مؤتمر باريس بلا الفلسطينيين والإسرائيليين: الأمل بقرار دولي جديد

مؤتمر باريس بلا الفلسطينيين والإسرائيليين: الأمل بقرار دولي جديد

13 يناير 2017
يجتمع عباس وهولاند بعد المؤتمر (جيوفري فان دير هاسل/الأناضول)
+ الخط -
يتطلع الفلسطينيون، يوم الأحد المقبل، لمؤتمر باريس الدولي، بعد نحو عامين من الجهود والحوار والأخذ والرد لعقد الاجتماع الذي يعوّل عليه الفلسطينيون كثيراً لإنهاء عقود من الاحتكار الأميركي لعملية السلام بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي. ورغم أن الآمال تبقى مشوبة بالقلق، إلا أن الأمل الحقيقي ينبع من احتمال أن تتم إحالة توصيات المؤتمر الدولي، الذي يفترض أن يشارك فيه وزير الخارجية الأميركي جون كيري، إلى مشروع قرار يصوت عليه مجلس الأمن الدولي، على غرار القرار 2334 ضد البناء الاستيطاني، ليكون عنوانه هذه المرة ربط مصير القدس بالحلّ النهائي، بالتالي تكبيل مشاريع دونالد ترامب بنقل سفارة أميركا من تل أبيب إلى القدس المحتلة.

وعلى الرغم من أن الفلسطينيين لن يكونوا حاضرين في المؤتمر الدولي، إلا أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس سيجتمع بالرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، بعد انتهاء الاجتماع، للاطلاع على نتائجه، كما أكد مستشار عباس، مجدي الخالدي، لـ"العربي الجديد". وأوضح الخالدي أن عباس سيكون في باريس يوم 15 الحالي، ولن يحضر المؤتمر الدولي، لكن سيكون هناك لقاء بينه وبين هولاند، لإطلاعه على مخرجات المؤتمر، وذلك بدعوة شخصية من الرئيس الفرنسي. ونفى الخالدي أية ترتيبات متوقعة للقاء ثلاثي كان قد شاع الحديث عنه أخيراً يجمع عباس وهولاند ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في باريس بعد انتهاء المؤتمر.

ويرى مراقبون أن الفلسطينيين رفعوا سقف تطلعاتهم من المؤتمر الدولي، ولديهم آمال سياسية من الصعب أن تتحقق في المؤتمر أو أن تدفع باريس وأوروبا أثماناً حقيقية على الأرض لتحقيقها، خصوصاً بعدما أثبتت التصريحات الفرنسية المتلاحقة بأن سقفها بانخفاض مستمر. واستبق نتنياهو المؤتمر بتصريحات عدائية قائلاً إنه "مؤتمر خاضع للتلاعب، يتلاعب به الفلسطينيون برعاية فرنسية لتبنّي المزيد من المواقف المناهضة لإسرائيل، هذا يدفع السلام إلى الوراء".

في المقابل، رأت الرئاسة الفلسطينية، في تصريح للمتحدث باسمها نبيل أبو ردينة، أمس الخميس، أن "مؤتمر باريس وقفة دولية جديدة تؤكد على حل الدولتين وعدم شرعية الاستيطان". ولفت إلى أن المؤتمر "يُشكّل فرصة هامة للتأكيد على حل الدولتين وعدم شرعية الاستيطان، خصوصاً أن المجتمع الدولي بأسره موجود في هذا المؤتمر، بعد قرار مجلس الأمن الدولي الهام الذي أكد أيضاً على حل الدولتين وعدم شرعية الاستيطان". جاء ذلك فيما أكد هولاند، في كلمة له أمس، أن مؤتمر باريس لن يحل محل المفاوضات الثنائية بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وأضاف: "السلام سيتحقق عن طريق الإسرائيليين والفلسطينيين وليس عن طريق أي طرف آخر. وحدها المحادثات الثنائية يمكنها أن تتمخض عن السلام. اجتماع الأحد ينبغي أن يذكرنا بالتصميم على دعم حل الدولتين".

وأكد عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أحمد المجدلاني، على تصريحات هولاند، معتبراً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "ما جاء به هولاند هو المتاح حالياً، والذي تجتهد القيادة الفلسطينية للحصول عليه، في ظل معارضة وعراقيل إسرائيلية واضحة، فضلاً عن أن المجتمعين في باريس يحسبون حساباً لإسرائيل على الرغم من عدم حضورها". وأضاف: "نحن مع مفاوضات ثنائية لكن تحت مظلة ورعاية دولية تواكب وتراقب سير هذه المفاوضات الثنائية". ولفت إلى أن المكاسب المتوقعة في حال نجاح المؤتمر، تتلخص "بعدم وجود رعاية أميركية للمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، واستبدالها بمظلة دولية، إضافة لوجود رقابة على المفاوضات لجهة السقف الزمني والتطبيق إذا ما توصلنا إلى مرحلة التطبيق". وخلص إلى القول: "هذا المتاح الذي تجتهد القيادة الفلسطينية للحصول عليه، وكنا نأمل أن يكون المتاح أكثر من ذلك، لكن هذا ما لدينا من معطيات على الأرض حتى الآن".


وتدرك القيادة الفلسطينية أن سقف التوقعات من المؤتمر الفرنسي بانخفاض مستمر، إذ كان الحديث في بداية إطلاق المبادرة الفرنسية عن "رعاية كاملة ومؤتمر دولي كامل الصلاحيات بمشاركة كل الأطراف، لكن المعطيات الحالية لن تؤدي إلى مؤتمر دولي كامل الصلاحيات للأسف"، كما قال المجدلاني. الحديث عن انخراط فرنسي في حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بدأ نهاية عام 2014، عندما كانت فرنسا تستعد لتقديم مشروع لإنهاء الاحتلال أمام مجلس الأمن، لكن التحديثات الأميركية البريطانية على المشروع، حالت دون قبوله من الفلسطينيين الذين سارعوا إلى تقديم نسختهم الفلسطينية العربية الخاصة من المشروع الذي تم رفضه من مجلس الأمن نهاية عام 2014. ومنذ ذلك الحين تعكف فرنسا عبر جهود دبلوماسية وسياسية كبيرة على أن يكون لها دور كبير في هذا الصراع، لكن بسقف ينخفض بشكل تدريجي وملحوظ.

وبدأ الأمر من مؤتمر كامل الصلاحيات، إلى مؤتمر فقط، ومن مخرجات تمت المطالبة بأن تُعطى ثقلاً وشرعية عبر مطالبة مجلس الأمن بتبنيها عبر قرار واضح، وإلزام حكومة الاحتلال بآليات متابعة دولية، إلا أن هذا الأمر أيضاً لن يتحقق، مروراً باشتراط فرنسا اعترافها بدولة فلسطينية في حال أفشلت إسرائيل المؤتمر، لكن فرنسا عادت وأكدت "أن الاعتراف لن يحقق أي تغيير على الأرض، ولذلك لن تقوم به"، حسب ما أكد دبلوماسي فرنسي لـ"العربي الجديد"، وذلك على الرغم من تمسك الفلسطينيين به على أمل أن يقود إلى اعتراف أوروبي واسع بدولة فلسطين، ما يقوي موقفها في أي مفاوضات مع حكومة الاحتلال. وأخيراً جاء امتناع فرنسا عن دعوة الفلسطينيين إلى المؤتمر، كما كان مقرراً، وذلك بعد رفض إسرائيل المشاركة فيه، في مؤشر واضح على خوف فرنسا من الغضب الإسرائيلي في حال حضر الفلسطينيون.

ويخوض الفلسطينيون جهوداً حالياً حول إقرار آليات المتابعة لمؤتمر باريس، وأوضح المجدلاني أنه "في النقاش حول بيان المؤتمر، يطرح القائمون عليه أن تتولى اللجنة الرباعية مهمة آليات المتابعة باعتبارها مشكلة من مجلس الأمن، لكن القيادة الفلسطينية اقترحت توسيع الرباعية بدخول أعضاء جدد عليها، أبرزهم ثلاث دول عربية هي السعودية، مصر، والأردن، ودول أخرى، وتجري جهود حثيثة منذ أيام للاستجابة للمقترحات الفلسطينية". وكان دبلوماسي فرنسي قد أكد لـ"العربي الجديد"، أن فرنسا لن تقوم بدعوة الفلسطينيين لحضور المؤتمر، وذلك بعد رفض إسرائيل المشاركة. ويؤكد المسؤولون الفرنسيون في جميع لقاءاتهم مع السياسيين والصحافيين الفلسطينيين أن الهدف من عقد المؤتمر "يتلخص بأن حل الدولتين ما زال ممكناً، ويجب التمسك به وإرجاع الطرفين إلى طاولة المفاوضات على أساسه".

ورأى عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" محمد اشتية، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن أهم المرجعيات للمؤتمر هي قرار مجلس الأمن الأخير 2334 والذي أكد على حدود 1967 لدولة فلسطينية، والقدس، والأراضي الفلسطينية المحتلة حسب اتفاقيات جنيف، معلناً أنه "ستتم مطالبة المؤتمر بوضع إطار زمني لإنهاء الاحتلال، وتبنّي كل المرجعيات وقرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي المتعلقة بفلسطين، فضلاً عن خارطة الطريق ومبادرة السلام العربية، إذ تُعتبر جميع هذه المرجعيات أساس أي عمليات تفاوضية مستقبلية".

وتضمنت المبادرة الفرنسية اجتماعاً على مرحلتين، الأول عُقد في يونيو/ حزيران 2016 من دون حضور طرفي الصراع الفلسطينيين والإسرائيليين، والثاني الذي كان يجب أن يُعقد بعد ستة أشهر، وتم تأجيله حتى منتصف الشهر الحالي، ومن المتوقع أن تحضره 77 دولة ومنظمة دولية، من دون حضور المسؤولين الإسرائيليين الذين رفضوا المشاركة، ومن دون حضور الفلسطينيين الذين لم تتم دعوتهم للمؤتمر "إرضاءً لإسرائيل"، كما أكد أكثر من مسؤول فلسطيني.

المساهمون