انتحاريو "أشبال الخلافة"... استغلال الأطفال لنشر الموت

انتحاريو "أشبال الخلافة"... استغلال الأطفال لنشر الموت

24 اغسطس 2016
الطفل الانتحاري في كركوك بعد نزع حزامه الناسف(العربي الجديد)
+ الخط -
يُعد تأكيد الشرطة العراقية في محافظة كركوك، أمس الثلاثاء، أن الطفل الانتحاري الذي ألقى القبض عليه ليلة الأحد الماضي من قبل قوات الشرطة قبل تفجير نفسه ينتمي إلى ما يسمى أشبال الخلافة في تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، الحادث الثاني الذي يزج فيه التنظيم بأطفال بهدف تنفيذ اعتداءات انتحارية خلال 24 ساعة. فقد سبق واقعة كركوك، تأكيد مسؤولين أتراك، أن الاعتداء الانتحاري ليل السبت الماضي الذي استهدف حفل زفاف في مدينة غازي عنتاب الواقعة على الحدود مع سورية، وراح ضحيته العشرات، نفذه طفل يتراوح عمره بين 12 و14 عاماً. 

وإن كانت تركيا تشهد حديثاً ظاهرة الانتحاريين الأطفال أو ما يصطلح على تسميته انتحاريي "أشبال الخلافة"، إلا أن الاعتداءات التي ينفذها تنظيم "داعش" في مدن وبلدات عراقية عدة تسجل للشهر الثاني على التوالي انخفاض أعمار الانتحاريين الذين ينفذونها ليصل عمر بعضهم إلى 13 و14 عاماً، كما هو حال انتحاري كركوك.

وبحسب ما تابعه "العربي الجديد" من بيانات يبثها التنظيم بين فترة وأخرى، فإن نحو 18 عملية انتحارية نفذت في العراق من قبل "داعش" في الفترة المحصورة بين 21 يونيو/حزيران ولغاية 21 أغسطس/آب (تاريخ اعتداءات كركوك) كانت بواسطة أطفال تتراوح أعمارهم ما بين 14 و17 عاماً غالبيتهم من العراق في الوقت الذي انخفض فيه معدل الانتحاريين العرب والأجانب. وتشير مصادر خاصة بـ"العربي الجديد" إلى أن الطفل الانتحاري المعتقل في كركوك أصيب بانهيار وبدأ بالبكاء وسط المكان الذين كان يوجد فيه، والطلب من الذين حوله الابتعاد عنه بسرعة، وهو يصيح بعبارة "سأنفجر".



ووفقاً لضابط برتبة عقيد في الشرطة العراقية في كركوك، تحدث إلى "العربي الجديد"، فإن الطفل كان يرتدي حزاماً ناسفاً يبلغ وزنه نحو خمسة كيلوغرامات حول خصره. وعقب صيحات التنبيه للطفل المنهار، أخلت الشرطة المكان وجرى الاقتراب منه بحذر ثم تكبيل يديه والبدء بسحب سلك موصول إلى زر وضع قرب السرة للتفجير. وبحسب الضابط نفسه، فإنه "لولا صراخ الطفل الانتحاري لما اكتشفه أحد بسبب عمره وشكله الذي لا يوحي إلا بأنه صبي يبيع في السوق القريب المجاور المخصص للخضروات". كما يوضح الضابط أن شقيق الطفل الأكبر نجح في تفجير نفسه ويبلغ من العمر 16 عاماً بعدما دخلا المكان سوية. ويشير إلى أنه تم التحفظ على الطفل وبدء التحقيق معه لمعرفة من أين جاء ومن هم الأشخاص الذين كانوا معه ومن ألبسه حزام الموت الناسف؟

وكانت الشرطة العراقية في محافظة كركوك قد أعلنت أمس الثلاثاء عن انتهاء التحقيقات في هجمات الأحد الماضي، التي أسفرت عن عدد من القتلى والجرحى بعد استهداف مواقع مختلفة في مركز مدينة كركوك، التي تخضع للعام الثالث على التوالي لسيطرة قوات البشمركة والأسايش الكرديتين. وقال قائد شرطة كركوك، العميد خطاب عمر عارف، في مؤتمر صحافي إن "الانتحاري الذي ألقى القبض عليه ينتمي إلى أشبال الخلافة في تنظيم داعش، وهو من مواليد 2003، وكان يعتزم تفجير نفسه على غرار اعتداءات أخرى تبناها التنظيم.
ومن بين أكثر الاعتداءات الدموية التي زج "داعش" بأطفال لتنفيذها في العراق، كان تفجير انتحاري، يعتقد أنه في سن المراهقة، حزامه الناسف عندما كان مسؤولون يقومون بتوزيع الجوائز على اللاعبين عقب مباراة لكرة القدم في منطقة الإسكندرية الواقعة شمال محافظة بابل وجنوب بغداد، ما أسفر عن مقتل 29 وإصابة 60 آخرين بجراح.
كما سبق للتنظيم نشر تسجيلات لأطفال ينفذون عمليات إعدام ميدانية، سواء في العراق أو سورية، أو لأطفال يخضعون لتدريبات عسكرية.

وفي السياق، يعتبر مصدر أمني عراقي لـ"العربي الجديد" أن "التسجيلات الأخيرة لتنظيم داعش بخصوص الانتحاريين توضح أمراً جديداً يختلف عن السنوات السابقة، يتمثل في أن أغلب الانتحاريين عراقيون، ويطلق عليهم اسم الأنصار أو الأنصاري، فضلاً عن صغر سنهم. وهناك أطفال لم يتجاوزوا 11 و12 عاماً نجحوا في تفجير أنفسهم، لذا يمكن القول نحن أمام مرحلة رعب جديد، يجب أن تكثف الجهود الاستخبارية والأمنية والسياسية والعسكرية والاجتماعية لإفشالها".

من جهته، يؤكد العقيد الركن جمال الخالصي، أحد ضباط مديرية الاستخبارات في وزارة الدفاع العراقية، لـ"العربي الجديد" أن "جيل داعش الجديد نضج بعدما أخذ التنظيم الأطفال، وهم بعمر عشر سنوات واليوم باتوا صبياناً ومراهقين بعقول مغسولة". ويعتبر الخالصي أن "المهمة أصعب مما يتخيل، وداعش تنظيم غير سهل، وتصريحات السياسيين الأخيرة حول نهاية داعش من العراق فيها تفاؤل مفرط ممزوج بخداع الجمهور من أجل مصالح سياسية، أو تخدير لفشل بتقديم الخدمات والقضاء على الفساد والفقر بالبلاد". ويلفت إلى أن "المرحلة المقبلة التي سمّيت بـ"مرحلة ما بعد داعش" لن تكون أسهل من المرحلة الحالية من ناحية أمنية، كونها ستكون عبارة عن حرب شوارع وجيوب وخلايا تضرب وتختفي وتتطلب تعاوناً مع السكان وهذا التعاون لن يتحقق مع وجود مشاكل سياسية وشعور بغبن أو ظلم الجمهور من قبل الحكومة والأحزاب الحاكمة على حد سواء"، على حد قوله.

كذلك يرى خبراء في شؤون الجماعات الإرهابية والمتطرفة أن ارتفاع نسبة الأطفال الذين ينفذون اعتداءات يؤشر إلى نضوج جيل جديد مما يعرف بـ"أشبال الخلافة"، الذين نشر التنظيم عنهم جملة من المقاطع المسجلة قبل سنوات، وهم يتدربون على مختلف فنون القتال. في المقابل، يذهب آخرون الى اعتبار أن ذلك مؤشر ضعف وتراجع في "مخزون الانتحاريين" لدى التنظيم وتراجع ماكينة التجنيد لديه. كما تشير دوائر الاستخبارات إلى عوامل أخرى بينها ضعف الإقبال على صفوف "داعش"، كما في السابق فضلا عن نجاح السلطات التركية في ضبط الحدود مع سورية ومنع عمليات التسلل إليها.

ويتطرق الخبير في شؤون الجماعات الإرهابية في العراق، محمد وادي، إلى العوامل التي تساعد "داعش" في عمليات التجنيد، مشيراً إلى أن "التطرف والرغبة في الانتحار وقتل الآخر خرج من مصانع التهميش والإقصاء والطرد والتمييز والاستهداف الطائفي التي ترعاها حكومات ما بعد الاحتلال وتغذّيها إيران"، على حد وصفه. ويضيف في حديث لـ"العربي الجديد" أنه "بات الكثير من العراقيين يشعرون بأنهم غرباء في وطنهم ومستهدفون بسبب طائفتهم، وهذا باب كاف لأن يجد داعش مدخلاً لهؤلاء فضلاً عن سهولة إقناع الطفل أكثر من غيره"، على حد قوله. بدوره، يرى عضو البرلمان العراقي محمد الموسوي أن استخدام التنظيم أعماراً صغيرة كهذه في عملياته الانتحارية يثير القلق بشكل كبير. ويلفت إلى أن "مثل هذه الأعمار لا يركز عليها رجال الأمن كثيراً في نقاط التفتيش وحواجز العبور. ونحن نعتقد أن عدداً منهم يفخخهم التنظيم بأحزمة ناسفة ويرسلهم ومن ثم يفجرهم عن بعد، وآخرين يخضعون للتخدير بمادة ما، وهناك من غسل دماغهم بشكل كامل".

المساهمون