وثائق الخارجية الأميركية: ثلاثة بدائل لسورية في الحرب اللبنانية(5)

وثائق الخارجية الأميركية: ثلاثة بدائل لسورية في الحرب اللبنانية (5)

08 يونيو 2018
جندي سوري في بيروت عام 1986 (ماهر عطار/Getty)
+ الخط -
في الجزء الأخير من عرض "العربي الجديد" للوثائق التي أفرجت عنها الخارجية الأميركية الأسبوع الماضي، وتتناول حقبة مفاوضات كامب دايفيد وما تلاها، يطفو على السطح موضوعان، أوّلهما كيف تطوّر الموقف الأميركي من تزايد حدة الحرب الأهلية في لبنان وخوف واشنطن من اندلاع مواجهة إسرائيلية ــ سورية هناك. والثاني هو إلحاح الإدارة الأميركية على مشاركة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في المفاوضات المتعلّقة بالحكم الذاتي في غزة والضفة الغربية، ضمن اتفاقية كامب ديفيد.

مخاطر لبنان

حول التصعيد الذي شهده لبنان إبان الحرب الأهلية التي اندلعت عام 1975، أشار تقرير أعدّه نائب مدير وكالة الاستخبارات العسكرية يوم 22 أغسطس/ آب 1978، إلى قلق واشنطن من تطورات الأوضاع على الساحة اللبنانية التي قد تؤدي إلى اندلاع مواجهة كبيرة بين إسرائيل وسورية. ورأى تقدير الاستخبارات العسكرية الأميركية أن حوادث بيروت أو حوادث جنوب لبنان صغيرة ومحدودة، إلا أنّه وعلى الرغم من ذلك، قد تدفع لتغيّرات كبيرة في مواقف الأطراف من اتفاقية السلام.

وخلص التقرير إلى أنّ "سورية ستبقى في لبنان طالما أرادت التوصّل لحلّ يفيد حلفاءها اللبنانيين ويخدم أهدافها الإقليمية". أمّا إسرائيل، فقد اعتبرها التقرير "تحاول جاهدة إنهاء الوجود السوري في لبنان، وترى أنّ صدامها القادم مع سورية داخل الأراضي اللبنانية سيمثّل تذكيراً بعمق الصراع بينها وبين هذا البلد"، والذي بدأت فصوله العسكرية عام 1967. وأشار التقرير إلى أنّه "أمام دمشق ثلاثة بدائل في ما يتعلّق بلبنان: أولها الانسحاب منه، وثانيها الدخول في مواجهات عسكرية والاستعداد للبقاء كقوة احتلال، وأخيراً الانتظار أملاً في الاستفادة من التطورات الجارية". واختارت سورية البديل الثالث وذلك انطلاقاً من مراجعتها لسياستها في لبنان وتفضيلها الحذر من المغامرة في تلك الفترة. إلا أنّ تطورات الساحة اللبنانية جاءت بنتائج سلبية على دمشق، فلم يحدث إلا تصعيد متبادل بين كل الأطراف مع الفشل المتكرر في التوصّل لاتفاقيات لوقف إطلاق النار.

من ناحية أخرى، قدرّت الاستخبارات العسكرية الأميركية أنّ "إسرائيل لن تقف موقف المتفرّج إذا ما رأت القوات السورية تسحق المليشيات المسيحية اللبنانية، فآخر ما تأمله إسرائيل هو أن تكون هناك على حدودها الشمالية دولة تابعة لسورية". وتخوّف تقدير الاستخبارات الأميركية من أنّ "سوء الحسابات وتعقيداتها بين الطرفين قد يدفع عن قصد أو غير قصد لمخاطر مواجهة عسكرية كبيرة بين سورية وإسرائيل، على الرغم من عدم سعي الطرفين إليها بالضرورة. وربما لن تقع المواجهات سريعاً، لكن من الأكيد وقوعها في المستقبل القريب".



وفي 31 أغسطس 1978، بعثت وزارة الخارجية الأميركية للقائم بأعمال السفير الأميركي في دمشق رسالة، عليه توجيهها للرئيس السوري آنذاك حافظ الأسد وكبار المسؤولين السوريين، وكان أهم ما جاء فيها "اجعل السوريين يدركون جيّداً أننا سننكر نقل أي رسالة تحذير إسرائيلية للسوريين، وسنقول إننا استمرينا في التواصل مع الجانب السوري بخصوص الأوضاع في لبنان. وعليك التأكّد أنّ الحكومة السورية تفهم حجم الانزعاج في إسرائيل بخصوص ما يجري في لبنان، وأننا نتوقّع أن تزداد الأوضاع اضطراباً على الساحة اللبنانية".

الضغط على عرفات 

عرض محضر اجتماع بين الرئيسين المصري، أنور السادات، والأميركي، جيمي كارتر، وعقد يوم 8 إبريل/ نيسان 1980 في البيت الأبيض، وشارك فيه أعضاء فريق التفاوض المصري، سؤالاً وجهه كارتر للمستشار المصري أسامة الباز، عمّا إذا كان ياسر عرفات سيقبل مبدأ "غزة أولاً"، وهو المبدأ الذي روّجت له إسرائيل في مفاوضاتها الثلاثية مع واشنطن والقاهرة حول الحكم الذاتي للفلسطينيين. وردّ الباز بالقول "نعم يمكن أن يعطى الفلسطينيون بعض المناطق في مرحلة انتقالية قصيرة، ولكنهم لن يقبلوها على المدى الطويل. منظمة التحرير الفلسطينية تطلب الضفة الغربية وقطاع غزة". ثمّ سأل كارتر الباز "هل يقبل عرفات إعطاءه مدينة بعد مدينة، أيّ أن يأخذ الخليل ثم يأخذ بيت لحم؟ وهل يستطيع إدارة 15 إلى 20 قطاعاً معاً، من مدارس، طرق وشرطة؟"، فردّ الباز قائلاً "إنّ عرفات لن يقبل ذلك؟". وعاد كارتر ليسأل عما إذا كان عرفات سيقبل أن يدير عُمد المدن مدنهم، أم أنه يفضّل أن تدار عن طريق سلطة الحكم الذاتي؟ ورد الباز بأن "عرفات لن يقبل حكم المدن عن طريق العُمد، فهذا يعطي انطباعاً بالتشتت، في حين تبرز سلطة الحكم الذاتي وحدة ومركزية ضرورية في هذه المرحلة".

وخلال اجتماع ثالث يوم 9 إبريل 1980، بين الرئيسين المصري والأميركي خلال زيارة السادات لواشنطن، ركز كارتر على كيفية إحضار الفلسطينيين وعرفات لطاولة التفاوض، وجاء ردّ السادات على النحو التالي: "لو شارك الملك حسين، فمن المؤكّد أن يشارك ممثلون عن منظمة التحرير الفلسطينية. نعم سيقولون إن الملك حسين انضم للمؤامرة الصهيونية، لكن في داخل أنفسهم سيفعلون المستحيل للمشاركة، سيقولون: لن نترك الملك حسين يحصل على كل الضفة الغربية لنفسه". ثمّ سأل كارتر "ما الأهم للملك حسين، خوفه من سورية والعراق أم الحفاظ على علاقاته بالسعوديين؟"، فردّ السادات قائلاً "الاثنين معاً، لكن لو دعمه السعوديون، سيشارك بغض النظر عن حجم التهديدات من سورية والعراق. السعودية تستطيع جعل الملك حسين يشارك، وهذا بدوره سيؤثر ويجذب الفلسطينيين، الذين يدركون ويخشون من طموح الملك حسين في مملكة متحدة".

وعبّر الباز عن اعتقاده بأنّ "الفلسطينيين يؤمنون بأنّ أفضل البدائل هي الانتظار... الانتظار حتى تحدث تغيّرات إيجابية داخل إسرائيل تسهّل من حصولهم على صفقة أفضل مما تبحثه مصر وإسرائيل والولايات المتحدة". وقال كارتر "كان الفلسطينيون سيحصلون على صفقة جيّدة من كامب ديفيد".

وعبّر الأميركيون عن استغرابهم من الموقف الفلسطيني، وقال مساعد وزير الخارجية هارولد ساوندرز "من يدري ماذا يمكن لحزب العمل أن يعطي الفلسطينيين أكثر من قطاع غزة والضفة الغربية، يبدو أنّ هناك مشكلة في الحسابات الفلسطينية".

وقبل ذلك بأشهر، عبّرت وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي أيه"، عن تقديرها للحسابات الفلسطينية تجاه الانضمام لعملية السلام. وذكرت في تقدير موقف لها بتاريخ 15 مارس/ آذار 1979، أنّ "الفلسطينيين سيعبرون عن غضب كبير عقب توقيع اتفاق سلام مصري إسرائيلي، وسيأتي ذلك عن طريق قيام العناصر الراديكالية بعمليات إرهابية ضد المصريين والإسرائيليين، وربّما ضدّ أهداف أميركية في أوروبا والشرق الأوسط وداخل إسرائيل. وكذلك عن طريق تشجيع الفلسطينيين على التظاهر في المناطق المحتلة، وداخل مناطقهم في لبنان. سيتأنى عرفات والقوى المعتدلة الفلسطينية في التنديد بالاتفاقية انتظاراً لتقييم موقف وردود الدول العربية، وسيختفي هذا التأنّي بمجرّد أن تبدأ الدول العربية في استخدام مصطلحات على شاكلة خيانة السادات لقضية العرب".