لبنان يترقب زحمة تحركات شعبية مطلبية تتجنب السجال السياسي

لبنان يترقّب زحمة تحركات شعبية مطلبية تتجنب السجال السياسي

12 يناير 2019
ينظّم "الحزب الشيوعي" وقفات بمناطق عدة غداً (حسين بيضون)
+ الخط -

يستعد الشارع اللبناني للعودة بقوة نهاية هذا الأسبوع، بتحركات شعبية هي الأولى من نوعها منذ انتهاء الانتخابات النيابية في مايو/ أيار الماضي، وذلك من خلال بعض المجموعات المدنية التي برزت خلال الأعوام الماضية، وكذلك "الحزب الشيوعي اللبناني" وبعض المجموعات اليسارية، تحت شعارات اقتصادية ومطلبية بحتة. وسيكون اليوم السبت اختباراً أولياً لهذه المجموعات وقدرتها على الحشد شعبياً وتحريك الشارع، خصوصاً أنّ التظاهرات هذه تأتي بعد أشهر طويلة من تعثّر عملية تأليف الحكومة اللبنانية، بسبب المحاصصة و"التناتش" بين الأفرقاء على الوزارات، أو ربما بسبب رغبة أطراف سياسية في تأجيل ولادة الحكومة في إطار انتظار تطورات إقليمية ودولية. كذلك تأتي هذه التحركات على وقع تكرار الفضائح المتعلقة بسوء الإدارة والفساد، وآخرها ما شهده لبنان خلال العاصفة الجوية الأخيرة، التي بيّنت بوضوح ترهّل المرافق العامة وشبكة البنى التحتية بسبب غياب الصيانة والفساد، والتلزيمات التي عادةً ما تحصل بالتراضي بين الأفرقاء السياسيين.

وفي المعلومات، ستتحرّك المجموعات المدنية اليوم في تظاهرة في بيروت، فيما ينظّم "الحزب الشيوعي" وقفات في المناطق يوم غدٍ الأحد. وفي الشكل، يبدو التحركان منفصلين، إلا أنه وفق معلومات "العربي الجديد"، فقد دعا "الحزب الشيوعي" إلى طاولة للحوار تضمّ شخصيات وقوى يسارية، منها رئيس حزب "التنظيم الشعبي الناصري"، النائب أسامة سعد، للإعداد لتحرّكات شعبية. كما دعي إليها بعض المجموعات المدنية، لكن الأخيرة رفضت المشاركة فيها، أو التوقيع على البيان الذي أصدره الحزب، بسبب ما تسميه، وفق مصادرها، "اعتراضات على السقف السياسي"، في إشارة إلى موقف "الحزب الشيوعي" وأسامة سعد، وبعض المجموعات اليسارية، من "حزب الله".

وسيتحرّك "الحزب الشيوعي" وبعض القوى اليسارية يوم الأحد تحت عنوان "إلى الشارع" في المناطق اللبنانية كافة من الشمال إلى الجنوب، وستشمل التحركات مدناً وبلدات عدة، مثل صيدا والنبطية وعاليه والشوف وجونيه وطرابلس وزحلة وحلبا واللبوة، وستكون تحت عناوين اقتصادية بحتة، تجنباً للعناوين السياسية التي يأخذ على هذا الحزب والمجموعات اليسارية المتحالفة معه تماهيها مع خطاب "حزب الله" السياسي فيها، ورفضها اعتباره جزءاً من المنظومة السياسية التي أدت إلى وصول البلاد إلى ما هي عليه اليوم.

وسيحمل تحرّك الأحد شعارات رافضة لتمويل عجز الخزينة من جيوب المواطنين، ونقداً للسياسات الضريبية، ودعوة إلى اعتماد "ضريبة تصاعدية على الدخل والتحسين العقاري والفوائد والريوع"، إضافة إلى انتقاد الهندسات المالية للمصرف المركزي، والسياسات الاقتصادية لدعم المصارف الخاصة وأصحاب الأموال، على حساب المواطنين.


وعلى الرغم من رفض بعض المجموعات المدنية المشاركة في تحرّك الأحد، والدعوة إلى تحرّك منفصل في بيروت اليوم السبت، إلا أنّ هذه الدعوات جاءت بالتنسيق بين الطرفين، خصوصاً أن "الحزب الشيوعي" دعا إلى تظاهرة مركزية في بيروت الأسبوع المقبل في 20 يناير/ كانون الثاني الحالي، لم يعرف بعد إن كانت ستضم أيضاً المجموعات المدنية، أم أنها ستكون برعاية "الشيوعي" ومن معه حصراً، على الرغم من تأكيد جهات مطلعة لـ"العربي الجديد" أن التحركات ستكون جامعة وبعناوين أيضاً مطلبية واقتصادية حصراً.

وبالعودة إلى تحرك اليوم السبت، فقد دعت إليه بعض المجموعات المدنية أبرزها "طلعت ريحتكم" و"لِحقّي" و"بيروت مدينتي"، تحت عنوان: "كلّنا متضررين يعني كلّن مسؤولين!". وعلى الرغم من الربط الواضح في عنوان التحرّك بين الحالة العامة وتحميل الطبقة السياسية مجتمعة المسؤولية، في إعادة لشعار "كلّن يعني كلّن" الشهير الذي رفع خلال التحركات في الأعوام الماضية، ولا سيما خلال احتجاجات عام 2015، والذي أدى إلى انقسام في الشارع وبين المجموعات المشاركة بين مؤيد ومعارض يرفض شمل "حزب الله" واتهامه بالمسؤولية، إلا أنّ تحرّك اليوم يؤكد منظموه أنه مطلبي وليس سياسياً.

وفي السياق، يقول الناشط في مجموعة "لحقي"، والمرشّح السابق للانتخابات النيابية الأخيرة، ماهر أبو شقرا، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "عنوان التظاهرة متعلّق بالعمل والصحة، إضافة إلى النظام الضريبي، الذي يجب أن يتحوّل إلى نظام تصاعدي، بما أن الحالي يحرم الدولة من عائدات كبيرة من الممكن أن تستخدم في إطار التقديمات الاجتماعية".

وكانت الدعوة إلى التظاهرة، التي ستنطلق من أمام مبنى وزارة العمل باتجاه مبنى وزارة الصحة في بيروت، حدّدت ثلاثة مطالب رئيسية هي: نظام صحّي واستشفائي متكامل يأمّن الحماية للمواطن والبطاقة الصحية له، تفعيل المادة 46 من قانون العمل اللبناني المتعلّق بتصحيح سنوي للأجور بالتّوازي مع التّضخّم، منع المؤسّسات من تشغيل موظّفين وعمّال مقابل أجر يكون دون الحد الأدنى للأجور وكذلك منع تشغيلهم بدون ضمان اجتماعي والتّشدّد في فرض الغرامات على المؤسّسات التي تخلّ.

وعلى الرغم من انتقاد البعض غياب العناوين السياسية عادة عن المجموعات المدنية، إلا أنّ أبو شقرا يقول إنّ "طبيعة أي تحرّك هي التي تحدد عنوانه"، موضحاً أنّ "تحرّك اليوم هو مطلبي، على الرغم من أنّ المجموعات التي دعت إليه لا تضع أي "تابو" سياسي، وغالبيتها لا تخاف طرح أي إشكالية سياسية. لكنّ أيّ تظاهرة أو تحرّك يجب أن تُحدد مطالبه، وهذه المطالب ليست برنامجاً سياسياً متكاملاً بطبيعة الحال".

وعلى الرغم من ابتعاد التحرّك عن الشق السياسي، إلا أن شعار التظاهرة يحمل تلميحاً سياسياً عبر تحميل الطبقة السياسية مجتمعة مسؤولية الوضع، وهو ما يضعه أبو شقرا في خانة "محاولة حماية التحرّك"، مشيراً إلى أنّ "هناك محاولة من قبل البعض لتنزيه حزب الله عن الفساد، لكن المقاربة التي اخترناها تؤكد أن لا أحد منزّه وكلهم شركاء".

وعلى هامش الدعوات لتحرّك السبت، برزت دعوة أخرى للتظاهر في بيروت أيضاً وفي المكان ذاته، أي من أمام وزارة العمل إلى وزارة الصحة، بفارق نصف ساعة في التوقيت، تحت عنوان: "لن ندفع الثمن"، وتقف خلفها شبكة "مدى" الطلابية التي تضمّ خريجين وأندية طلابية علمانية في الجامعات اللبنانية المختلفة، أبرزها النادي العلماني في الجامعة الأميركية، الذي حقّق نتائج لافتة في السنوات الأخيرة في الانتخابات الطلابية في الجامعة. وأصدرت الشبكة بياناً دعت إلى التوقيع عليه وإلى المشاركة في التظاهرة.

وعلى الرغم من التمايز في التوقيت وفي الدعوة والمطالب، إلا أنّ عدداً من الناشطين يؤكدون وجود تنسيق بين المجموعتين، وأنّ التظاهرة واحدة، مشيرين إلى أنّ عدم توحيد الدعوة هو بسبب "التباين الطفيف" في الشعارات وفي المطالب.

وفي هذا الإطار، يقول الناشط في شبكة "مدى"، جان قصير، إنّ "الطابع الأساسي للتحرّك هو اقتصادي مطلبي بحكم الأزمة التي نعيشها، لكن بياننا قارب السياسية على الرغم من المطالب المعيشية والاقتصادية الواضحة، خصوصاً أنه لا يمكن فصل السياسة عن هذه الملفات". ويشير قصير في حديث مع "العربي الجديد" إلى أنّ "البيان واضح في القراءة السياسية للأزمة، إن كان لجهة الحديث عن المقاربة الاقتصادية التي تم اعتمادها منذ نهاية الحرب الأهلية المبنية على الاقتصاد الريعي، أو لجهة النظام السياسي بكل أوجهه المليشيوية المافيوية وارتهانه للخارج وعدم قدرته على بناء مؤسسات". ويتابع: "قراءتنا لا لبس فيها سياسياً، كما أننا نرفع شعارات متعلّقة بالحقوق السياسية". ويشير قصير إلى موضوع الحريات، وعودة بعض الأجهزة الأمنية لدورها الرقابي في هذا الصدد، واصفاً ذلك بـ"الظاهرة الخطيرة التي لا يمكن غضّ النظر عنها".

ويتوسّع قصير بالحديث عن الشقّ الاقتصادي من المطالب، مشيراً إلى مطالب متعلقة أيضاً بإعادة النظر بالدين العام وخدمته التي تأكل موارد الدولة، وإعادة توزيع الخدمات الاجتماعية، وموضوع الضريبة التصاعدية، إضافة إلى مطالب متعلقة بالطلاب والأقساط والجامعات.

إلى ذلك، يبرز غياب حزب "سبعة" عن هذه التحركات، خصوصاً أنّ الأسبوع الأول من السنة الجديدة شهد دعوة إلى الإضراب العام من قبل "الاتحاد العمالي العام" و"سبعة"، لكنه لم ينجح، إذ لم يستجب الناس لهذه الدعوة، بل سُجّل ازدحام طبيعي على الطرقات في مختلف المناطق.

وحزب "سبعة" حديث الولادة، وهو مادة سجالية في لبنان، ذلك أنه ولد من رحم التحركات الشعبية التي شهدها البلد على خلفية عدم حلّ أزمة النفايات في الشوارع عام 2015. لكن ولادته قبل نحو عامين، لم تحظَ بإجماع الحركة الاحتجاجية، وظلّ الغموض يلفّ بعض مؤسسيه من المتمولين، في ظلّ شكوك تحيط بخياراتهم السياسية، وخصوصاً أن لا حاضنة شعبية حقيقية للحزب الذي ظلّ نخبوياً، ويتجنّب إعلان مواقفه السياسية من الملفات الرئيسية، مع أنه تمكن من إيصال نائب إلى البرلمان هي بولا يعقوبيان، في انتخابات مايو/ أيار الماضي.

المساهمون