رئاسيات الجزائر: سباق الوعود الاقتصادية البراقة

رئاسيات الجزائر: سباق الوعود الاقتصادية البراقة

18 نوفمبر 2019
متظاهرون يرفضون الانتخابات وسط تواصل الاحتجاجات (رياض كرامدي/فرانس برس)
+ الخط -

 

مع انطلاق الحملات الانتخابية لرئاسيات الجزائر، أمس الأحد، والتي ستستمر على مدار الأسابيع الثلاثة المقبلة، أُطلقت برامج ووعود براقة، يرى خبراء اقتصاد أن هدفها فقط دغدغة مشاعر المواطنين لاستمالتهم والحصول على أصواتهم، ويأتي ذلك في ظل تأكيدات المرشحين المتنافسين أنه يمكن تطبيق برامجهم على أرض الواقع.

ومع تواتر العديد من الشعارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تزداد المخاوف من أن تظل البرامج حبراً على ورق للفوز بانتخابات 12 ديسمبر/كانون الأول المقبل، إذ يكاد أغلب الجزائريين الذين يواجهون غلاء المعيشة يفقدون الثقة في وعود السياسيين، وسط حراك شعبي متواصل منذ عدة شهور.

ويقدّم المرشحون لرئاسة الجزائر، برامج تتقاطع في نقاط كثيرة، مع اختلاف في بعض الجزئيات والعناوين، ولكن أغلب البرامج يبدو تطبيقها على أرض الواقع صعباً إن لم يكن مستحيلاً، خصوصاً أن أزمة البلاد الاقتصادية هي أعمق من الحلول المقدمة، حسب خبراء اقتصاد تحدثوا لـ"العربي الجديد".

واختار بعض المرشحين شعارات التنمية، موجهين حملاتهم الانتخابية إلى المناطق المهمشة، في محاولة لاستمالة القواعد الشعبية، فيما اختار آخرون التركيز على القطاعات المنسية كالزراعة والسياحة، لربح الأصوات، كما كان الفساد واستعادة الأموال المنهوبة عنوانين براقين استعملهما المرشحون الخمسة لخلافة عبد العزيز بوتفليقة.

وكانت الأزمات المعيشية سبباً رئيسياً في اندلاع احتجاجات شعبية ساخطة أطاحت الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة. وتواصلت مظاهرات الحراك الشعبي، في العاصمة وعدد من المدن الجزائرية رفضا للانتخابات الرئاسية المقبلة، في ظل بقاء رموز من نظام بوتفليقة. وأعلن المتظاهرون رفض هيمنة الجيش على القرار السياسي، وطالبوا بتحرير الصحافة، والعدالة.

وجعل المرشح عبد المجيد تبون (شغل منصب رئيس الحكومة 2017) الذي اختار شعار "بالتغيير ملتزمون وعليه قادرون" لحملته الرئاسية، من محاربة المال السياسي وتحييد الكارتل المالي عن الحياة السياسية، حجر زاوية برنامجه الانتخابي، وذلك بعدما كان الكارتل المالي وراء إقالته في صيف 2017.

ويعتبر تبون أن الكارتل المالي وسيطرة رجال الأعمال على ثروات البلاد والقرار السياسي، جعل الجزائر ضعيفة سياسيا واقتصاديا، بل دفعها إلى السقوط أكثر في مستنقع الاعتماد على أموال النفط.

وفي هذا السياق، يقترح تبون دعم روح المبادرة والاستثمار، شرط أن يبقى رجال الأعمال خارج اللعبة السياسية. ووعد تبون، المحسوب على نظام بوتفليقة، باسترجاع الأموال المنهوبة من طرف ما يُعرف في الجزائر بـ"العصابة" القابعة وراء قضبان السجن، في وقت قياسي، حيث يؤكد المرشح الرئاسي أنه يعرف أين وكيف يسترجع الأموال المنهوبة المقدرة بقرابة 20 مليار دولار.

أما المرشح علي بن فليس (رئيس الحكومة سنة 2001) الذي يرفع شعار "الجزائر بلدنا ورفعتها عهدنا"، فيعد ببرنامج "الاستعجال الاقتصادي" الذي سيُخرج الجزائر من عنق زجاجة الأزمة المالية التي تلازمها منذ 2014، وذلك بتوجيه الإنفاق الحكومي على قطاعات إنتاجية، كالصناعة والزراعة، مع محاربة الفساد، ومراجعة الاتفاقيات الموقعة مع الاتحاد الأوروبي، مع التركيز على دول المغرب العربي، وذلك ببعث اقتصاد متكامل مع دول الاتحاد المغاربي.

كما اقترح بن فليس، الذي نافس بوتفليقة في انتخابات 2004 و2014، بناء ما سماه "اقتصاد السوق الاجتماعي"، الذي يقوم على روح المبادرة والتضامن بين الشعب، والتقسيم العادل للثروة. كما يتعهد بن فليس بأن الدولة ستوفر المناخ الملائم للاستثمار الداخلي والخارجي، وإبعاد السياسة عن الفعل الاقتصادي، وإلغاء البيروقراطية في منح المشاريع للمؤسسات.

من جانبه، يدخل الأمين العام بالنيابة للتجمع الوطني الديمقراطي، عز الدين ميهوبي، (وزير الثقافة 2017-2019) الحملة الانتخابية ببرنامج انتخابي تحت شعار "أَلتزم". فقد التزم في حال انتخابه كرئيس للجزائر بالاستمرار في السياسة الجنائية العامّة، التي تنتهجها المؤسسة القضائية الجزائرية حاليا في محاربة الفساد، لردع المجرمين، واسترجاع ممتلكات الشعب المنهوبة في آن واحد.

كما التزم ميهوبي (كاتب وشاعر)، بوضع تعامل جديد مع الطاقة، بإعادة النظر في دفاتر الشروط مع المؤسسات الاقتصادية الشريكة، الراغبة في الاستثمار في مجال الطاقة، مع تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية، بتكثيف التواجد الدبلوماسيّ في الدول الصناعية والاقتصادية الكبرى، لإقناع الشركات الكبرى والصغيرة، على حدّ سواء، بالتوجه إلى الجزائر للاستثمار الخدماتي والسياحي والصناعي، أو بالبحث عن أسواق للمنتجات الوطنية، خاصة أفريقيا.

أما رئيس جبهة المستقبل وأصغر المرشحين سناً للوصول إلى قصر المرادية الرئاسي، عبد العزيز بلعيد، فقد وضع برنامجا يحمل شعار "الشعب يقرر"، ويرى أنه يجب إعطاء المحيط الاقتصادي عناية نوعية لرفع النمو نحو مستويات عليا وخلق الثروات خارج قطاع المحروقات، بمساهمة مشتركة للقطاعين العام والخاص، على أن يتمتعا بنفس الفرص وعوامل النجاح.

كما تعهد بلعيد بوضع آليات وحوافز جديدة لجلب المستثمرين الوطنيين والأجانب، عبر خلق تحفيزات جبائية، وتسهيل الحصول على الأراضي والمرافق الإدارية، لا سيما بالنسبة لدعم شبكة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

ويقترح بلعيد إلغاء قاعدة 49/51 الاستثمارية، وهي القاعدة التي ظلت الحكومات المتعاقبة ترفض مراجعتها أو إلغاءها بحجة أنها تحمي السيادة الجزائرية على الشركات الكبرى. وتنص هذه القاعدة على شرط امتلاك الشريك الجزائري نسبة 51 في المائة من أصول الاستثمار في الجزائر حتى لو كان المؤسس طرفاً أجنبياً.

أما المرشح الخامس، المحسوب على التيار الإسلامي، عبد القادر بن قرينة، صاحب برنامج "الجزائر الجديدة"، فيرى أنه يجب الاعتماد على المؤسسات التي تنتج الثروة، مشددا على التوجه إلى القطاعات التي تسهم في دعم الاقتصاد، منها الزراعة والسياحة والصناعة، مشيرا إلى أنه لا بد من تغيير السياسة الاستثمارية في البلاد. كما يعتقد بن قرينة أن الصحراء الجزائرية التي ينحدر منها، هي بوابة الخروج من الأزمة الاقتصادية.

واللافت في برامج المرشحين الخمسة لخلافة بوتفليقة، أنهم اقترحوا جميعا التوجه من الدعم العام للأسعار والخدمات إلى الدعم الموجه للطبقة الهشة والمتوسطة، لكن من دون تقديم السبل الكفيلة بتحقيق هذا الانتقال الذي عجزت عنه الحكومات السابقة رغم المحاولات العديدة.

نقطة جعلت خبراء اقتصاد ينتقدون برامج "الفرسان الخمسة"، التي يرونها "عامة" ولا تحمل تصورا دقيقا لإخراج البلاد من الأزمة الاقتصادية، ولا تتضمن إجراءات ملموسة تحسّن قدرة المواطن الشرائية وتكبح غلاء المعيشة.

وفي السياق، يقول الخبير الاقتصادي فرحات علي "في الجانب الاقتصادي، نحتاج إلى أمور ملموسة أكثر من مشاريع انتخابية. فالأولوية للرئيس المقبل تتمثل في معالجة العجز على مستوى الميزانية، في ظل عدم وجود الأموال اللازمة لتغطية الإنفاق، أي إعادة التوازنات المالية، وعلى الأقل التخفيف من العجز المالي الداخلي والخارجي".

وأضاف علي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "البرامج جاءت على شكل عموميات من دون تقديم جدول زمني أو خريطة طريق واضحة لتطبيق البرنامج، ما يزيد الغموض لدى الناخبين. واللافت مثلا أن تبون جاء بنزعة انتقامية من رجال الأعمال، وهذا يربك مناخ الاستثمار. كما لم يقدم المترشحون وعودا مباشرة للمواطن كتخفيض الضرائب المباشرة لتحسين القدرة الشرائية، وهذه كلها نقاط يمكنها أن تكون ورقة رابحة لأي مرشح".

من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي ووزير المالية الأسبق، عبد الرحمن بن خالفة، إن "تصريحات وبرامج المرشحين الخمسة، عكست عدم فهم الوضع، فليس هناك وضوح لدى المرشحين لما يمكن أن يقوم به رئيس الجمهورية وفق الصلاحيات الحالية، سوى مرشح أو اثنين".

وأضاف بن خالفة لـ"العربي الجديد" أن "رئيس البلاد، وفق دستور 2008، لديه قيمة معنوية ومؤسساتية تخوله التدخل في كل الملفات، والتأثير على أداء الحكومة والبرلمان، إذ يمكن أن يرسم خطوط الدبلوماسية الاقتصادية، باعتبارها من صلب اهتماماته، لكن يترك الحكومة تقوم بتطبيق أفكاره، والدستور الحالي يحصر معظم الأمور في شخص الرئيس، وهو ما يجب تعديله، وفق متطلبات المرحلة".

وتابع: "هناك غياب في التخطيط للمسائل الاقتصادية والاجتماعية، وهذا امتداد للنظام السابق للأسف".

المساهمون