أردوغان والنظام الرئاسي التركي: آخر الطموحات على مرمى حجر

أردوغان والنظام الرئاسي التركي: آخر الطموحات على مرمى حجر

11 ديسمبر 2016
ضمن أردوغان تمرير التعديلات عبر حزب دولت بهجلي(بينور غورون/الأناضول)
+ الخط -
اقترب الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ومن ورائه حزب العدالة والتنمية الحاكم من تحقيق حلم التحول إلى النظام الرئاسي، وذلك بعد التوصل إلى اتفاق حول نص التعديلات الدستورية مع حزب الحركة القومية (يميني قومي متطرف)، وسط اعتراضات شديدة من قبل "الكماليين" ممثلين بحزب الشعب الجمهوري (أكبر أحزاب المعارضة). وتم تقديم المسودة "التوافقية" على التعديلات الدستورية، من قبل الحزب الحاكم، أمس السبت، إلى رئاسة البرلمان، بعد مصادقة كل من قيادة "العدالة والتنمية" وقيادة الحركة القومية عليها، وبعد جمع تواقيع جميع نواب "العدالة والتنمية" البالغ عددهم 316 نائباً. وتحتاج المقترحات فقط إلى موافقة 14 نائباً إضافياً، من الحركة القومية، ليتم تحويلها إلى الاستفتاء الشعبي. ويأتي ذلك وسط ارتفاع دعم الرأي العام التركي للتحول إلى النظام الرئاسي، بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة في منتصف يوليو/تموز الماضي، وذلك بعد الدور الكبير الذي لعبته الرئاسة في إفشال هذه المحاولة.

وعمل كل من حزب العدالة والتنمية والحركة القومية، خلال الشهر الأخير، بشكل حثيث للتوافق على نص التعديلات الدستورية التي ستتيح تحويل نظام الحكم في تركيا لأول مرة منذ تأسيس الجمهورية التركية عام 1923، إلى النظام الرئاسي. وحصل النص على موافقة رئاسة الجمهورية، يوم الأربعاء الماضي، بعد اللقاء الذي جمع كلاً من رئيس الوزراء، بن علي يلدريم، والرئيس أردوغان.

وتوافق كل من "العدالة والتنمية" والحركة القومية على إيجاد صياغة توافقية تخص ثلاثة مواضيع رئيسية، وهي الصلاحيات التي سيتمتع بها الرئيس التركي لغاية دخول التعديلات الدستورية حيز التنفيذ عام 2019، أي بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة، وكذلك النصاب القانوني اللازم لمحاسبة رئيس الجمهورية وتحويله إلى مجلس الدولة الأعلى إن لزم الأمر، وكذلك حدود الصلاحيات التي سيتمتع بها الرئيس بما يخص إصدار المراسيم التشريعية. ولن يتمكن الرئيس من إصدار أي مراسيم تشريعية لغاية دخول التعديلات الدستورية حيز التنفيذ عام 2019، وكذلك لن يبدأ تطبيق المادة الخاصة بالسماح للرئيس في الحفاظ على علاقته مع حزبه قبل العام نفسه. وعلى الرغم من حصول الرئيس على بعض الصلاحيات الإضافية إلا أن تغيير نظام الحكم إلى النظام الرئاسي لن يصبح نافذاً بشكل كامل حتى عام 2019.


وبحسب التعديلات الدستورية المقترحة، سيتمتع رئيس الجمهورية، إضافة إلى منصب القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة الذي يشغله حالياً، بجميع الصلاحيات التنفيذية التابعة لرئيس الوزراء، والذي سيتم إلغاؤه وتعيين نواب للرئيس بدلاً منه. وسيتولى الرئيس تشكيل الحكومة وتعيين الوزراء والتقدم بمشروع الميزانية، وسيتمتع بالقدرة على إصدار المراسيم التشريعية على ألا تدخل حيز التنفيذ إلا بموافقة البرلمان عليها، وبشرط ألا تمس بالحقوق والحريات الشخصية للمواطنين. كما ستمتلك كل من رئاسة الجمهورية والبرلمان صلاحية حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات تشريعية في حال حصل استعصاء سياسي في البلاد. وسيحظى المجلس النيابي بعدد من الإصلاحات، من بينها رفع عدد المقاعد البرلمانية إلى 600 مقعد بدل 550 مقعداً حالياً، كما سيتم انتخاب نواب احتياط، وكذلك سيتم تخفيض عمر الترشح لعضوية البرلمان إلى 18 عاماً.

وستجري الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في وقت واحد في شهر أكتوبر/تشرين الأول من عام 2019، وسيتم إلغاء القضاء العسكري وتخفيض عدد أعضاء المحكمة الدستورية العليا إلى 15 قاضياً. وسيتم تعيين نصف أعضاء المجلس الأعلى للمدعين العامين والقضاة من قبل رئاسة الجمهورية والنصف الآخر من قبل البرلمان التركي. كما سيجري إخراج قيادة قوات الدرك من مجلس الأمن القومي وبالتالي ستنتهي عملية إلحاقها بوزارة الداخلية بشكل كامل.
واستجاب "العدالة والتنمية" لطلبات الحركة القومية بتخفيض النصاب القانوني، لمحاسبة رئيس الجمهورية وإحالته إلى المجلس الأعلى للدولة. وباتت عملية تقديم مقترح لتحويل الرئيس أمام المجلس الأعلى للدولة، تحتاج لأصوات 301 نائب من أصل 600. أما تشكيل لجنة للتحقيق بحق رئاسة الجمهورية فستحتاج إلى موافقة 360 نائباً، بينما سيتم تحويل الرئيس إلى المجلس الأعلى للدولة لمحاسبته بعد موافقة 401 نائب.

وبدا واضحاً أن أياً من الأحزاب المعارضة للتحول إلى النظام الرئاسي وبالذات حزب الشعب الجمهوري، ليس في وارد الموافقة على مسودة التعديلات الدستورية. والدليل هو أن زعيم الحزب، كمال كلجدار أوغلو، دان التوافقات بين "العدالة والتنمية" والحركة القومية، متهماً الحزبين بالعمل على تحويل نظام الحكم في البلاد إلى نظام يشبه ذلك القائم في كوريا الشمالية، في إشارة إلى سيطرة الرئيس التركي على قرارات الحكومة على المستوى الداخلي وكذلك على السياسة الخارجية. وخلال زيارته لجريدة "يني جاغ" المعارضة، قال كلجدار أوغلو: "قبل إبداء رأينا علينا أن نرى مسودة المقترحات، ولكن وبشكل مبدئي فإننا سنعمل على حماية النظام البرلماني الديمقراطي". واعتبر أن "تحويل تركيا إلى نظام ديكتاتوري هو أمر غير صحيح".

ويبدو أن حزب الشعب الجمهوري يعرف تماماً أنه غير قادر على إيقاف مشروع التحول إلى النظام الرئاسي في البرلمان، لأسباب عديدة. وعلى رأس هذه الأسباب متانة التوافقات بين الحركة القومية و"العدالة والتنمية"، والتي تجعل ذلك مستحيلاً، خاصة بعد استعادة زعيم هذه الحركة، دولت بهجلي، السيطرة عليها إثر إفشاله محاولات لإزاحته من قبل عدد من نواب الحركة. وهو غير قادر أيضاً على إيقاف المشروع على المستوى الشعبي، في حال تحويله إلى الاستفتاء، بسبب الوضع الصعب لحزب الشعوب الديمقراطي (الجناح السياسي للعمال الكردستاني) على المستوى الشعبي والمستوى البرلماني، الأمر الذي يجعل التحالف معه أو حتى التفاهم معه أمراً مستحيلاً، لا سيما بعد فشل الأخير في إدانة هجمات "العمال الكردستاني".

وعلى الرغم من ذلك، تحدث كلجدار أوغلو، في وقت سابق، عن الاستفتاء الشعبي ونتائجه، وأجرى مقارنة بينه وبين الاستفتاء الشعبي الذي حصل على دستور عام 1982، الذي هو وليد انقلاب عام 1980. وقال: "إن دستور 1982 حظي على موافقة 92 بالمائة من المشاركين في الاستفتاء الشعبي، وذلك ضمن شروط مشابهة للوضع الحالي، إذ كانت حالة الطوارئ سارية المفعول، وتم إيقاف الديمقراطية، والآن أيضاً فإن الديمقراطية غير فاعلة". وأضاف أنه "في حال حصول الدستور على أقل من 92 بالمائة من الأصوات في الاستفتاء فإن كل صوت لم يوافق على التعديلات قادر على التشكيك بمدى مشروعيتها".

المساهمون