حرب على مخدرات "طالبان"

حرب على مخدرات "طالبان"

02 ديسمبر 2017
الشرطة الأفغانية تتلف حقلاً مزروعاً بالأفيون (Getty)
+ الخط -

لطالما ردد الرئيس الأفغاني أشرف غني، منذ توليه مقاليد السلطة قبل ثلاثة أعوام، أن الحرب في أفغانستان هي في الحقيقة حرب المخدرات والجرائم، في إشارة إلى أن الجماعات المسلحة تقاتل لأنها تحصل على الدعم المالي من تجارة المخدرات والجرائم الأخرى كخطف الناس لأجل الفدية وتهريب الأحجار الكريمة وغيرها. ولكن الولايات المتحدة التي تقود الحرب على حركة "طالبان"، لم تكن تستجيب للمطلب الأفغاني، وكان الظن السائد أن الاستخبارات الأميركية بالإضافة إلى بعض استخبارات المنطقة شريكة في تلك التجارة. إلا أنه مع إعلان الاستراتيجية الجديدة لواشنطن، يبدو أن الأمور تغيّرت وأنها قررت القضاء على مصادر دخل حركة "طالبان" وتحديداً الهيرويين والمخدرات.

وفي هذا الصدد، قال قائد القوات الأميركية في أفغانستان، الجنرال جون نيكولسن، إن القوات الأميركية والدولية في أفغانستان شنّت حرباً استراتيجية ضد "طالبان" بعد إطلاق عمليات جوية وليلية من خلال القوات الأميركية والأفغانية الخاصة على معامل ومراكز الهيرويين والمخدرات في جنوب أفغانستان، والتي تعد أهم مصدر دخل للحركة في حربها ضد الحكومة الأفغانية والقوات الدولية. وأشار إلى وجود ما يقرب من 500 معمل للهيرويين والمخدرات في جنوب أفغانستان وأكبرها في إقليم هلمند أحد أهم معاقل الحركة. ما يلفت في تصريحات الجنرال الأميركي قوله إن هذه ليست حرباً على المخدرات فحسب بل حربا ضد مصادر دخل "طالبان". ودمرت القوات الأميركية والأفغانية حتى الآن أكثر من عشرة مراكز ومعامل مهمة للهيرويين والمخدرات في إقليم هلمند وجواره.

كما نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية أن الولايات المتحدة بدأت تنفذ استراتيجيتها الجديدة في أفغانستان من خلال القضاء على مصادر دخل "طالبان" وذلك من خلال تدمير مراكز ومعامل الهيرويين والمخدرات. ووفق المسؤول الأميركي، فإن القوات الأميركية تعمل لتمكين القوات الأفغانية من السيطرة على ما يقارب 80 في المائة من أراضي أفغانستان خلال العامين المقبلين.

وبينما كانت الحكومة الأفغانية أول المرحبين بالقرار الأميركي، أثار الأمر استياء بعض الساسة بذريعة أن الأمر يتم من خلال الغارات الجوية وهي تؤدي في الغالب إلى مقتل مدنيين، لا سيما أن هناك زيادة ملحوظة وغير مسبوقة في العمليات الجوية للقوات الأميركية التي تهدف بحسب البيانات الرسمية الأفغانية والأميركية إلى تدمير معامل الهيرويين والقضاء على معسكرات "طالبان" وأماكن تواجدها. ولكن بعض الساسة كالرئيس السابق حامد كرزاي، اعتبر أنها مؤامرة لقتل المدنيين ولتوسيع نفوذ "داعش" على حساب "طالبان"، وليس الهدف المخدرات والهيرويين.

في المقابل، أكد الرئيس التنفيذي للحكومة الأفغانية عبد الله عبد الله، أن الهدف هو القضاء على المخدرات، مصدر دخل "طالبان" الأهم، وهو الأمر الذي كان من أهم مطالب الحكومة الأفغانية منذ فترة، مشيراً إلى أن الحكومة الأفغانية تعمل مع القوات الأميركية للقضاء على كل مصادر دخل الحركة، لافتاً إلى أن "القضاء على عناصر الحركة أمر في غاية الصعوبة، لذا دخلنا الآن مرحلة مهمة من الحرب".

كذلك أكدت الرئاسة الأفغانية أن القضاء على معامل الهيرويين وتجارتها، خطوة مهمة في سبيل إحلال الأمن في أفغانستان والقضاء على مصدر دخل "طالبان" وجميع الجماعات المسلحة التي ترتكب الجرائم في حق الشعب، مشيرة إلى أن الحرب القائمة في أفغانستان لها ارتباط وثيق بتجارة المخدرات والهيرويين وجرائم أخرى. وقال المتحدث باسم الرئاسة الأفغانية شاه حسين مرتضوي، "إننا ندرك جيداً أن المخدرات وتجارتها وراء الحرب المستمرة في أفغانستان، لذا كانت الحكومة الأفغانية مصممة على المضي قدماً في القضاء على المخدرات ومعاملها وتجارتها، كونها مصدر دخل أساسي لطالبان والجماعات المسلحة"، مشيراً إلى أن "الحرب بدأت على عدد كبير من معامل الهيرويين في إقليم هلمند، وهي في الحقيقة حرب على طالبان".


"طالبان" تتوعد بالرد
كان رد فعل حركة "طالبان" سريعاً وشديداً، إذ توعّدت بالرد القوي والفوري على القصف المتزايد على مواقع تواجدها، قائلة إن القوات الدولية والأفغانية "تقصف المدنيين وتدّعي استهداف مراكز المخدرات وهي في الحقيقة أماكن عامة، ما يؤدي إلى قتل المدنيين العزل"، معلنة أنها ستنتقم. وأضافت الحركة في بيان لها أن القصف متواصل ومسلحيها يتراجعون من الكثير من المناطق الاستراتيجية ويتركونها لتنظيم "داعش"، معتبرة أن ذلك هو هدف القوات الدولية والأفغانية وليس تدمير مراكز الهيرويين.

ولكن قائد القوات الأفغانية في إقليم هلمند، الجنرال ولي محمد أحمدزاي، رفض اتهامات "طالبان"، موضحاً "أننا دمرنا حتى الآن أكثر من عشرة معامل للهيرويين والمخدرات ومراكز بيعها التابعة لطالبان، وسنمضي قدماً في هذا المسار بالتنسيق مع القوات الدولية". وأشار إلى أن الحركة كانت تحصل على ملايين الدولارات من خلال بيع وتجارة المخدرات بأنواعها المختلفة، معتبراً أن الحرب على الهيرويين ستدمر "طالبان" اقتصادياً، "وبالتالي لن تبقى قادرة على مواصلة الحرب إذا تمكنا من تدمير كل معامل الهيرويين التي يفوق عددها 500 معمل".

من جهتها، قالت وزارة الدفاع الأفغانية، في إحصائية لها، إن أكثر من 3500 غارة جوية نُفذت من قبل القوات الأميركية والأفغانية منذ بداية العام الحالي حتى الآن على معاقل "طالبان"، وركزت في الأيام الأخيرة على مراكز الهيرويين والمخدرات. بينما كان عدد الغارات في العام الماضي 1300 غارة فقط.
ولا شك أن القصف الأميركي والأفغاني مهما كان الهدف منه، يؤدي إلى مقتل مدنيين. وكان قصف مدرسة دينية في مديرية نرخ بإقليم وردك وكذلك مقتل مدنيين بقصف في هلمند قبل أيام، أبرز مثالين على ذلك، وأدى الحادثان إلى مقتل أكثر من 20 شخصاً بينهم أطفال. وفي هذا الشأن، قال الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي إن هذا لا يخدم الشعب الأفغاني بل هو ذريعة لاستمرار دوامة الحرب، وهو ما ترغب به أميركا.


خلافات على أموال المخدرات

في الآونة الأخيرة كثرت الأحاديث حول الخلافات الداخلية في صفوف قيادات "طالبان" بسبب الأموال التي تجنيها من الهيرويين والمخدرات، وتحديداً في إقليم هلمند، إذ رفض "والي الحركة" على الإقليم المولوي عبد المنان أن يدفع كل الأموال التي يحصّلها من الهيرويين إلى الحركة، وذلك بعد مقتل الملا منصور في غارة أميركية في بلوشستان الباكستانية في مايو/أيار من العام 2016 وتولي هيبة الله أخوندزاده قيادة الحركة. وقال قيادي في الحركة يُعرف بـ"محمد عمر" إن منصور كان أحد أهم الشركاء في تجارة المخدرات، وبسببه بات عبد المنان أحد أثرياء البلاد، مضيفاً أنه بفضل تلك التجارة تمكّن عبد المنان من دفع أموال طائلة للمنشقين عن الحركة بعد الإعلان عن وفاة مؤسسها الملا عمر، للحصول على تأييدهم.
ومع مقتل منصور تغيّرت الأحوال داخل الحركة، إذ تمرد بعض القادة الميدانيين على زعيم الحركة الحالي الملا هيبة الله أخوندزاده وعلى رأسهم الملا عبد المنان الذي يحصل على أموال هائلة من المخدرات، وما زالت الخلافات متواصلة على الرغم من زيارة زعيم "طالبان" إلى هلمند بشكل سري واجتماعه بالقيادة الميدانية لحل المعضلة قبل فترة.


الفلاحون مرغمون
يقول الفلاحون في إقليم هلمند جنوبي البلاد، وهو من الأقاليم المشهورة بزراعة الأفيون، إن حركة "طالبان" تجبرهم على زراعة الأفيون التي تنتج أنواعاً من المخدرات، لأنها تأخذ منهم العشر والزكاة. وقال المزارع ناشر خان، إن نسبة زراعة الأفيون ترتفع سنوياً في إقليم هلمند لأن "طالبان" تدعو إلى ذلك بل ترغم الفلاحين على ذلك، متحدثاً عن تواطؤ بين الحركة والمسؤولين المحليين "الذين يأخذون نصيبهم". وفي هذا السياق، كان بيان للأمم المتحدة قد كشف عن تزايد في زراعة الأفيون بنسبة 87 في المائة، ووصلت زراعة الأفيون إلى حد غير مسبوق خصوصاً في مناطق الجنوب كإقليم هلمند.
وبحسب بعض الإحصائيات، فإن حركة "طالبان" تحصل سنوياً على ما يقرب من 200 مليون دولار أميركي من المخدرات، ما يشكّل بحسب قائد القوات الأفغانية الجنرال شريف يافتلي 60 في المائة من ميزانية "طالبان" لمواصلة الحرب. ووفق يافتلي، فإن القوات الدولية والأفغانية ستمضي قدماً في تدمير هذا المصدر المالي المهم لـ"طالبان".

المساهمون