مفاوضات الحكومة اللبنانية: عون يجهض محاولة جديدة للحريري

مفاوضات الحكومة اللبنانية: عون يجهض محاولة جديدة للحريري

29 سبتمبر 2018
يحاول الحريري حلّ العقدتين الدرزية والمسيحية (حسين بيضون)
+ الخط -
قبل أسابيع، عندما سلّم رئيس الحكومة اللبنانية المكلّف سعد الحريري مسودته الأولى للحكومة التي يعمل على تأليفها منذ 5 أشهر، ورفضها رئيس الجمهورية ميشال عون، انكبّ الأوّل على العمل على محاولة اجتراح بعض الحلول، وتدوير بعض الزوايا، بصمت وبعيداً عن الإعلام، خصوصاً أنّ الحريري يعتبر أنّ إفشاء أجواء المشاورات الحكومية قد تكون نتيجته سلبية وتؤدي إلى إجهاض مساعيه. وعلى مدار هذه الأسابيع، حاول الحريري البحث عن مخارج، تحديداً لما يعرف بـ"العقدتين الدرزية والمسيحية" (حصّة التقدمي الاشتراكي برئاسة وليد جنبلاط وحصّة القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع)، مدعوماً من رئيس مجلس النواب نبيه بري، وأيضاً "حزب الله"، في تقاطع برز بوضوح خلال جلسة البرلمان لـ"تشريع الضرورة". فخلال هذه الجلسة التي عقدت يومي الإثنين والثلاثاء الماضيين، عبّر رئيس كتلة "حزب الله" (الوفاء للمقاومة)، محمد رعد، عن موقف مساند للحريري، لجهة ضرورة تشريع القوانين المتعلّقة بتعهدات مؤتمر "سيدر" (انعقد في باريس في إبريل/نيسان الماضي لدعم لبنان)، في مشهد نادر، لكنه يدلّ على التقاطع بين الحزب والحريري، لجهة ضرورة الإسراع في تأليف الحكومة.

ولا شكّ في أنّ حركة الحريري واللقاءات الأخيرة، أشاعت بعض التفاؤل في الداخل اللبناني، خصوصاً لجهة إمكانية الإفراج عن الحكومة، بانتظار عودة عون من نيويورك بعد مشاركته في أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة. لكنّ عون عاد، والمفارقة أنه قبل أن يطأ أرض المطار، كانت مواقفه التي أدلى بها في الطائرة لبعض الصحافيين، تجهض حركة الحريري، وتعيدها إلى المربّع الأول، وإلى مربّع المتاريس والشروط والشروط المضادة.

إلى ذلك، تحدّث كثر في الساعات الماضية عن احتمال حصول خرق حكومي. وفي هذا الإطار، قالت مصادر سياسية مطلعة لـ"العربي الجديد"، إنّ المطروح هو قبول "الحزب التقدمي الاشتراكي" بوزيرين درزيين على أن يتم اختيار الوزير الثالث بضمانة بري والحريري. أمّا العقدة المسيحية، فأشارت المصادر إلى إمكانية تنازل عون عن منصب نيابة رئاسة الحكومة ومنحه لـ"القوات اللبنانية" التي تشغل هذا المنصب حالياً، لتُضاف إليها حقيبتان وازنتان ووزارة دولة.

وبدا بيت الوسط (مقرّ إقامة الحريري) في الساعات الماضية كخلية نحل، إذ حضر الوزير وائل أبو فاعور موفداً من جنبلاط قبل يومين، وحطّ جعجع في البيت ذاته الخميس، في حركة أوحت بأنّ ثمّة شيئاً ما في جعبة الحريري، فرض حضور أبو فاعور وجعجع، للتشاور، لعلّ وعسى يحقّق الطرح الجديد خرقاً ما.

عملياً، خرج جعجع من بيت الوسط بأجواء لا توحي بأنّ الخرق تحقّق، خصوصاً أنّ مصادر مطلعة أكّدت أنّ توزيع الحقائب لا يزال العقدة الأبرز بين كل الأفرقاء، كما أنّ طرح تولي "القوات اللبنانية" نيابة رئيس الحكومة لم يكن بالتنسيق مع "التيار الوطني الحرّ"، ويبدو أنّ موقف عون من الحكومة قبل وصوله إلى لبنان، كان يهدف أساساً إلى قطع الطريق أمام أي طروحات من هذا القبيل.

وكان عون، ومِن على متن الطائرة التي أقلّته إلى بيروت، فاجأ الجميع في دردشة مع الصحافيين، بطرح جديد، يتمثّل في حكومة أكثرية، في حال لم ينجح مسعى "حكومة الاتحاد الوطني الائتلافية"، مضيفاً: "من لا يريد المشاركة فليخرج منها". ووضعت مصادر "العربي الجديد" هذه المواقف في خانة المراوحة، لكنّها في المقابل أشارت إلى أنّها المرة الأولى التي يخرج فيها رئيس الجمهورية، منذ توليه المنصب، بمواقف عالية السقف سياسياً، خصوصاً أنّه تحدث عن صلاحيات الرئاسة وعن العيش المشترك، وانتقد من يحاول تحجيم دوره رئيساً للجمهورية. كما أشار إلى اتفاق الطائف، في سياق الحديث عن ضرورة مبادرته بوصفه رئيساً للجمهورية.

والأكيد أنّ حركة الحريري بدأت تُجهض قبل أن تتبلور، والأكيد أيضاً بالنسبة إلى الأوساط السياسية، أنّ اجتماعاً بات قريباً بين الحريري وعون، سيطرح خلاله الأول حصيلة مشاوراته، وصورة مواقف الأطراف السياسية كافة، وسيقف عند ضرورة تنازل جميع الأطراف. وفي السياق، قالت المصادر إنّه وعلى الرغم من مواقف عون، إلا أنّ الحريري لا يزال يراهن على دور ما يمكن أن يلعبه الرئيس للخروج من المأزق الحكومي، خصوصاً أنّ العقدة هي بين "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية"، وعون يمكن أن يُخرج الجميع من هذا المأزق بوصفه رئيساً للجمهورية، وقيادياً مسيحياً، وبالتالي اليوم الكرة في ملعب الرئاسة، وفي "الملعب المسيحي".

في أروقة بيت الوسط، الحديث دائم عن الحكومة، ليس بوصفها ضرورة فحسب، بل بوصفها حجر الزاوية في إطلاق ورشة اقتصادية يمكن أن تنتشل لبنان من واقعه، ومن الاحتمالات الخطيرة التي تنتظره. وأشارت المصادر إلى أنّ هاجس الحريري الأول هو الوضع الاقتصادي، على الرغم من أنه خلال جلسة تشريع الضرورة طمأن الجميع، ووضع ما يحكى عن وضع الليرة اللبنانية في خانة الشائعات. إلا أنّه في المقابل لا يخفي في مجالسه القلق على الوضع الاقتصادي برمته، وهو كان واضحاً خلال جلسة التشريع الأخيرة، في حديثه عن مشاركته فقط من أجل إقرار قوانين المشاريع المتعلقة بمؤتمر "سيدر".

إلى ذلك، تشي الأحداث التي تشهدها المنطقة والاستحقاقات التي تُقبل عليها، بأنّ الاستحقاق الحكومي لم يُفرج عنه بعد من الغرف المغلقة لدى اللاعبين الكبار، وعلى رأسهم الولايات المتحدة التي ترفع من وتيرة العقوبات ضدّ إيران و"حزب الله"، ولا تريد تأليف حكومة تُظهر أنّ هذا الحزب يزداد قوة وحضوراً. ولعل ما يدفع المراقبين إلى استبعاد ولادة الحكومة في هذه المرحلة أيضاً، حقيقة أنّ التطورات الجارية على الساحتين الإقليمية والدولية لا تشير إلى أنّ مقايضات ما حصلت، أو هي على وشك الحصول، ومن ضمنها الإفراج عن الحكومة اللبنانية العتيدة.

ويأتي قلق الحريري بالتزامن مع تصويت مجلس النواب الأميركي على مشروع قانون يفرض عقوبات إضافية على "حزب الله"، ويتزامن مع حزمة عقوبات جديدة ضد إيران تدخل حيّز التنفيذ في 15 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

أميركياً أيضاً، سمع عون خلال زيارته إلى نيويورك ما يمكن وصفه بأنّه استغراب دولي من الحالة السياسية اللبنانية، وتجلّى ذلك في لقاءات رئيس الجمهورية، إذ بدا لبنان وكأنه معاقب دولياً، خصوصاً أنّ اللقاءات لم تشمل لا الفرنسيين ولا الخليجيين، إضافة إلى أنّ مجموعة الدعم الدولية التي عادةً ما تجتمع منذ العام 2014، لم تعقد هذه السنة.

وعلى الرغم من سوداوية المشهد وإجهاض مساعي الحريري قبل أن تتبلور، اختصر عون من على متن طائرته الوضع لدى سؤاله ما إذا كانت العقدة خارجية، بالإشارة إلى أنّ "الأمور مختلطة، والعقدة تكون أحياناً خارجية، لكن يعبّر عنها محلياً"، في اعتراف ضمني بأنّ الأمور الإقليمية والدولية، لم تنضج بعد، وبالتالي الحديث عن عقد داخلية يبدو محاولة لتحويل الأنظار، فيما الأكيد بالنسبة إلى الجميع هنا في بيروت أنّ لا حكومة، حتى إشعار آخر.