضيين. في المقابل، يطرح المرشحون الخمسة مخاوف جدية بشأن محاذير و"تداعيات خطرة"، بحسب تعابيرهم، قد تُدفع إليها البلاد في حال إرجاء الانتخابات تحت أي ظرف كان.

المرشح الإسلامي، رئيس حركة "البناء الوطني" عبد القادر بن قرينة، يبدو أكثر المرشحين رفضاً لفكرة التأجيل تحت ضغط الشارع، واصفاً هذا الطرح بـ"فكرةٍ خبيثة، طرحتها مجموعات مرتبطة بفرنسا". وفي تجمع شعبي عقد له في منطقة غليزان، غربي الجزائر، تعهد بن قرينة، أمس الخميس، بـ"العمل على فضح أصحاب النوايا الخبيثة، أصحاب فكرة التأجيل والتمديد، بالاتفاق مع المستعمر الفرنسي، من أجل خطّ دستورٍ للبلاد بعيدٍ عن أصالتها، خدمة لمصالح المستعمر". واعتبر أن ما لديه من معلومات يؤكد أن مجموعات سياسية تمثل "أدوات فرنسا في الجزائر"، كانت "مستعدة حتى لرفع السلاح أخيراً، وليس تأجيل الانتخابات فقط". ورأى أنه "من حق أي جزائري أن يختار بين الانتخابات أو عدمها، وبين المرحلة الانتقالية أو المسار الدستوري، لكن لن نسمح باللعب بأمن واستقرار هذا الوطن". وقال إن دعاة التأجيل "هم أنفسهم من تسببوا ودعموا توقيف المسار الانتخابي من قبل الجيش في يناير/ كانون الثاني 1992". وأضاف أن "راكبي الدبابة في التسعينيات، المتشدقين بالديمقراطية ويطالبون بها، كانوا حلفاء للعصابة التي يقبع أفرادها في السجون، وهم يحاولون تأجيل الانتخابات، ويطالبون في المقابل بمرحلة انتقالية ومجلس تأسيسي، وركبوا قطار المعارضة في الوقت الضائع بعدما كانوا حلفاء للعصابة في السر والعلن".

وفي السياق ذاته ذهب موقف المرشح الرئاسي، رئيس الحكومة السابق عبد المجيد تبون، الذي يعتقد أن انتخابات 12 ديسمبر هي الممر الآمن الذي سيخلص البلاد من أزمتها. وقال تبون، خلال تجمع شعبي مؤيد له في منطقة بشار، جنوبي الجزائر، منذ يومين، إن "تأجيل الانتخابات الرئاسية أو إلغاءها، قد يدخل البلد في حالة فوضى. هناك من يرفض الانتخابات، وهذا من حقه، لكنه لا يدري حجم المضرة التي تلحق بالبلد إذا لم يكن هناك مسار رئاسي". وأعرب رئيس الوزراء الأسبق عن رفضه القاطع لاستبدال الانتخابات الرئاسية بمرحلة انتقالية، معتبراً أن الجزائريين "عانوا من فترة انتقالية سالت خلالها الدماء، وتحطمت مع وجود 250 ألف ضحية (في إشارة إلى العشرية السوداء). بالمختصر، المرحلة الانتقالية تحتمل انزلاقات، وعلى الرافضين للمسار للانتخابي عدم استعمال العنف لمنع الانتخابات ومراعاة محيطنا الإقليمي".

بحماسة أقل، يبدو المرشح الرئاسي رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس مقتنعاً بأن انتخابات ديسمبر ليست مثالية، وهي ستتم في ظروف غير مناسبة، مقارنة مع ما كان ممكناً، لكنه يرفض سيناريو التأجيل، لما له من مخاطر أكبر. ورأى بن فليس، الذي حضر تجمعاً انتخابياً، أول من أمس الأربعاء، في منطقة قالمة، شرقي الجزائر، أن "اقتراع 12 ديسمبر مقبول، وليس مثالياً"، معتبراً أن "الذهاب نحوه جاء كحالةٍ اضطرارية، في ظلّ غياب البديل الذي يستطيع مواجهة الأزمة التي ستعاني منها الجزائر مستقبلاً، وضروريٌ لإخراج البلاد من نفق المجهول، بعد الأوضاع المزرية التي وصلت إليها".



من جهته، يتخطى المرشح الرئاسي، وزير الثقافة السابق عز الدين ميهوبي، الأدبيات السياسية المعروفة لدى حزبه، "التجمع الوطني الديمقراطي"، والتي تدفعه إلى تأييد أي خطوة تتخذها السلطة وتبريرها، واصفاً الانتخابات المرتقبة بـ"الخيار الشعبي". وقال ميهوبي أخيراً خلال تجمع شعبي في إطار حملته الانتخابية، في منطقة المدية، قرب العاصمة، إن "أي تأجيل للانتخابات الرئاسية سيضع البلاد خارج إطار الشرعية الشعبية. الشعب الجزائري ينتظر الانتخابات للخروج من الأزمة، ومن دونها لن يحصل ذلك". وبحسب رأيه، فإن "الجزائريين أيقنوا أن لا خيار غير الصندوق لتجاوز الأزمة الراهنة، والمسار الانتخابي هو الوسيلة الوحيدة لتجسيد الإرادة الشعبية من خلال الصندوق".

ومع تسارع التطورات السياسية والميدانية، تحول "إجراء الانتخابات الرئاسية" في موعدها، البرنامج المحوري للمرشحين الخمسة ولخطاباتهم الانتخابية، مركزين عليه أكثر من برامجهم وتصوراتهم للحكم، ولمعالجة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بالجزائر. ويؤشر هذا التركيز على وجود مخاوف لدى هؤلاء من إمكانية توفر الحراك الشعبي على القدرة لعطب الانتخابات، خصوصاً مع سرعة وتطور وتمدد تظاهرات الحراك والتصعيد باتجاه مسيرات ليلية. ويتصاحب ذلك مع تدفق تقارير أمنية ترفع من قبل الأجهزة الأمنية والاستخبارات إلى قيادة الجيش، وتؤكد أن السلطة باتت تفقد بالكامل السيطرة على الشارع، وهو ما ظهر من خلال فشل محاولاتها تسيير تظاهرات شعبية داعمة للجيش وللانتخابات، حتى مع الاستعانة بمنظمات وجمعيات وأحزاب موالية، وبالمساجد والمؤسسات الدينية.

وفي مواجهة مواقف المرشحين، يملك الحراك الشعبي رأياً آخر، يعبر عنه الناشط نور الدين خدير، الذي رأى أن إرجاء الانتخابات خيارٌ لا مفر منه إذا أرادت السلطة إنقاذ البلد، جازماً في تصريح لـ"العربي الجديد"، بأن هذه الانتخابات "لن تحل الأزمة، فكلنا يدرك أنها مجرد تأجيل للحل وتهريب للأزمة ليس أكثر، أما السلطة فهي المسؤولة عن هذه اللحظة المأزومة، بسبب فرضها للخيارات والمسار دون السماح بإنجاز توافقات مشتركة". وبقياس ومقارنة مجموع هذه المواقف والمؤشرات، فان عدداً من المراقبين يعتقدون أن احتمالات إرجاء الانتخابات الرئاسية تبدو ضعيفة، مقارنة بالإصرار على تنفيذ العملية الانتخابية. فالسلطة، بحسب هؤلاء المراقبين، تقابل تصلب موقف الحراك الشعبي بتصلب مواز في الذهاب بالانتخابات إلى نهايتها وانتخاب رئيس للجمهورية بمن حضر من الناخبين، وخصوصاً أن مسألة العزوف الانتخابي مهما بلغت مؤشراتها، والتي قد تؤثر على الشرعية الشعبية للرئيس المقبل، لكنها لن تطعن دستورياً وقانونياً في صحة الانتخابات. وتعتبر المؤسسة العسكرية في الجزائر أن الانتخابات "مسألة مصيرية"، ويترجم هذا الرأي في مضمون الخطابات الأخيرة لقائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، والذي أعلن خلال لقائه قبل أيام بالقيادات العسكرية في منطقة وهران، غربي البلاد، عن إصداره تعليمات للقيادات العسكرية والأجهزة الأمنية لوضع خطط تأمين كامل للعملية الانتخابية، بدءاً من الحملة الدعائية للمرشحين لغاية الإعلان عن النتائج. ويؤشر هذا الإعلان إلى إصرار السلطة الفعلية بالذهاب بالأزمة إلى المخرج الانتخابي، بشكل يوفر مزيداً من الاطمئنان لأنصار هذا الحل.

وتعليقاً على ذلك، استبعد الباحث في الشؤون السياسية الجزائرية عمار صيغة، في حديث لـ"العربي الجديد"، إرجاء الانتخابات، مشيراً إلى أن "موقف المؤسسة الفعلية يوفر دعماً معنوياً كمخرج للأزمة السياسية، ويبعث المزيد من الارتياح لدى المرشحين الخمسة، ويعزز من حضور المخارج الدستورية، ويدحض المخاوف من المراحل الانتقالية والمجالس التأسيسية". ودافع صيغة عن كون إجراء الانتخابات هو خيار أقل كلفة بالنسبة للوضع الجزائري الراهن، قائلاً إن "ثمة اجماع واقعي لدى السياسيين والاقتصاديين على أن مخرج الانتخابات هو الأقرب إلى تجنيب البلاد المزيد من التعقيدات والمخاطر من لا شرعية دولية للنظام، وحالة اللاأمن، وظروف اقتصادية تزيد من معاناة المواطن الجزائري وتثقل كاهل الخزينة العمومية في ظل مواصلة الاعتماد على الدخل الريعي للنفط، كما تزيد من الحرج على صعيد الاتفاقات الاقتصادية والتجارية المبرمة مع شركات دولية فاعلة، ناهيك عن الالتزامات تجاه المؤسسات المالية الدولية".

المساهمون