يساريو المغرب نحو تكريس "القطيعة" مع الإسلاميين

يساريو المغرب نحو تكريس "القطيعة" مع الإسلاميين

27 يناير 2018
خرج اليساريون والإسلاميون في تظاهرات مشتركة (فاضل سنا/فرانس برس)
+ الخط -
أفرزت كواليس ووقائع المؤتمر الرابع للحزب الاشتراكي الموحد المغربي، الذي نظم أخيراً تحت شعار "دعم النضالات الشعبية من أجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية"، عدة دلالات سياسية، تتعلق بذهنية وفكر اليسار المغربي، وعلاقة هذا الطيف مع تيار الإسلاميين في المملكة. وبدا واضحاً أن الحزب الاشتراكي الموحد اليساري المعارض، الذي يمثله نائبان فقط في مجلس النواب، بعد مشاركته في الانتخابات التشريعية في أكتوبر/ تشرين الأول 2016، بخلاف إحجامه عن المشاركة في الانتخابات التي سبقتها، يسير في اتجاه تكريس "القطيعة" مع الإسلاميين في المغرب، سواء المشاركين في الحكومة أو المعارضين للنظام السياسي بالبلاد.

وظهر هذا التوجه من خلال رفض هذا الحزب اليساري لاستدعاء حزب العدالة والتنمية، القائد للحكومة وذي المرجعية الإسلامية، وجماعة العدل والإحسان، أكبر تنظيم إسلامي معارض، فيما استضاف الحزب العديد من الأحزاب السياسية والهيئات النقابية والحقوقية والضيوف الآخرين. ورفض حضور إسلاميي الحكومة والمعارضة على حد سواء للمؤتمر، يعطي قناعة أساسية مفادها أن الحزب الاشتراكي الموحد، الطامح إلى انصهار أحزاب اليسار في بوتقة واحدة قبيل الانتخابات المقبلة، يبصم على مرحلة مقبلة تتسم بالتنافر والقطع مع أي تواصل مع أحزاب وهيئات وجماعات الإسلاميين.

ويبدو هذا التوجه منطقياً عند قطاع كبير من اليسار المعارض في المغرب، بما أنه يرى في أدبياته السياسية أن "الأصولية الدينية المتطرفة تستفيد من الأوضاع في البلاد، عبر استغلال الدين لأغراض سياسية تخدم الاستبداد والفساد والرجعية". كما يدعو إلى "إشاعة الثقافة التنويرية، باعتبارها أبرز شرط من شروط الفعل السياسي، الواعي والفاعل في محيطه". و"شعرة معاوية" التي قطعها يساريو "الاشتراكي الموحد" مع الإسلاميين كانت نتيجة لمجموعة من الانتقادات الحادة التي وجهوها إلى الحكومة، بقيادة حزب يقدم نفسه على أنه ذو مرجعية إسلامية، إذ لا يكف اليسار المعارض عن اتهام هذه الحكومة بغياب الإرادة السياسية لتوفير أسباب الحرية والكرامة.

وبالنسبة إلى جماعة العدل والإحسان الإسلامية، الرافضة طيلة تاريخها للمشاركة في الانتخابات، فإن "الاشتراكي الموحد" ومن معه من الأحزاب اليسارية الأخرى ترى أن هذه الجماعة تحتكر الدين الذي هو للجميع، كما لم تنس لهذا التنظيم الإسلامي "خذلانه" لحركة "20 فبراير"، الداعية إلى محاربة الفساد والاستبداد، بعد أن انسحبت من احتجاجات الشارع. ويتهم هذا التيار من يساريي المغرب "العدل والإحسان" بأنها "جماعة انتهازية"، على اعتبار أن اليسار ساندها أيام المحنة التي عاشتها، خصوصاً في فترة التضييق على شيخها الراحل، عبد السلام ياسين، وتلقى الضربات بدلاً عنها، بينما "الجماعة تخلت عن مؤازرة اليسار في عدد من المحطات"، وفق زعيمة فيدرالية اليسار بالمغرب، نبيلة منيب.


تيار آخر من اليسار متمثل برفاق حزب النهج الديمقراطي، الذي يصنف بأنه ينتمي إلى اليسار الجذري، يرى، خلاف ذلك، إمكانية محاورة الإسلاميين المعارضين لإنشاء جبهة وطنية شعبية، يكون هدفها محاربة الفساد والاستبداد وإرساء العدالة الاجتماعية في البلاد. وتم تجريب نوع من "التحالف والتنسيق" بين إسلاميي "العدل والإحسان" ويساريي "النهج الديمقراطي"، وهما يتفقان معاً في رفض المشاركة في الانتخابات، من خلال المشاركة جنباً إلى جنب في احتجاجات حركة "20 فبراير" التي جاءت في سياق رياح الربيع العربي التي هبت على عدد من بلدان المنطقة العربية. وخرج اليساريون والإسلاميون، خصوصاً من أنصار جماعة العدل والإحسان، في تظاهرات حاشدة طلباً للكرامة والعدالة والقطع مع سياسة الريع ودولة اللاعقاب، قبل أن ينفض الاتفاق الضمني بين الطرفين، بعد بضعة أشهر، وانسحاب الجماعة من حركة "20 فبراير"، بدعوى أن الحراك استنفد كل ما لديه من طاقات وشعارات بعد أن تم تعديل الدستور، وأجريت انتخابات مبكرة فاز فيها "إخوانهم" في "العدالة والتنمية". ورغم فض "الشراكة" في الشارع بين إسلاميي "الجماعة" ويساريي "النهج" منذ حركة "20 فبراير"، إلا أن "مغازلات" ظلت مستمرة من خلال دعوات متبادلة إلى الحوار بين الطرفين، رغم الاختلافات الإيديولوجية القائمة والأهداف المرجوة، فاليساريون ينشدون نظاماً ديمقراطياً شعبياً وجماهيرياً، وفق أدبياتهم، فيما إسلاميو "الجماعة" يتطلعون إلى "خلافة إسلامية" بنظام الشورى الإسلامي.

وبخلاف "فيدرالية اليسار" التي ترفض الحوار مع الإسلاميين، سواء المشاركين في الحكومة أو المعارضين للنظام، فإن يساريي التيار الراديكالي يحافظون على "شعرة معاوية"، ويقبلون دعوات الحوار مع الإسلاميين، شرط أن تشارك فيه "كل القوى الحية التي تنشد التغيير لصالح الشعب"، وألا تشارك فيه "القوى المناهضة للتغيير والمستفيدة من الاستبداد"، وفق تعبير "النهج". وبالنسبة للرافضين لهذا الحوار من أبناء اليسار، فإنهم يستندون في ذلك إلى تجارب سابقة تتسم بالتوتر الشديد بين الطرفين. كما يرى يساريون، وفق الأمين العام لحزب "النهج"، عبد الله الحريف، أن "هذه الدعوة للحوار وتغيير بعض المواقف من طرف بعض قوى الإسلام السياسي ليست سوى تكتيك أو مناورة أو تقية لن تتوانى قوى الإسلام السياسي عن الانقلاب عليها متى كان لها التمكين".

وعدا تحدي التعاطي مع الإسلاميين بمختلف تياراتهم وانتماءاتهم ومواقعهم، داخل أو خارج الحكومة، فإن هناك تحدياً آخر لا يقل أهمية يقف في طريق اليساريين المغاربة غير الممثلين في الحكومة، ويتمثل في مشكلة الوحدة وإعادة بناء جسد اليسار المغربي لمقارعة التحديات المقبلة، وعلى رأسها مواكبة "النضالات الشعبية" ودخول الانتخابات المقبلة بقوة. ويعتبر رفاق "الاشتراكي الموحد" أن إعادة بناء اليسار المغربي هي مهمة الساعة لانطلاق نهضة جديدة ولتشكيل الجواب السياسي والمجتمعي على الانتظارات والرهانات المعلقة على اليسار المغربي، لهذا "كانت الدعوة إلى العمل الجماعي والمشترك لتسريع إنجاز كافة الشروط المساعدة على تحقيق الاندماج والتعبئة الداخلية من أجل تحقيق هذا الهدف في الأفق المنظور".

دلالات

المساهمون